التحوّل الفلسطيني: من الكفاح المُسلّح إلى المجتمع المدني

التصنيفات : |
أكتوبر 7, 2021 4:26 م

*نصّار طنجي

تَحوّلَ الواقع الفلسطيني، من الكفاح المسلّح والحرب الشعبيّة الطويلة الأمد  إلى جيش من الـ”NGO,S” وموظفيهم؛ لا بل أصبح الفصيل يفكر بجمعية ومنظمة غير حكومية قبل التفكير بجناح عسكري.

ربما نهج التحوّل إلى المقاومة الشعبية السلميّة لعب دوراً في إعادة تشكيل الوعي والإنفتاح على المنظمات الدولية من دون النظر إلى أهدافها ومشاريعها.

وهذا كله يمكن تلخيصه بتغيّر أغاني الثورة الفلسطينية من “طالعلك يا عدوي.. طالع.. من كل بيت وحارة وشارع” إلى “إزرع زيتون إزرع ليمون إزرع تفاح… نحنا ثورتنا سلمية من دون سلاح”.

ربما هذه المفارقة تشير إلى تحولات وتوجهات بعض الفصائل الفلسطينية على المستوى النضالي بالهدف والأسلوب. فمن كانت عملياته العسكرية تؤثر في الرأي العام، أصبحت نشاطاته بإسم المؤسسات الإجتماعية لا تؤثر حتى بنفسها.

منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين كان العمل المسلح هو طريق التحرير والتحرر، وبرزت فصائل عدة بكفاحها المُسلح لاسترجاع الأراضي المُحتلة وعودة اللاجئين. وبدأت العمليات الفدائية لتشكّل خطراً على وجود كيان الإحتلال، وتطورت العمليات، بدءاً من الإشتباك مع دورية وزرع عبوة إلى القصف المباشر وخطف الطائرات وحروب الإغتيالات.

لكنْ بعد انتفاضة الأقصى وتحديداً بعد عام 2005، نبَتت مؤسسات المجتمع المدني بشكل كبير في فلسطين والمخيّمات، لا سيّما داخل الـ 12 مخيّماً في لبنان. وربما غياب دور المؤسسات الأهليّة الفلسطينية لعب دوراً في ذلك، لكن تأثير وأهداف هذه الجمعيّات لم يكن بديلاً فقط، إنمّا لتحاول سلب مكانة الفصائل الفلسطينية ليس اجتماعياً ومعيشياً إنما سياسياً أيضا.

وبسبب الحروب والأزمات التي مرّت بها المخيّمات الفلسطينية في لبنان كان لمؤسسات المجتمع المدني دور هامّ في مجالاتها العديدة ضمن المخيّمات وكان أبرزها في الإغاثة والتنمية والصحة.

ويمكن تقسيم المؤسسات التي تعمل في المجتمع الفلسطيني إلى 4 أنواع:

1- مؤسسات لبنانية مرخّصة بموجب علم وخبر.

2- مؤسسات أجنبية لها فروع في لبنان.

3- مؤسسات دينية تابعة للوقف الإسلامي وجِهات سياسية ودينية.

4- مؤسسات وهيئات وجمعيات فلسطينية غير مرخّصة تعمل بموجب أنظمتها الداخلية وبرامجها الخاصة.

وتُعتبر نقطة التحوّل بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت وخروج المقاومة وما قبل وبعد إتفاق أوسلو 1993، ومع انخفاض وتيرة العمليات الفدائية كان العمل الإجتماعي هو الحلّ لدى بعض الفصائل لضمان وجودها، منهم من تبنّى إحدى المؤسسات الموجودة في المخيّمات، ومنهم من أنشأ مؤسسة خاصة به، وهنا تحوّل التمويل من جهة إلى أخرى، ويمكن القول إنّها تبدلّت من المعسكر الإشتراكي إلى المعسكر الغربي.

لعبت الجهات المانحة دور أساسياً في تغيير الفكر الوطني داخل المخيّمات عن طريق مشاريعها التي تشترط في تمويلها نبذ “الإرهاب” من وجهة نظرها، وكانت تعني به العمل الفلسطيني المُسلح بصورة غير مباشرة، وهذا بدا واضحاً في توجهات وشعارات المنظمات أو في تصريحات القيّمين عليها. وهذا بالطبع يترك أثراً عند الأجيال الفلسطينية مع تلميع العمل الإجتماعي ووصفه بأنّه أحد أنواع النضال الوطني، وهذا صحيح، لكن لماذا أصبحت بعض الجمعيات والمؤسسات تستبدل المصطلحات في مشاريعها؟ فمنهم من أصبح يقول عن فصائلنا الوطنية “ميلشيات مسلحة”، وغيرها الكثير من المصطلحات.

ودخلت التمويلات المشبوهة إلى المخيمات بصورة كبيرة عبر مؤسسات، كما يُقال عنها تابعة لأجهزة إستخبارات دولية. فإذا دقّقنا في آلية عمل بعض المؤسسات التي تعمل في المخيّمات واستماراتها الدورية التي تُعبَّأ في المخيمات نجد أنّها تجمع معلومات خاصة جداً لأفراد وعائلات لأسباب مجهولة، وعندما نسألهم عن السبب يقولون: “هذه شروط المُموِّل”. فماذا يريد هذا المُموِّل من الأحوال المادية الفردية والنشاطات الإجتماعيّة داخل المخيم؟

وأمام انتشار الجمعيات والمؤسسات الدولية داخل المخيمات، لا بد للمجتمع من أنْ يراقب ويلتفت إلى بعض المشاريع وأهدافها، وكذلك يجب أن تضع الفصائل الفلسطينية خطط عمل لمعرفة ما هي النوايا والأفعال ومواجهة أيّة مشاريع تريد تغيير الوعي الفلسطيني.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,