السجّان مهزُوما.. الأسرى الفلسطينيون نموذجاً

التصنيفات : |
سبتمبر 21, 2021 1:23 م

*سنان حسن

على الرغم من أنّ المقارنة غير منطقيّة ومُستحيلة بين السجّان والسجين، إلّا أنّ الأسرى الفلسطينيين، وبعزيمتهم وإرادتهم التي لا تَلين، استطاعوا هزم السجّان الإسرائيلي وجبروته ووحشيّته، ودفعوه للاعتراف بفشل سياساته ومخططاته بحقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين منذ عقود وليس الآن، وأنّ كلّ محاولاته لتحويل الأسرى إلى مجرد أرقام تنتظر الموت داخل أقبيته السوداء.. باءَت بالفشل الذريع.

ولعلّ ما أعلنته “الحركة الأسيرة”، يوم الأربعاء المنصرم، من تعليق خطوة الإضراب الجَماعي عن الطعام، بعد استجابة قوات الاحتلال لمطالبها، وأبرزها إلغاء “العقوبات الجماعيّة” المُضاعفة التي فرضتها إدارة السجون على الأسرى على خلفيّة عملية نفق الحرّية، هو انتصار مزلزل للأسرى ونضالهم من خلف القضبان.

إرادةٌ عصيّةٌ على الأسر

لم تكن الإجراءات التي اتّخذتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومصلحة السجون، بُعيد عملية نفق الحرّية البطوليّة، هي الأولى التي تُتّخذ بحقّ الأسرى الفلسطينيين.

فخلال عقود من الاحتلال سَعت سُلطات السّجون الإسرائيلية إلى كسر إرادة الأسرى ودفعهم إلى الرضوخ والقبول بالأمر الواقع، ففي تصريح لوزير الحرب الصهيوني موشي دَيان وعد فيه بتحويل المُعتقلين في السّجون إلى حُطام وكائنات لا تمتُّ للبشرية بأيّة صلة، حيث لا يمرّ شهر دون قيام مصلحة السجّون بعمليّة ضدّ الأسرى، والهدف دوماً هو إبقاؤهم في حالة من التّرهيب والقلق، لكن في كلّ مرة تنتهي العمليّة إلى الفشل والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل المُحاولة، وذلك بفضل تماسك الأسرى وصمودهم.

لقد شكّلت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة على مرّ العقود، حالة متقدّمة من العمل النضالي والكفاحي الفلسطيني ضد المحتلّ الإسرائيلي، منذ البدايات، مع إضراب سجن عسقلان التاريخي عن الطعام في 11/12/1976، الذي استمر 45 يوما، والذي عُدَّ حينها حجر الأساس للنضال الاعتقالي الشامل، مروراً بالإضراب المفتوح عن الطعام في سجن نفحة في 21/7/1980 وسجن جنيد في نابلس في 23/9/1984، واللذين شكّلا نقطة تحوّل جذري في حياة الحركة الأسيرة، وما تلاهما من إضرابات عن الطعام وعُصيان داخل السّجون لا سيّما خلال الإنتفاضتين الأولى والثانية، والتي ارتفعت فيهما عمليات الاعتقال، ووصلت إلى أرقام غير مسبوقة، فقد وصل عدد حالات الاعتقال إلى أكثر من 35 ألفاً خلال انتفاضة الأقصى وحدها.

واليوم، يوجد في سجون الاحتلال قرابة 6000 آلاف أسير فلسطينيّ بينهم 250 طفلاً وأكثر من 400 معتقل إداري دون تهمة.

إن العمل الكفاحي للحركة الوطنيّة الأسيرة شكّل حالة فريدة في مواجهة العدو الإسرائيلي، حيث لم يتوّقف دورها في مقارعة السجّان وانتزاع حقوق المُعتقلين، بل تعدّاه لأن يصبح حالة وطنيّة جامعة على الساحة الفلسطينيّة التي تشهد حالة انقسام حاد، من خلال الدعوة إلى الوحدة لمواجهة المُحتل ونبذ الخلافات والاتفاق على برنامج وطني فلسطيني، بعيداً عن الخلافات الفصائليّة الضيّقة.

فكانت “وثيقة الوفاق الوطني” التي تَوصَّل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات في العام 2006، مثالاً على الحالة المُتقدمة للفعل الوطني للحركة الأسيرة واستدراكها خطر الانقسام والفِرقة حول القضية الفلسطينية برمّتها، كما أنّ عملية نفق الحرية البطوليّة شكّلت أيضاً حالة جامعة بين الأسرى.

فلسطين أبعد من فصائلها

فالأبطال الستة الذين حرّروا أنفسهم هم: خمسة من حركة الجهاد وقيادي من شهداء الأقصى في حركة فتح.

هي رسالة لكلّ الفصائل من أنّ كفاحنا بعيدٌ عن الفصائليّة، وأنّ الهدف هو فلسطين.

والحال هذه، فقد شكّل انتصار الحركة الأسيرة على إجراءات السجّان الإسرائيلي وإقراره بالتراجع عن قراراته بحقّ الأسرى، بُعيد عملية نفق الحرّية الفدائية، محطة جديدة في الصراع الفلسطيني مع المُغتصب وأدواته الإجراميّة، تتلاقى مع حالة الانتصار الذي حقّقته عملية “سيف القدس” الأخيرة، التي نقلت المقاومة الفلسطينية من نطاقها في الدفاع عن غزّة إلى التّحرّك والوقوف في وجه ممارسات العدو الإسرائيلي على كامل التراب الفلسطيني.

وهذا كلّه يُحتّم على القيادات الفلسطينية -على اختلاف مستوياتها- أن تتلاقى مع الحالة الوطنيّة التي صنعتها الحركة الأسيرة والمقاومة لإنجاز المُصالحة الشاملة والاتفاق على برنامج عمل جامع، يكون في مقدّمة أولوياته، الحفاظ على الحقّ في العودة وإقامة الدولة المُستقلّة وعاصمتها القدس.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , ,