شفيق ناظم الغبرا

التصنيفات : |
سبتمبر 28, 2021 11:58 ص

*بسّام جميل

حفظ مفاتيح أحداث كثيرة عايشها وكان جزءاً منها لتعبّر عن مراحل عديدة من النضال الفلسطيني وتاريخ الصراع الذي قام بتوثيقه في مجموعة مؤلفات أصدرها، عدا عن المقالات التي قام بنشرها، لا عن القضية الفلسطينية فحسب، بل كمحلل سياسي يقرأ أبعاد الأحداث في منطقتنا العربية ليقدم لنا وعياً مضافاً وفهماً أكثر شمولية عن قضايانا المفصلية.

لنتحدث عن رحلته علينا أن نبدأ من البلاد المحتلة، موطن والده وجده وعائلته الكبيرة.

من حيفا إلى أمريكا والكويت المستقرّ

الحدث الأول هو عودة والده إلى حيفا من رحلته الدراسية في الولايات المتحدة وحصوله على شهادة ممارسة الطب، ليجد البلاد على موعد مع بركان مستعر النيران، قبل عام واحد من إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني والنكبة التي لا نزال نعيش آثارها حتى يومنا هذا.

كان على الدكتور ناظم بعد قرار تقسيم فلسطين أن يغادر البلاد ليحمي عائلته وينقلها إلى مكان آمن، ليعود إلى حيفا وحيداً ويشهد لحظة سقوطها. كان القرار أن يغادر مجدداً ويمضي إلى الكويت بعد سنوات قليلة قضاها في لبنان ليستقر في الكويت، ويصبح الطبيب الخاص للأمير صباح السالم، وهناك كانت ولادة ابنه الأكبر شفيق في سنة 1953.

قرر والد شفيق أن يرسله ليتعلم في مدرسة داخلية في بريطانيا، فاضطُّرّ لتعلّم الملاكمة في سن مبكرة ليدافع عن نفسه أمام تنمّر الأطفال عليه نتيجة كلامه عن الاحتلال الصهيوني ولوم بريطانيا على النكبة، ما دفع بوالده أن يتنقّل به من مدرسة إلى أخرى.

عاد شفيق إلى الكويت سنة 1960. حصلت العائلة على الجنسية الكويتية، وتسلمت جوازت سفر كويتية مباشرة من يد الشيخ صباح السالم، لتعكس خصوصية العلاقة بين والده والأسرة الحاكمة في ذلك الوقت.

بركان جديد يشعل مصير هذا الطفل، بعد النكسة وحرب الأيام الستة، لتتّقد داخله الأسئلة ويعيد اكتشاف نفسه في النقاشات التي كانت تدور في مدرسته الثانوية حول معركة الكرامة، التي شاركت فيها قوات أردنية وفلسطينية ضد العدو، فحققت انتصاراً معنوياً بالغ الأهمية، كردّ اعتبار على الهزيمة المدوية في حرب حزيران/يونيو 1967.

على خطى أبو إيّاد

كان اجتماعه الأول مع حركة التحرر الوطني الفلسطيني” فتح”، مع مجموعة من الشباب المثقف من الطلبة الكويتيين والعرب في الكويت، المهتمين بالقضية الفلسطينية، برعاية أبو إيّاد” صلاح خلف” أستاذ اللغة العربية الذي تحول لقائد ثوري، يعنى بتثقيف وتجنيد مناصري الحركة.

اجتهد شفيق بتثقيف نفسه وبنقل هذه الثقافة المتبحرة بالقضية الفلسطينية إلى أقرانه، لكنّ قرار العائلة بإرساله مجدداً إلى مدرسة داخلية، وهذه المرة كانت مدرسة برمانا في لبنان التي كانت تُصنّف كواحدة من أفضل المدارس في الشرق الأوسط.. رسم مساراً آخر في رحلة الشاب المهجوس بفلسطين. هناك عاود نشاطه الثقافي وحضور الندوات السياسية متأثراً بالأجواء المنفتحة والذروة الثقافية التي كانت قد بلغتها بيروت كمدينة متّصلة بالقضية.

       ” أصبحتُ في برمانا، أقرأ كتاباً كل أسبوع من خارج المنهاج الدراسي”

تأثر شفيق باليسار اللبناني الجديد وبشخصياته الشابة الناشطة على رأسهم: “فواز طرابلسي” أبرز ناشطي اليسار في تلك المرحلة، كانت فرصته للتعرف على مدن الجنوب اللبناني والمخيمات الفلسطينية عن قرب.

تخرج من مدرسة برمانا سنة 1971 وبدأ دراسته الجامعية في الولايات المتحدة بجامعة جورج تاون، ليمارس بجانب الدراسة نشاطاً سياسياً مع منظمة الطلبة العرب، ومن خلالها تعرف على قيادات فاعلة من حركة فتح هناك، ليعمل معهم على خلق وعي جماعي عن القضية الفلسطينية وأحداثها من خلال ندوات جامعية ومجتمعية، حتى تسلم منصب مدير منظمة الطلبة العرب منذ 1973.

من القلم إلى الرصاصة

تأثر شفيق ببركان بيروت الذي كان يُنبئ بمجهول يثير القلق، فترك الجامعة في أمريكا وعاد إلى العاصمة اللبنانية. التحق بالطلاب المسلحين الذين واجهوا الجيش اللبناني بعد قراره القضاء على المقاومة الفسلطينية، فكانت منطقة الفاكهاني ومحيط مخيم شاتيلا، حيث تقع معظم مراكز أنشطة الثورة الفلسطينية، مكاناً للمواجهات.

توجّه بعدها إلى سوريا مع مجموعة كبيرة من الطلبة المقاومين لخوض أولى تجاربه في دورة عسكرية، ليرافق سعد جرادات، علي أبو طوق، معين الطاهر وأنيس النقاش… ويلتقي بياسر عرفات لأول مرة، في نهاية تلك الدورة.

تنفجر الحرب الأهلية اللبنانية أثناء وجود شفيق في بيروت، بعد حادثة بوسطة عين الرمانة، ليبتعد إلى الجنوب بإسم مستعار: ” جهاد”، بعيداً عن صراع ما سُمّي شرقية – غربية،  ويجد نفسه في بلدة ” العرقوب” جنوب لبنان وهي منطقة نشاط العمل الفدائي بحسب إتفاق القاهرة، الذي أبرمه ياسر عرفات مع الدولة اللبنانية بوساطة الرئيس جمال عبد الناصر، لتنظيم العمل الفدائي في لبنان.

” نسور العرقوب”

الكتيبة المسؤولة عن المنطقة، تحتضن “جهاد”، القادم من الولايات المتحدة ليلتحق كمقاتل في صفوف الثورة الفلسطينية. يبقى هناك لمدة عام كامل فيشارك في الأعمال القتالية للكتيبة، ثم يلتحق بدورة ضباط في سوريا مباشرة بعد لقائه “سعد صايل” رئيس غرفة العمليات العسكرية.

تمّ استدعاء كامل قوام الكلية الحربية من سوريا قبل انتهاء الدورة، للمشاركة في إسناد القوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية للدفاع عن المخيمات.

“لا بدّ من الدخول في الحرب لمنع الحرب”

“كتيبة الجرمق”

عائداً إلى الكويت بعد وعكة صحية في 1976 وقضاء شهرين للعلاج، يقرر شفيق العودة إلى لبنان للانضمام رسمياً إلى السرية الطلابية تحت قيادة معين الطاهر، كرد فعل على تفجر الأوضاع والحاجة لحماية المدنيين، ليتم تسليمه مهمة قيادة موقع صنين الجبلي، لكنه يصاب في الموقع بعد معركة دامية ويُعالج في بيروت.

تم منحه رتبة ملازم ثاني في قوات العاصفة، الجناح العسكري لحركة فتح، فشارك في معارك عديدة تحت لواء السرية الطلابية لتتحول السرية إلى كتيبة “الجرمق” ويتم تسلميها مهام قتالية في خط المواجهة الأول على طول الحدود مع الأراضي المحتلة، في مناطق ” بنت جبيل”، “مارون الراس” وغيرها.

          ” في بنت جبيل وجدت نفسي لأول مرة أتعرف على الشيعة وهم غالبية سكان الجنوب، وأتفهم الظروف التي يمرون بها والأجواء التي تؤثر على أفراحهم وأحزانهم “

عاد شفيق الغبرا إلى الكويت عام 1981 بعد قضاء أكثر من ست سنوات في العمل الفدائي، ليقرر استئناف الدراسة، فيحصل على بعثة دراسية في الولايات المتحدة ويعود إلى الكويت كأستاذ جامعي بعد حصوله على شهادة الدكتوراه.

يبدأ شفيق الغبرا بنشر مقالاته المتخصصة ويواكب الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، ويشارك في الندوات المتخصصة لهذا الحدث، وعلى جبهة أخرى يتابع إصداراته البحثية في الولايات المتحدة والعالم العربي على مدار عقود، إلى أن وافته المنية في الكويت 2021 بعد رحلة عصيبة مع مرض السرطان.

   *المناصب التي تولّاها:

  • مؤسس (جسور عربية) للاستشارات والتدريب عام 2006
  • الرئيس السابق والمؤسس للجامعة الأمريكية في الكويت 2003-2006
  • مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت 2002-2003
  • مدير المكتب الإعلامي الكويتي في العاصمة الأمريكية واشنطن 1998-2002
  • كاتب منتظم في الصحافة العربية وعلى الأخص (صحيفة الحياة اليومية)
  • عضو الهيئة الإستشارية في مؤتمر فكر 9
  • رئيس تحرير مجلة العلوم الإجتماعية في جامعة الكويت
  • حاضر في عشرات الجامعات ومراكز البحوث والجمعيات العالمية. له كتب وأبحاث، ومقالات ودراسات عديدة.

     *مؤلفاته:

  • فلسطينيون في الكويت (الأسرة وسياسات البقاء)
  • من تداعيات احتلال الكويت
  • إسرائيل والعرب: من صراع القضايا إلى سلام المصالح
  • الولايات المتحدة والخليج: قراءة للمتغيرات الدولية ورؤية للمستقبل
  • حياة غير آمنة: جيل الأحلام والإخفاقات
  • الكويت: دراسة في آليات الدولة والسلطة والمجتمع
  • النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت.

     *الاقتباسات من كتاب “رحلة غير آمنة “.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,