الأمل من “الأبد” إلى “اللحظة” عند اللاجئ الفلسطيني

التصنيفات : |
أكتوبر 12, 2021 9:33 ص

*بسّام جميل

لطالما كان الإنتظار دون معرفة ما سيُفضي إليه، من أصعب ما يمكن أن يمارسه الإنسان أو يُفرض عليه، فنحن في انتظارنا لمولود جديد، نكون عاجزين عن فعل أي شيء، كتخفيف آلام الأم، أو استعجال عملية الولادة، لكنّنا نملك ما يمكن تسميته بالتوقّع اليقيني، أي، المعرفة العامة لناموس الأشياء.

لا يمكن أن يولد الطفل في الشهر العاشر أو بعد ذلك، ولا يمكن أن نحصل على مخلوق غير طفل بشري، لكنّنا نتوقع الأسوء و نأمل بالأفضل، أن تكون ولادة طبيعية تنتج طفلاً بصحة جيدة، هذا ما نرجوه حقا.

في واقع اللجوء، وبعد مخاضات عديدة وآلام مستمرة طوال سبع عقود، لا يزال توقّع الأسوء هو المسيطر، رغم أنّ العرف السّائد في كل قضايا اللجوء العالمية ينحصر في موت مُحتم أو نجاة ما.. في بلاد أخرى تكون فيها ولادة حقيقية لهؤلاء اللاجئين. ولا يمكن القول إنّ قضية لاجئي فلسطين هي الوحيدة العالقة في العالم، لكنّها وبشكل حاسم، الأكثر انتظاراً على الإطلاق.

السياسة الدولية لا تعترف بناموسها الخاص!

بعيداً عن مصدر التشريع الذي اعتمدته الدول لتبنّي أنظمة حكمها وقوانينها، “والذي لا يجب أن يحيد عن التشريع السماوي للدول العاقلة”، فإنّ نماذج النصوص الوضعية التي أثمرت لتكون أساس التشريع الدولي كإتفاقيات جنيف وغيرها من شرائع الأمم الحضارية في هذا العصر، كانت عقيمة بشكل قاطع، وسبب ذلك، غياب أهم ركن من أركانها الذي يجب أن تستند عليه، ألا وهو: العدل .

هذه المُفردة الغائبة روحاً رغم حضورها نصّا، جعلت هذه القوانين حبراً على ورق، وتمّ استبدالها كفعل تطبيقي، بميزان آخر يُعنى بصالح الأمم القوية على حساب الضعيفة والمسحوقة، لإبقائها في ذات دوامة الاستنزاف لصالحها، فتبقى تلك النصوص كلعنة يتمّ استغلالها متى شاء السادة ذلك واستبدال معانيها أيضا، فيصبح الباطل حقّاً والعكس صحيح.

للقويّ القدرة على إنكار قوانينه وما يلزمه متى شاء ذلك، وللضعيف حرب مفردات اللغة لاستعادة روح النصّ دون أن ينال من تطبيقه شيء، بل ربما ينال شرف التبعية “لدى بعض السّاسة، لا الشعوب”.

عام جديد يقترب، في بيئة دولية غارقة بالفوضى، لكنّها فوضى خلاقة تُعيد تذكيرنا بما صرّحت به هيلاري كلينون أثناء ولايتها، وفي كتابها المنشور بعد انتهائها من منصبها الرسمي كوزيرة للخارجية الأمريكية، حيث أكدت على ما معناه، أنّ هذه الفوضى الخلاقة، هدفها إعادة خلط أوراق منطقتنا والعالم ليناسب عصر السرعة ويُثبّت حكم الكبار بإدارة العالم وتسييره لخدمتهم فقط.

في خضمّ هذا التيه العظيم، ينظر اللاجئ الفلسطيني لحاضره، على أنّه آخر ما بقي له من قِلاع، فلا ماضٍ يسعفه، ولا غدٍ يأمل به.

الانتظار انتهى

ربما، ما بقي لنا “نحن اللاجئون” هو “الآن” الذي نحاول أن نلتقط أنفاسنا.. آخر أنفاسنا فيه، لكنّنا لا نزال نمارس ما استطعنا من طقوس الحياة، لنحقق صموداً لا يعنيه الغد حقا، بل نتشبّث بهذه اللحظة الراهنة، فلا نخشى جنس المولود أو تخفيف الألم، لأننا نؤمن بعدالة الناموس السماوي أكثر من عدالة صُنعت في أروقة عصبة الأمم.

لم يعد اللاجئ الفلسطيني بحاجة لتوقّع يقيني ولا آمال يبني عليها خطط الأيام القادمة، فالمسألة أصبحت أكثر إلحاحا، لأنّها بطبيعة الحال، مسألة حياة أو موت، وهذا الأمر لا يحتمل التفكير بما سبق وبما يمكن له أن يأتي، فـ”الآن” هو كل ما نملك ليكون الرهان عليه.

تابعنا بشغف، ما فعله أبطالنا الأسرى وبعضنا راهن على أيام فقط وآخرون كانوا ينظرون بعين الشك إلى كل هذه الأحداث، كأن تصبح البطولة خرافة، وأن لا يحقّ لهذا الشعب أن يستعيد أسطورة عفا عنها الزمن، كثائرين قادرين على الفعل والإشتباك والإرباك ضدّ عدوهم، فكيف بمن هم في قبضة هذا الوحش “المتمترس” خلف تفوّق تقني وأمني هائل. لكنّ الرهان خاسر لكل الأطراف، ولا أقول هذا لمهاجمة طرف ونظرية ضد طرف مضاد، بل لأنّ ما حدث هو التوقّع الأقرب في حصار مُهين يعيشه أبناء جلدنا في أراضي الـ48 أو في الضفة وغزة، لذا، كان السيناريو الأقرب هو مواجهة الأسرى لهذا العدو منعاً لإعادة اعتقالهم، أو اعتقالهم بشكل ما، وهذا ما تمّ في نهاية الأمر، لكنّها رسالة بلغت جدواها، بأنّ “الآن” هو الرهان، وأنّ ما فعله الأسرى هو أنّهم راهنوا على اللحظة التي يعيشونها، وفعلوا ما باستطاعتهم لجعلها تُضيء بجدواها الحقيقية.

ستمرّ أيام قبل أن يبدأ الناس باستثمار هذه الجدوى وسيبحث الجميع، من هم في سجن الضفة أو في سجن غزة، ومن هم في سجن الـ48 وكل اللاجئين الفلسطينيين.. سيبدأ الجميع برهانهم على لحظتهم الراهنة ليبنوا عليها وعي الصمود حتى تبلغ بهم انتهاء أبد الاحتلال.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,