بـ”67″ كلمة سُرقت فلسطين من 104 سنين

التصنيفات : |
نوفمبر 2, 2021 10:49 ص

خاص – صمود:

زار ثيودور هرتزل (1860- 1904) زعيم الحركة الصهيونية فلسطين ولمرة واحدة فقط عام 1898.

ومنذ ذلك الحين، بدأ بصياغة أفكاره حول استيطان فلسطين، فكتب في مذكراته عام 1895: “يجب أن نستولي بلطف على الممتلكات الخاصة في المناطق المخصصة لنا. يجب أن نشجع الشعب الفقير فيما وراء الحدود للحصول على عمل في بلاد اللجوء، وعدم منحهم أية فرصة عمل في بلادنا. سيقف ملاك الأراضي في صفنا. يجب تنفيذ سياسات الإستيلاء على الأرض وتهجير الفقراء بتحفظ وحذر”.

وفي الوقت عينه، كان العثمانيون قد بدأوا بالتضييق على هجرة اليهود إلى فلسطين عام 1882، لكن رغم ذلك أعطى “الباب العالي” اليهود الحقوق نفسها التي للعرب كشراء الأراضي والتملّك، ومع حلول 1914 ارتفعت نسبة السكان اليهود إلى 7%  في فلسطين.

تاريخيا، كانت فلسطين عام 1916، قد أمضت 4 قرون تحت سيطرة العثمانيين. وفي معظم هذه الفترة، مثّل اليهود أقليّة صغيرة، تبلغ حوالي 3% من مجموع السكان، بينما مثَّل المسلمون أكبر شريحة من السكان، ومن بعدهم يأتي المسيحيون.

الوعد المشؤوم

وسار التاريخ بحسب رغبة الغرب، حيث بات 2 تشرين الثاني/نوفمبر يوماً مشؤوما، فقبل 104 سنوات صدر ما سُمّي بـ”إعلان بلفور”، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحقّ لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

وكان “وعد بلفور” بمثابة الخطوة الأولى للدول الغربية على طريق إقامة كيان قومي لليهود على أرض فلسطين.

حيث جاء على شكل تصريح موجّه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور، في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت لـ 3 سنوات، بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهدافها، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.

وكانت بريطانيا قد عرضت نصّ تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، فوافق على محتواه، كما وافقت كل من فرنسا وإيطاليا ثم تبعتهما أمريكا واليابان.

في 25 نيسان/مايو عام 1920، وافق الحلفاء في مؤتمر “سان ريمو” على أن تتعهد بريطانيا الإنتداب على فلسطين، وأن يوضع “إعلان بلفور” حيّز التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صكّ الإنتداب.

وفي 24 تموز/يوليو عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الإنتداب الذي دخل حيّز التنفيذ في 29 أيلول/سبتمبر 1923.

بالمقابل، لم تتعدَ ردود أفعال العرب تجاه الإعلان الإستنكار والدهشة. وبهدف امتصاص حالة الغضب العربية، أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، عبر الكولونيل باست، تؤكد فيها أنّها لن تسمح بالإستيطان اليهودي في فلسطين، إلاّ بقدر ما يتّفق مع مصلحة السكان العرب الإقتصادية والسياسية.

لكن، وبالوقت عينه، أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، بإطاعة أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة تيودور هرتزل، وعملت على تحويل قوافل اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، موفرة الحماية لهم.

لم يستسلم الشعب الفلسطيني لسلطة الدول الغربية وإهمال السلطات العربية، فخاض ثورات متلاحقة، أولها كان ثورة عام 1929، ثم ثورة 1936.

من التنظير إلى التنفيذ

من جهة مقابلة، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الاعلان مستنداً قانونياً لتُدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهّد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيّز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عُقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897.

وتبدو الإشارة إلى “بلفور” في نصّ وثيقة الإستقلال المُعلنة مع قيام “دولة إسرائيل”، دليلا ًعلى أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث تقول هذه الوثيقة: “الإنبعاث القومي في بلد اعترف به إعلان بلفور.

وتمكّن اليهود من استغلال “وعد” آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، وصكّ الإنتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحقّقوا حلمهم بإقامة “إسرائيل” في 15 أيار/مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية في الأمم المتحدة، ولتصبح “إسرائيل” أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بالشعب الفلسطيني على أرضه.

أعطى “وعد بلفور” وطناً لليهود، وهم ليسوا بسكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى 50 ألفاً من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يُقدّر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفاً من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يُطورون حياتهم في هذه الأرض.

لكن اعلان بلفور تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلاً حقوقهم السياسية والإقتصادية والإدارية.

وفيما يلي نص إعلان بلفور:

“وزارة الخارجية البريطانية

2  تشرين الثاني/نوفمبر1917

عزيزي اللورد روتشيلد،

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرّته: “إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنّه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المُقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم إتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح.

المخلص آرثر بلفور”

وجلّ ما تقوم به السلطة الفلسطينية كل عام هو إصدار قرار بتنكيس العلم الفلسطيني على المؤسسات والسفارات والمُمثليات في الخارج، في ذكرى الوعد المشؤوم.

في حين تنشط المقاومة الفلسطينية بكافة أطيافها لجعل هذا اليوم المشؤوم منطلقاً لتحرير الأرض.


وسوم :
, , , , , , , , ,