عن الديموقراطية والتغيير والتنمية: فلسطين هي المعيار

التصنيفات : |
أكتوبر 18, 2021 11:05 ص

*قاسم قصير

تاريخيا، شكّلت فلسطين محور الحركة العسكرية والسياسية في بلاد الشام والعالمين العربي والإسلامي، فمن يحتلّ فلسطين يستطيع التحكم بطرق الإمداد في المنطقة، والسيطرة على الخط المُمتد بين سوريا ومصر وصولاً إلى آسيا وإفريقيا.

عندما احتلّ الفرنجَة (الصليبيون) فلسطين بحجة الوصول إلى الأماكن المُقدّسة نجحوا في السيطرة على كل المنطقة المُحيطة بها،  وعندما استُعيدت القدس وفلسطين كانت نهاية سيطرة الفرنجَة على المنطقة.

منذ القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت فلسطين حلم المستعمرين، نابليون بونابرت أراد احتلال عكا والسيطرة على فلسطين والمنطقة، أما البريطانيون فسيطروا على فلسطين وأعطوا اليهود وعداً سمّوه “وعد بلفور” لتكون الدولة الصهيونية هي الخنجر المسموم في قلب المنطقة ولتكريس سيطرتهم.

وتمّ إيجاد الخلفية الدينية لتبرير هذا الاحتلال من خلال الحركة الصهيونية والمجموعات الصهيونية المسيحية (الإنجيليون المتطرفون)، ولاحقاً تبنّت أمريكا دعم الكيان الصهيوني وجعلت منه قاعدة عسكرية مُتقدّمة للسيطرة على ثروات المنطقة وأمنها ودولها.

ومنذ نشوء الكيان الصهيوني وحرب 1948، صارت القضية الفلسطينية محور صراعات المنطقة والإنقلابات والقضية الأولى لدى مختلف الأحزاب والحركات القومية والإسلامية، والقومية السورية، والبعثية، والناصرية. وعندما تبنّت الأحزاب الشيوعية موقف الإتحاد السوفياتي المُؤيّد لقرار تقسيم فلسطين خسرت الدعم الشعبي، وواجهت معارضة شرسة في العالمين العربي والإسلامي، واضطُرت بعض هذه الأحزاب لمراجعة مواقفها لاحقا، فتبنّت الموقف المؤيّد لقوى المقاومة الفلسطينية.

كلّ تنازل يؤدّي إلى تنازلٍ أكبر!

من هنا، فإن أيّ نظام يتخلى عن القضية الفلسطينية يواجه تحديات مختلفة داخلية وخارجية، ورغم كل الإتفاقات التسووية التي عقدتها السلطة الفلسطينية ومصر والأردن مع الكيان الصهيوني، فإنّ ذلك لم يُنقذها من مشاكلها الإقتصادية والسياسية والتنموية.

أما دول الخليج العربي، التي دعمت القضية الفلسطينية منذ الأربعينيات، خصوصاً منذ حرب تشرين أول/أكتوبر1973، نجحت في مواجهة الضغوط وحافظت على استقرارها الداخلي، وكانت تحظى بدعمٍ شعبي وداخلي.

واليوم، ومنذ انطلاقة ما سُمي بـ”الربيع العربي”، فإنّ القضية الفلسطينية هي معيار نجاح أو سقوط أية حركة إسلامية، ولا يكفي تبني خيار الديموقراطية أو التغيير الداخلي أو العمل من أجل التنمية، فالإخوان المسلمون في مصر، رغم سكوتهم عن “إتفاقية كامب دايفيد” وحرصهم على العلاقة القوية مع الولايات المتحدة وعدم اتّخاذهم موقفاً واضحاً من القضية الفلسطينية (بعكس تاريخهم ودورهم النضالي في فلسطين)، فإنّ مهادنتهم للكيان الصهيوني لم تمنع سقوطهم لأسباب داخلية وخارجية، والعلاقة الوثيقة مع واشنطن لم تحمِهم من الإنقلاب عليهم.

الدول العربية والجري على الرمال المتحركة

ومؤخرا، ظهر أنّ تخلّي حزب “العدالة والتنمية” في المغرب عن القضية الفلسطينية وسكوته ومشاركته في عملية التطبيع مع العدو الصهيوني كان أحد الأسباب الأساسية لخسارته في الإنتخابات الأخيرة، وهذا التطبيع لن يخدم المغرب في حماية النظام مستقبلا.

وما يجري في السودان اليوم من تطبيع مع العدو الصهيوني لن يساعد السودان في الخروج من أزماته الإقتصادية والسياسية، بل إنّ هذه الأزمات تزداد، والخوف على مستقبل السودان يقوى.

أما تطبيع بعض دول الخليج العربي مع “إسرائيل” اليوم، فلن يُؤمن الحماية لها، ولن يُحقق أيّ تطور إقتصادي أو تنموي، لأنّ هذه الدول بالأساس تتمتع بقدرات إقتصادية دون الحاجة للعلاقة مع “إسرائيل”، بل إنّ التطبيع سيؤدي إلى دخول الصهاينة إلى اقتصاديات ومجتمعات هذه الدول، مما سيخلق الكثير من المشاكل والإضطرابات الداخلية والمجتمعية. وقد بدأنا نسمع بعض الأخبار عن استغلال الصهاينة للتطبيع من أجل تخريب هذه المجتمعات.

في مصر والأردن، ورغم التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني، فإنّ أبناء هذين البلدين يرفضون التطبيع الشعبي والثقافي والفني والإقتصادي (باستثناء حالات محدودة)، ولا يزال الكيان الغاصب هو العدو الأساس لهذين البلدين في العقل الشعبي والأمني والعسكري رغم كل أشكال التعاون المُعلَن.

لبنان وفلسطين: ثنائية المقاومة والاحتلال   

أما في لبنان، فإنّ الدور الصهيوني، كان ولا يزال، عامل توتر وتفجير وقلق، وإنّ سعي بعض الأطراف اللبنانية للإستعانة بالكيان الصهيوني تحت عنوان الحماية أو مواجهة التحديات الأخرى لم يحمِ هذه الأطراف، لا بل أدخلها في صراعات مختلفة، فدفعت ثمناً كبيرا وقاسيا جرّاء هذا التعاون.

وفي العراق اليوم، بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، فإنّ الرهان على التطبيع مع “إسرائيل” أو الدخول في ما يُسمى “المشروع الإبراهيمي” لن يخدم العراق، بل سيُدخله في صراعات داخلية وخارجية، ويُحوّله إلى ساحة حرب في المنطقة.

على ضوء كل هذه التجارب والمعطيات، يصبح تبنّي القضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال ودعم المقاومة لا ينفصل أبداً عن خيار تبنّي الديومقراطية والتغيير الداخلي والعمل من أجل التنمية، فلا ديموقراطية دون فلسطين، ولا تنمية في ظل الاحتلال الصهيوني، ووجود هذا الكيان في المنطقة.

بالمقابل، إنّ الدفاع عن القضية الفلسطينية والمقاومة لا يعني أبداً التخلّي عن الديموقراطية وبناء دولة المواطنة والعمل من أجل التنمية، إذ لا استقلال داخلي دون استقلال خارجي، ولا ديموقراطية دون فلسطين، ولا فلسطين دون ديموقراطية، والتطبيع مع العدو لن يكون طريقاً للتنمية والنمو الإقتصاديين، بل سيؤدي إلى مزيد من التبعية والإرتباط بالمشروع الأمريكي _ الإسرائيلي.

خلاصة القول، إننّا كعرب وكمسلمين نحتاج إلى إعادة التفكير مُجدداً بالمشروع العربي النهضوي القائم على أسس متكاملة، هي: الاستقلال السياسي، تحرير فلسطين، مواجهة المشروع الأمريكي للسيطرة على المنطقة، الديموقراطية، الحرية وحقوق الإنسان، التنمية والتقدّم العلمي والتقني. فكل هذه الأهداف مشتركة ومتداخلة ولا يمكن التخلّي عن أحدها لصالح الآخر.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,