مدخل إلى مخيّم عين الحلوة

التصنيفات : |
أكتوبر 7, 2021 11:22 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

سلّطت الإشتباكات المسلحة التي حصلت الفترة الماضية، بين “قوات الأمن الوطني” ومجموعة “جُند الشام”، الضوء مجدداً على الوضع العام في أكثر مخيّمات لبنان توتّراّ أمنيا: عين الحلوة.

يقع مخيّم عين الحلوة جنوب مدينة صيدا، مساحته الأصليّة المُستأجرة لا تتجاوز الـكلم المُربّع الواحد، في حين تبلغ مساحته الحالية نحو 2 كلم مربع.

عام 1949 استأجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأرض المذكورة ونَصبت عليها خِيما، توزع فيها اللاجئون الذين هُجّروا قسراً من أراضيهم في فلسطين.

بعد ذلك بَنَت “وكالة الغوث الدولية” مساكن لهم، جدرانها من طُوب، وسقوفها من زينكو وإترنيت، حيث سكن أهالي كلّ قرية على حِدى.

تعرّض المخيّم المذكور إلى تدمير معظم منازله إثر الحروب المُتتالية منذ العام 1969، وكان أكثرها ضرراً الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ليُعاد البناء فيه كل مرّة دون أيّ تخطيط أو تنظيم.

يشكو مخيّم عين الحلوة من تردي البُنى التحتية والخدمات العامة، على الرغم من إنجاز عدد من المشاريع “بالمفرّق”، ودون أيّ مخططٍ توجيهي عام. الكثير من شبكات الصرف الصحي ومجاري الأمطار مكشوفة، وخصوصاً في الزواريب والأزقة، وهي قريبة من شبكات مياه الشفه القديمة والمُهترئة.

أما النفايات المنزلية الصَلبة، يجمعها عمال “الأونروا” وتُلقى في أماكن مكشوفة في المخيم إلى حين نقلها بسيارات قسم الصحة العامة لـلوكالة، وبعد التدقيق الأمني فيها.

أحد الأماكن المكشُوفة الذي تتجمع فيه النفايات، يقع مقابل عيادة “الأونروا”، وآخر أمام مؤسسات إجتماعية في المخيّم، إضافة إلى مكبٍّ قريب من ملعب ونادٍ رياضي، وآخر في الجانب الجنوبي من المُخيم، مما يؤدي إلى تلوث خطير وتدهور في الأوضاع الصحية للأهالي.

سكّانه

لا يوجد إحصاء دقيق للمُقيمين في مخيّم عين الحلوة، سوى المُسجّل في “الأونروا” ,الذي يُشير إلى 10383 أسرة، أيّ ما مجموعه 45337 إنسان فلسطيني، يُضاف إليهم لاجئون من مخيّمات أخرى، وفلسطينيون قَدِموا من سوريا بعد الأحداث التي حصلت هناك عام 2011، وسوريون لجأوا إليه أيضا.

الوضع التعليمي

في مخيّم عين الحلوة 8 مدارس تابعة لوكالة “الأونروا”، 4 منها مُخصصة للبنات و3  للصبيان، في حين أنّ هناك ثانوية واحدة فقط مختلطة، هي ثانوية بيسان التي تضم في صفوفها أكثر من 1000 تلميذ وتلميذة.

كانت مدارس المخيّم تضم 6000 تلميذ في العام الدراسي 2017-2018، لكنّ هذا العدد انخفض في العام التالي إلى نحو 700 تلميذ وتلميذة، ويعود تناقص العدد إلى إقدام بعض الأهالي على نقل أبنائهم وبناتهم إلى مدارس خارج المخيم.. في مناطق أكثر أمانا.

لكنّ أحد المصادر، أشار إلى سبب آخر، وهو ارتفاع نسبة التسرّب المدرسي.

هذا العام، وحسب مصدر تعليمي في “الأونروا”، فإنّ مدارس المخيّم تشهد ازدحاما شديدا، ويعود ذلك إلى الوضع الإقتصادي المُنهار وارتفاع كلفة النقل، ما دفع العديد من الأهالي إلى إعادة أولادهم إلى مدارس مخيّم عين الحلوة.

وتشير إحدى التلميذات إلى وجود 45 تلميذة في صفها، وتتساءل: “كيف يمكن أن نفهم شرح الأستاذ أو مناقشته”. في حين يتحدث تلميذ آخر عن  وضع بيوت الخلاء السيء، التي هي بحاجة إلى حملة تنظيف ومتابعة ورشّ أدوية بشكلٍ مستمر.

الوضع الصحي

في مخيّم عين الحلوة عيادتان للأونروا، الأولى عند مدخله قرب المستشفى الحكومي في صيدا، والثانية قرب مفرق جبل الحليب في الجانب الجنوبي من المخيّم.

تستقبل كل عيادة ما بين 250 و300 مريض يوميا، وتُقدم لهم الرعاية الصحية وتزوّدهم بالأدوية الموفرة.

تقول إحدى الناشطات: “إنّ عدداً من الفلسطينيين الذي يتلقى العلاج في عيادات خاصة خارج المخيم يستفيد أيضاً من الأدوية المطلوبة لعلاجه في حال توفرها. وتضيف: “أيضا، يجد ذوي الأمراض المُزمنة أدوية عديدة في عيادات “الأونروا””.

إلى جانب هاتين العيادتين، يوجد في المخيّم  عدد من العيادات الخاصة باختصاصات متعددة، والتي يعمل فيها أطباء فلسطينيون لا يحقّ لهم العمل بحسب قانون العمل اللبناني.

وفي المخيّم أيضا، مستشفى “النداء الإنساني” الذي يتبَع لإحدى المؤسسات الإجتماعية التي على علاقة بأحد الأطراف السياسية الفلسطينية.

ومستشفى “الهمشري” الذي يقع على مقربة من مخيّم عين الحلوة، وهو ملك جمعية “الهلال الأحمر” الفلسطيني، ويقدّم خدماته للفلسطينيين كمستشفى خاص، وكمستشفى مُتعاقد مع “الأونروا” وفصائل فلسطينية مختلفة.

الحالة الإجتماعية

تُشير سجلات “الأونروا” لعام 2018، إلى وجود 1728 أسرة مُسجلة تحت خانة العُسر الشديد، وتضم نحو 6976 إنسانا.

إلا أنّ بعض الناشطين يُشير إلى وجود أعداد من الأسر أعلى بكثير من العدد المذكور.

لكن يبدو أنّ لا إحصاء دقيق لعدد الأُسر التي هي بحاجة لمساعدات دورية. فالبعض يُشير إلى نحو 5 آلاف أُسرة، وهذا الأمر يستدعي بحثاً إجتماعياً يستند إلى معايير مُحددة.

يقول أحد الناشطين أنّ بعض المُغتربين يُرسل مساعدات مالية في مناسبات دينية مثل شهر رمضان أو الأعياد، حيث يجري توزيعها على الأُسَر المحتاجة.

الهجرة غير الشرعية

في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها الوضع اللبناني بشكلٍ عام، ووضع المخيّمات الفلسطينية بشكل خاص، تحولت الرغبة الفردية للهجرة إلى رغبة جماعية، ليجد الفلسطيني نفسه أمام خيارين: إما الرضى بالواقع المرير، أو الهجرة غير الشرعية التي هي أكثر مرارة. وهذا الوضع ينطبق على عدد من حالات الشباب والأُسر المُهاجرة من مخيّم عين الحلوة، الذي تحول حلمهم بالهجرة إلى حلم بالعودة إلى المخيّم.

“معاناة فوق المعاناة، حياة لا تُطاق”، هذا ما قال سمير، وهو إسم مُستعار، لشاب فلسطيني متزوج ولديه طفلان، كان حلمه الوصول إلى “الفردوس الأوروبي” وخصوصاً بلجيكا، لكنّه لم يجد طريقاً إليها سوى القارب المطاطي والقطارات المختلفة.

دفع سمير ما يقارب 12 ألف دولار أمريكي، متنقلاً من لبنان إلى تركيا برا، إلى اليونان بحرا، ومن ثم الإنتقال عبر القطارات إلى بلدان أوروبية عديدة وصولاً إلى بلجيكا. قدّم أوراقه وأوراق أسرته ليعيش في مخيّم تعيس تموت فيه الروح قبل الجسد، بحسب تعبيره.

تحوّل حلمه إلى كابوس، وبدلاً من إرسال مساعدات مالية إلى أهله في مخيّم عين الحلوة، صار يستجدي المال منهم، كي يؤمّن مصاريف العودة إلى المخيّم. ما حدث مع سمير تكرّر مع العديد من شباب عين الحلوة كـ “أبو النصر” و”صبرية” وهي أم لطفلين، وكلّهم عادوا على الرغم من الوضع الصعب في المخيّم.

غيتو” عين الحلوة

يُحيط بمخيّم عين الحلوة جدار إسمنتي كبير، حوّل المخيّم إلى “غيتو” يُقتصر الدخول إليه والخروج منه على 5 بوابات فقط.

يروي أحد سكان المخيّم قصة الجدار: “قال أحد المسؤولين الأمنيين اللبنانيين: “إنّ السلطة اللبنانية منذ عام 2010 تتعرّض لضغوطات من سفارات أجنبية تُحذّرها من نشاط مجموعات متطرفة قد تتعرّض لقوافل “اليونيفيل” التي تمرّ بالقرب من مخيّم عين الحلوة عند الحسبة””.

ويُضيف: “عام 2010، قالت السلطة إنّه مجرد جدار إسمنتي عادي من الجهة الغربيّة، وفي عام 2016 أبلغت السلطة اللجنة الأمنية في المخيّم والفصائل الفلسطينية إنّه مجرد جدار، وإنّ الأبراج المُشيّدة هي للإمساك به، ولكن تبيّن أنّه جدار إسمنتي مُسلح مع أبراج عالية للمُراقبة يحيط بالمخيّم من جميع جوانبه”.

وتشير إحدى الناشطات إلى أنّ الأبراج تطلّ على المنازل والشبابيك ما ينتهك خصوصيّة الأُسر التي تعيش بالقرب منه، ويدفع العديد منها إلى سدّ النوافذ والشبابيك، وقد ترك ذلك أثرا سلبياً على النسيج الإجتماعي، مولّداً أزمة نفسية وإنسانية خلقت شعوراً عند قاطنيه بأنّهم يعيشون في سجن كبير”.

المشهد السياسي

عندما وصل الفلسطينيون إلى مخيّم عين الحلوة، عاش أهل كل قرية أو بلدة على حِدى، وصار تعريف المناطق يعتمد على أهل البلدة التي يعيشون فيها. فعليا، لم يتّحد أهالي المخيّم الفلسطينيون كأفراد مستقلّين تجمَعُهم المصيبة واللجوء، بل بقي الانتماء إلى البلدة أو الأسرة هو الأساس. لقد وحّدتهم القضية والبندقية بعد عام 1969، ولكن بعد انكفاء الفلسطينيين داخل المخيّم عام 1991، تحوّل المخيّم إلى مجموعة من الأحياء المستقلة والمُتصلة نسبيا.

حتى أنّ اللجنة الشعبية* المسؤولة عن إدارة المخيّم، بحسب إتفاق القاهرة، تحوّلت إلى لجنة استقبال للوفود، والقيام بجولات في مساحات محددة من المخيم، وبات الجدار الإسمنتي والسياج الحديدي هما الجامع لأهل المُخيم في مساحة واحدة.

وقد أُضيف إليه، بعد التوسع السكاني، الأحياء التالية: البركسات، بستان اليهودي، حي أوُزو، جبل الحليب وتجمّع خط السكة.

في حي حطّين، يوجد لجنة شعبية خاصة بالحي الذي تسكُنه أسر قَدِمت من حطّين وأخرى قَدِمت من لوبية. وهي لجنة تنطق بإسم أهالي الحي، وتُقيم علاقات وتؤدي الزيارات إلى فعاليات رسمية وأهلية في مدينة صيدا.

أما في حي عرب الغوير ونمرين، هناك لجنة شعبية أخرى لها علاقاتها المميزة والمتنوعة مع المؤسسات اللبنانية المختلفة.

أما في حي الزيب، فإن الخلافات بين أُسر أهل الزيب جعل لجنته الشعبية ضعيفة، وخصوصاً أنّ أسرة قبلاوي تسيطر عليها.

وفي حي صفّورية، هناك مجلس شورى يجتمع دورياً لأخذ القرارات التي تتابعها اللجنة الشعبية الخاصة بالحي.

وفي حي البركسات، لجنة شعبية شكّلها أحد الأطراف السياسية لأنّ أهل الحي هم عبارة عن مجموعات أتت من مناطق فلسطينية مختلفة.

وفي حي طيطبة يوجد لجنتان، الأولى لأهل الحي والثانية لهم ولأهل عرب زبيدة. ومنطقة جبل الحليب شأنها شأن البركسات، تسكُنها مجموعات مختلطة، وقد شكّل لجنتها أحد الأطراف السياسية الفاعلة.

أما على الصعيد السياسي والأمني، فإنّ القوى السياسية والأمنية تتوزع على الأحياء وتُمسك بكلّ تفاصيلها. مثلا، نجد أحياءً تحت سيطرة هذا الطرف السياسي والأمني، وأحياءً تحت سيطرة أطراف أخرى، وكلها تدفع ثمن النزاعات بين الأطراف السياسية والنزاعات فيما بينها لإدارة سجن يعيش بداخله آلاف من الأسر المُهجرة أكثر من مرة، أولها من الوطن الفلسطيني، وما تلاها من تهجير بسبب الحروب الأهلية اللبنانية، والاجتياح الإسرائيلي والحوادث الدامية التي شهدتها سوريا، والتي أدّت بدورها إلى تهجير آلاف الأسر الفلسطينية إلى لبنان.

*تمثّل اللجان الشعبية المجتمع الفلسطيني في المخيمّات الفلسطينية، بكافة أحيائها وفعالياتها، إضافة إلى تمثيل كافة الفصائل والفعاليات الفلسطينية الموجودة في كل مخيّم، وهو ما يتم بالتوافق والائتلاف.

وتقوم اللجنة الشعبية بمهام خدمية وإجتماعية بالتعاون والتنسيق مع الأونروا، المُتهمة في هذه المرحلة بالتقصير وأنها لا توفر الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة.


وسوم :
, , , , , , , , , , ,