من “رجالٌ في الشمس” إلى ” نفقُ الحرية “: صوت فلسطين يهزّ الكون

التصنيفات : |
سبتمبر 11, 2021 7:54 ص

*قاسم قصير

أصدر الكاتب والمناضل الفلسطيني غسّان كنفاني (والذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية في عام 1972) روايته الأبرز والأشهر في مسيرة حياته الأدبية “رجالٌ في الشمس” عام 1963. وهي رواية تختزل بفصولها مراحل التّشرد والموت الفلسطيني.
تتلخّص الرواية في ثلاثة رجال فلسطينيين قرّروا الهجرة بطريقة غير شرعية، لرغبتهم في تحسين أوضاعهم وهرباً من ازدراء الواقع لهم. كان على هؤلاء الثلاثة الاختباء في خزّان الصهريج لحين مرورهم على النقاط الحدودية من العراق إلى الكويت.

لكنّ الفاجعة، في الرواية المذكورة، تنتهي بموت جميع الرجال اختناقاً داخل خزّان ذاك الصهريج، ويختم كنفاني روايته بواحد من أشهر المقاطع في الأدب العربي: “لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟”.

واليوم، ها هم أبطال نفق الحرية، الأسرى الستة الفارّين من سجن جلبوع في فلسطين المحتلة، يطرقون تراب السجن بأيديهم فيصل صوتهم إلى كلّ الكون، وينطلقون أحراراً إلى وطنهم فيشعلون الأمل مجدداً بأنّ أبواب الحرية في فلسطين ستُفتح يوماً ما مهما اشتدّت إجراءات الكيان الصهيوني الظالمة، ومهما علت أسوار السجون ورغم كلّ الإجراءات الأمنية المشدّدة.

عملية الفرار من سجن جلبوع، والتي نفّذها ستة أسرى فلسطينيين (من حركتي الجهاد الإسلامي وفتح) شغلت الكيان الصهيوني وفلسطين والعالم العربي والإسلامي وكلّ الكون، فهذه العملية الفريدة في تفاصيلها والمتميزة بتوقيتها، سيكون لها انعكاسات هامة على مسيرة النضال الفلسطيني مهما كانت نهاية هؤلاء الأسرى المحرّرين، سواء نجح العدوّ الصهيوني في اكتشاف أمرهم مجدداً واعتقالهم، أو نفّذوا عملية جهادية جديدة واشتبكوا مع جنود العدوّ الصهيوني واستشهدوا، أو نجحوا في الحفاظ على حرياتهم وانطلقوا إلى فضاءات جديدة في فلسطين أو خارجها.

لقد حيّرت العملية قادة الكيان الصهيوني العسكريين والأمنيين، فكيف ينجح ستة أسرى فلسطينيين من حفر نفق والخروج من السجن بعد ثمانية أشهر من الحفر والتخطيط والتنفيذ، دون أن يُثيروا انتباه مسؤولي السجن والحرّاس والمراقبين، وهم من المناضلين الأمنيين الجهاديين الذين يقبعون تحت رقابة مشدّدة، وكيف اخترق هؤلاء الأبطال كلّ الإجراءات الأمنية وأبعدوا عنهم الشُّبهات ووصلوا إلى خارج السجن.

العدوّ الصهيوني يستمر في التحقيقات لمعرفة أسباب هذا الخلل الأمني والعسكري الكبير، وقادة العدوّ في حالة صدمة شديدة، وهذه العملية الناجحة تستكمل معركة سيف القدس، التي أكدت أنّ الشعب الفلسطيني قادر على اختراق كلّ الجدران وكلّ السجون، وأنّه يستطيع فرضَ معادلات جديدة في الصراع مع العدوّ الصهيوني، وأنّ هذه المعادلات ستتراكم.. نصراً بعد نصرٍ حتى تحرير فلسطين كلّ فلسطين.

ولقيت العملية ردود أفعال مرحِّبة من جميع الفصائل الفلسطينية والقوى المقاومة في لبنان، والعديد من الأحزاب العربية والإسلامية والشخصيات الإسلامية والقومية، وحظيت العملية بتفاعل كبير على مواقع التّواصل الإجتماعي في العالم العربي أجمع وعلى الصعيد العالمي أيضا، واعتبر الكثير من المراقبين والمحللين أنّ هذه العملية هزّت الكيان الصهيوني وسيكون لها أثار مهمّة مستقبلية على كامل المنظومة الأمنية والعسكرية داخل هذا الكيان.

وبانتظار معرفة مصير هؤلاء الأبطال الستة أو الأقمار الستة، كما وصفهم المُعلقون على مواقع التّواصل الإجتماعي، يمكن القول وقتئذٍ: إنّ الشعب الفلسطيني أصبح قادر على إيصال صوته وطرقاته إلى كلّ الكون، وإنّ العالم يهتزّ طرباً لما يقوم به الفلسطينيون اليوم في نضالهم ضدّ العدوّ الصهيوني، وإذا كان أبطال رواية غسّان كنفاني “رجالٌ في الشّمس” قد استشهدوا ولم تصل طَرَقاتهم داخل صهريج المياه إلى العالم كي ينقذهم، فإنّ أبطال نفق الحرية أوصلوا صوت فلسطين إلى كلّ الكون، ومن يطرق باب الحرية بقوّة، ينالها.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , ,