دلالات ورموز النضال الفلسطيني.. صناعة الأمل!

التصنيفات : |
أكتوبر 27, 2021 11:00 ص

*سلوى ونوس

حضور الدلالة والرموز في الحالة الفلسطينية قائم منذ التكوين الأول لهذه الشخصية على أرضها، فهي تحمل إرثاً حضارياً كبيرا، وقد أجادت خلق معانٍ عديدة تعبّر بها عن واقعها سواء في السلم والحرب على مرّ الأزمنة.

ولأنّها تتعرض منذ عقود لأبشع أنواع الإحتلال، سطّرت فلسطين خصوصيتها الثورية والتي يجب الوقوف عندها وتأريخها، حيث  “دوزنت” الدلالات إيقاع جميع المسارات والتغيرات والأحداث بإتقان، فوصل صوت فلسطين إلى أقاصي البقاع، سواء بالتأثير السياسي والإعلامي وحتى الإنساني، وإذا كانت كلّ دولة تعرّف عن هويتها أو نضالها برمز معين أو رمزين، فيكون العلم هو الرمز الأول، إلا في فلسطين هناك عشرات الدلالات والمعاني التي اخترقت جدار الصمت الدولي، وجعلت شعوب العالم تتضامن معه على الأقل، إضافة إلى الدعم المادي والسياسي واللوجيستي من قبل كثير من الدول.

الملعقة

آخر هذه الرموز هي “الملعقة” الأداة الأشهر في عملية هروب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الصهيوني، صحيح أنّه بعد الكشف عن خيوط عملية الفرار، تبيّن أنّ الأدوات المُستخدمة هي قطع من الحديد كانت تحت أرضية الزنزانة وصحون وصواني من الألمنيوم، لكن الملعقة أو الرواية الأولى هي التي أسرت عقول الفلسطينيين والعرب وجميع المتعاطفين مع القضية الفلسطينية.. لقد عبّرت هذه الأداة عن مأساة فلسطين الوجودية، فكانت واحدة من النقاط المُضيئة والمُدهشة في تاريخ النضال الفلسطيني، فبعد دقائق من معرفة سرّ أداة الهروب تحولت إلى مادة خصبة لوسائل التواصل الإجتماعي والكتّاب والصحافيين ورسّامي الكاريكاتور والفنانين والشارع، وبطبيعة الحال التقطتها الذاكرة لتضيفها إلى تاريخ النضال الفلسطيني.

صحيح أنّ الإحتلال أعاد اعتقال الأسرى الستة، لكنّ الفلسطيني حقّق إنجازات مُتعددة المستويات في هذه العملية، وهنا تستوقفنا مقولة الأسير محمد العارضة، خلال استجوابه ومحاولة قوات الإحتلال مساومته واستدراجه لإلصاق تُهم واهية به وبأفراد عائلته: “تجولت في شوارع بلادي المحتلة مدة 5 أيام.. رحلتي هذه كانت كفيلة بأن تغنيني عن كل سنوات اعتقالي”.

الحرية المنشودة والأرض المسلوبة يعبّر عنها الفلسطينيون بشتى الطرق، ويسعون إلى استردادهما بكلّ السُبل، فأحفاد الكنعانيين يملكون دلائل مادية وقانونية تُثبت حقّهم منذ أن قام الاحتلال بتهجيرهم بالقوة منها عام 1948، دلائل مدوّنة على أوراق الطابو أو سند الملكية أو كما تُسمّى في فلسطين “الكوشان”.

هذه الأوراق تُثبت أنّ الفلسطينيين لم يكونوا يوماً طارئين ولا نكرة، بل إنّ رمز جذورهم وسيادتهم على الأرض والتاريخ والذاكرة محفوظة حتى لو حاول الاحتلال تزييفها، ولن يستسلموا مهما اشتدت الظروف، وكما يقول الأديب الفلسطيني حسن سامي يوسف: “فلسطين حقّ لا يسقط بالتقادم”، وهي بالفعل كذلك مع أولئك الأوفياء الذين يؤكدون كل يوم بالمفتاح والكوشان أنّهم من هناك حتى لو عاشوا وماتوا في الشتات.

المفتاح

أصبحت صورة المفتاح العملاق في اللاوعي هي رمز كل بيت فلسطيني، فقد استطاعوا حماية ذاكرتهم من النسيان بواسطة هذه الرموز والدلائل، عبر المسيرات والإحتجاجات، وبمختلف أشكال التعبير والفن، ليس هذا وحسب، بل كانت دوماً أداة للمطالبة بحقّ العودة، والعودة التي لن تسقط بالتقادم أيضا.

الكُوفية

وارتباط المفتاح أيضاً بالكُوفية التي ما زالت رمزاً للنضال الفلسطيني وللحرية وللهوية الفلسطينية، منذ أن استُخدمت في الثورة العربية الكبرى عام 1936 ضد الإنتداب البريطاني، ويتداول الكثير من الفلسطينيين قصة الكُوفية وارتباطها بالنضال بأنّ “الاحتلال البريطاني كان يبحث عن فدائي مُلثّم قتل عدداً من جنوده، فجاء الإيعاز من الفدائيين للفلسطينيين باعتمار الكُوفية بدلاً من الطربوش حتى لا تُكشف هوية الفدائي”.

ومنذ ذلك الوقت، أصبح الثوار يُغطون بها وجوههم للتخفي من الاحتلال وعملائه، وما لا يعرفه كثيرون أيضاً أنّ اسم الكُوفية هو نسبة إلى مدينة الكُوفة التي جاء منها هذا الوشاح قبل الإنتداب البريطاني.

وبحسب العديد من الروايات الموثّقة، فإنّ شكل الكُوفية الفلسطينية يرمز إلى شبكة الصيد والخطوط التي على جانبيها ترمز إلى ورق الزيتون الأصيل في التراث الفلسطيني أيضا، ونالت الكُوفية شهرتها العالمية بعد أن توشّح بها الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1974 خلال جلسة في الأمم المتحدة وخلال الإنتفاضة الأولى، وأصبحت بعدها أيقونة النضال على مستوى العالم.

شجرة الزيتون

كما كانت شجرة الزيتون بأغصانها وجذورها المنغرسة في الأرض تمثّل رمز الصمود الفلسطيني وتعبّر عن تمسّكه بحقوقه في أرضه كاملة، صحيح أنّ العديد من الدول والمنظمات والجامعات تستعمل غصن الزيتون كشعار لها، لكنها بالنسبة للفلسطيني هي حالة مُتجذّرة، وتُعبّر ليس فقط عن النضال، بل عن التراث والإرث والحاضر الفلسطيني، وهي واحدة من أبلغ المعاني، وما لا يعلمه الكثيرون أنّ الشاعر الراحل محمود درويش هو من كتب الخطاب العظيم للراحل ياسر عرفات في خطبته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، ومن ضمنه هذه العبارات التي لها دلالاتها في القضية الفلسطينية: “اليوم أتيت إلى هنا حاملاً غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من أجل الحرّية في الأخرى، فلا تُسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

لن يسقط غصن الزيتون ولن تهترئ الكُوفية، ولن تغيب الملعقة مهما صدأت، وسيعمّر الزيتون ويُلقي بظلاله على فلسطين وشعبها، وستبقى الكُوفية رمز الشرف والإباء.. كثيرة هي الدلالات وقوية. ولكن الشعب الفلسطيني هو الرمز بحد ذاته بكل إرثه المُمتد والمُنغرس في فلسطين، مهما حاول المُستعمر تشويه الحقيقة، هذا الرمز حيّ ويقاتل لنيل حريته واستقلال أرضه.

*كاتبة سورية


وسوم :
, , , , , , , , , , ,