المخدّرات بأرخص الأسعار في المخيّمات الفلسطينيّة: الـ”سيلفيا” القاتلة في “شاتيلا”

التصنيفات : |
سبتمبر 27, 2021 10:36 ص

*صمود – لبنان:

داهمت دورية من المخابرات في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، بمؤازرة من عناصر في الجيش اللبناني أحد “الهنغارات” الواقعة على أطراف مخيّم شاتيلا لتصنيع المخدّرات على اختلاف أنواعها وتخزينها، حيث يُعتبر هذا “الهنغار” المَخزن الرئيس لمُروّجي المخدّرات.

وفي بيان لها، أشارت مديرية التوّجيه إلى أنّها ضبطت كمية من المخدّرات المختلفة منها: باز، كوكايين، حشيشة، سيلفيا، كناكيمو، كاريزول وترمادول.

يُذكر أنّ المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان تُعاني انتشاراً واسعاً لتجار ومُروّجي المخدّرات، الذين يُشكّلون عصابات مسلّحة محميّة، ويستولون على مساحات واسعة داخل المخيّمات جعلوا منها بُؤراً خطيرة تهدد سلامة وأمن الأهالي.

وبدورها، تقف اللجان الشعبيّة المسؤولة عن أمن المخيم عاجزة عن تحريك أيّ ساكن تجاه هذه الآفّة، وذلك خشية الدخول في معارك واشتباكات مع تلك العصابات، تكون نتيجتها إزهاق العديد من الأرواح داخل المخيّم.

هذا وسُجّلت  في أوساط الشباب نسبة كبيرة من المُدمنين، نظراً للواقع الصعب الذي يعيشه الشاب داخل المخيّم، إضافة إلى القيود التي تفرضها السُلطة اللبنانيّة على اللاجئين الفلسطينيين، والتي تُعيقهم عن إيجاد أيّة فرصة للإرتقاء والعمل وتأمين مستقبل جيد.

فلا يجد عندها الشاب الذي يعيش الإحباط والضغط إلا البحث عن فرصة للهروب من الواقع، فيقع فريسة إدمان المخدّرات، الذي يفتك به وبعائلته بطريقة شرسة.

“شاهدت الموت مرتين.. قيود، هلوسات وشياطين سيطرت على عقلي”.

“إنفصال عن الواقع، عالم مرعب ترى فيه أشباح وشياطين أمام عينيك، يضيق نفسك، تشعر أنّ الموت قريب، هلوسات تراها لن تستطيع وصفها ولا تفسيرها”.

سامي

كل ذلك يحدث في 10 دقائق، والسبب مُخدِّر “سيلفيا”، هذا ما قاله “سامي” (إسم مستعار)، أحد المُدمنين، ابن الـ27 ربيعاً في حديث خاص لموقع “صمود” وأضاف: “بدأت بتعاطي المخدّرات وأنا بعمر الـ16 عاماً فشربت “الترمادول” و”الهيرويين”، ولكن أبشعهم وأصعبهم تأثيراً كان الـ”سيلفيا”، فقدتُ وعيي عدّة مرات، وكدتُ أموت مرتين بسببها”.

استحضار تلك الذكريات جعلته يدخل في حالة توتر وندم، نظراً لخسارته التي جناها بسبب إدمانه، مُؤكداً أنّه رغم خوفه من تلك المادة لمضاعفاتها الخطيرة على عقل الإنسان، لكنّه حسب قوله، لم يجد حلاً آخراً لمشكلة الأرق الذي يعاني منه بسبب إدمانه على المخدرات، ذاكراً أنّ عدداً من أصدقائه نصحوه بسيجارة الـ”سيلفيا” أو سيجارة “سيسي” -وهو الإسم الرائج لها بين المُدمنين- للحصول على قسط من النوم.

وبنبرة منفعلة قلقة، حذّر (سامي) الشباب من تعاطي المخدّرات بشكل عام والـ”سيلفيا” بشكل خاص، لما تُشكّل من خطر عليهم وعلى حياتهم.

ورَوَى قصة اثنين من أصدقائه قائلاً: “كنا نجلس سويّاً لتعاطي المخدرات، لكنهّما اختارا أن يُجرّبا مادة الـ”سيلفيا”، فأدمناها إلى أن جعلتهما يفقدان عقليهما، فهما اليوم لا يتذكران شيئاً عن ماضيهما، وليسا واعيين لحاضرهما، أصبحا “أشباه مجانين””.

يدعو سامي الشباب المُدمنين إلى البدء بتلقّي العلاج، والخروج من هذه الدوامة سريعاً قبل أن تفتك بهم أكثر، وتسرق منهم حيواتهم، مُشيراً إلى أنّ المخدّرات لن تُغيّر الواقع الذي يهرب منه المُدمن، بل تزيده سوءا.

وعن حياته بعد البدء بطريق العلاج، تغّيرت ملامح سامي قليلا، وأصبحت أكثر استقراراً وثقة، وعبّر بحماسة عن مدى الإرتياح النفسي الذي يشعر به. وعن الأفق الجديد الذي رسمه لحياته بعد الإنتهاء من العلاج، مُعلناً أنّه مستعدّ لمواجهة أيّة صعوبات قد تعترض طريقه، هذا من أجل الوصول لحياة أفضل وحياة جديدة بعيدة عن أيّ نوع وشكل من التّعاطي.

بماذا تختلف الـ”سيلفيا” عن باقي المخدّرات؟ ولمَ هي أكثر فتكاً بالمريض؟

تُعتبر الـ”سيلفيا” من أكثر أنواع المخدّرات رواجاً بين الشباب وداخل المخيّمات الفلسطينية، نظراً لسعرها الرخيص، فهو لا يتعدى حاليّاً الـ20 ألف ليرة لبنانيّة، يعود ذلك إلى الطرق الرخيصة وغير المدروسة في تصنيع هذه المادة.

إذ أنّها تختلف عن الحشيشة العادية لناحية سرعة الإدمان عليها، وسرعان ما يتحوّل متعاطوها إلى أشخاص أكثر شراسة، لا يشعرون بالخوف وغائبين عن الواقع.

يعتمد صانع الـ”سيلفيا” في الأصل على  سحق نبتة السيلفيا أو أية نبتة أخرى مثل المتّة أو البابونج، ويعمد إلى خلطها مع كميّات كبيرة من المواد الكيميائية، وبعدها يتم تثبيتها بـ”الآسيتون” وهو سائل كحوليّ يُستعمل لإزالة طلاء الأظافر.

يختلف شكل تصنيع وتركيبة هذه المادة من تاجر لآخر، وفي رواية خاصة لموقع “صمود”، من قِبَل أحد الشهود العيان الذي صادف وتجسّس على بعض صانعي هذه المادة في معملهم الخاص، قال: “رأيتهم يرشون مبيدات حشرية ومادة الآسيتون الكحوليّة بشكل كبير وعشوائي على النباتات المخدرة، فصاح أحدهم بالآخر بأن يتوّقف عن الرّش، إلا أنّ الأخير رفض بسخرية طلب شريكه رادّاً عليه بجملة “خلّيهم يموتوا كلّهم””.

هذه التركيبة القاتلة، وبمجرد أن يُدخنها المُدمن تصل إلى الغدّة الدرقيّة، ومن ثم تضرب الأعصاب التي تغذي الدماع، وبالتالي تنخفض نسبة الأوكسجين التي تصل إلى خلايا دماغه بما لا تتعدى الـ 30 %، وفي العديد من الحالات أدّت هذه السيجارة لقطع الأوكسجين عن الدماغ بمعدل 100% عند البعض ما أدّى إلى وفاتهم على الفور.

هو مريض وليس مجرم، حاسبوا التّجار ولا تجلدوا الضحية!

“مركز إنسان” في مخيّم برج البراجنة، أُسّس بهدف معالجة الشباب المُدمن من أيّة جنسيّة كان، خاصة بعد انتشار هذه الآفة في صفوف شباب المخيّمات الفلسطينيّة بنسبة كبيرة.

مدير المركز، نمر النّمر، والذي بدوره يُشرف على كل شاب مريض بنفسه، ويَمدُّهم بجميع أساليب الدّعم، صرّح لموقع “صمود” أنّ “نسبة كبيرة من الشباب المُدمن تلجأ للعلاج من المخدرات”.

ويرى النّمر أنّ “السبب الرئيس الذي يؤثر على نجاح علاجه هو طرق التعامل النفسي معه، حيث يجب إيجاد لغة مشتركة إنسانية مع هذا المريض للوصول إلى لغة تواصل مشتركة ومؤثرة”. مضيفاً أنّ الطِّباع التي يكتسبها المريض خلال تجربته مع تعاطي المخدّرات أخطر من الإدمان بحدّ ذاته، فالمريض يتعلّم السرقة والكذب والتحايل وأذيّة نفسه، وعدم احترام شخصه، والإحباط واللامبالاة تجاه الخطر.

مراحل علاج المدمن 

تبدأ مراحل العلاج من خارج نطاق المركز، وهي:

 أولا، عملية إقناع المريض بتلقّي العلاج، 

ثانيا، عملية تنظيف الجسم من المواد المخدّرة والتي ستؤدي بالمُقابل إلى عودته تدريجياً إلى الواقع، 

ثالثا، إخراج كلّ الذكريات الواعية واللاواعية السيئة، 

رابعا، الإنخراط مع المرضى في المركز وأفراد الإدارة،

وأخيرا، تعليمه طرق الإنخراط بالمجتمع.

ويدعو النّمر الأهالي داخل المخيّمات وخارجها إلى تغيير صورتهم النمطيّة عن مريض المخدرات، فهو ضحية التجار الذين أوصلوا هذه المادة للشباب، فالمُدمن لا يؤذي إلا نفسه، ولا يُدمّر إلا حياته، وأنّ أغلب مخاوف الشباب بعد البدء بتلقّي العلاج هو خروجهم إلى المجتمع، فهم يعانون خوفاً كبيرا، وبعضهم يُفضّل ألّا يخرج، بسبب معرفتهم المسبقة بصيغة تصنيف المجتمع لهم.

وعن الأمل بالعلاج، أكد النّمر، أنّ المريض طالما لا يزال على قيد الحياة فالأمل قائم، مُنوّهاً بأنّ المُشكلة تكمن في أنّ نحو 50% من المُدمنين السابقين يقرّرون العودة إلى تعاطي المخدّرات بعد العلاج، مُحمّلاً المسؤوليّة للمنظمات والمؤسسات الإجتماعية داخل المخيّم، التي غيّبت دورها التوعوي بين الأهالي والمجتمع داخل المخيّمات. فالوقاية من تعاطي المخدّرات والعودة إليها أهمّ مع العلاج .


وسوم :
, , , , , , , , ,