كيف تحوّل وزير الإعلام اللبناني إلى شخصيّة مشهورة دوليّا؟

التصنيفات : |
نوفمبر 2, 2021 1:51 م
(رويترز)

*ترجمات – صمود:

“وضعت تصريحات جورج قرداحي معضلة أمام رئيس الحكومة الجديد في لبنان. فهل سيخضع لضغط السعودية أو سيُعلِن بأنّ لبنان غير قابل للإبتزاز”.

يُعتبر جورج قرداحي، وزير الإعلام اللبناني، الأكثر شهرة في حكومة لبنان الجديدة. في الأسبوع الماضي، أصبح لغير صالحه وفي صالح الحكومة، شخصية مشهورة دوليا. في شهر آب الماضي، قبل بضعة أسابيع على تعيينه في هذا المنصب، قال قرداحي في مقابلة تلفزيونية: “الحوثيون في اليمن يُناضلون ضد العدوان الأجنبي الذي دمّر بيوتهم وحياتهم… إنّ الحرب في اليمن هي حرب عبثية”. وعندما تمّ نشر المقابلة في شبكات التواصل الإجتماعية أصبح بالإمكان شمّ رائحة الدخان الذي تصاعد من النار التي أشعلها.

ظهرت النار خلال يومين. السعودية والإمارات المتحدة، هما الشريكتان في الحرب على اليمن، قامتا بطرد السفراء وأعادتا سفرائهما من لبنان. وبعد يوم أيضا، انضمت البحرين إليهما. لم تُساعد تبريرات قرداحي، التي بحسبها، هو عبّر عن رأيه قبل تسلّم منصبه الرسمي. وأنّه الآن يحرص على التأكيد على عدم تدّخل لبنان في النزاعات الإقليمية – السعودية، التي سبق وتعرّضت قبل ذلك لانتقاد لاذع منه، كانت هذه الفرصة التي انتظرتها.

قرّر محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، الذي يستثمر مليارات الدولارات في تحسين صورته وصورة المملكة في العالم، مُعاقبة لبنان والحكومة في الوقت الذي تشكّلت فيه بعد أشهر من النقاشات والخلافات، واجتازت مواجهتها الأولى للأحداث العنيفة في الشوارع. أمر بن سلمان بوقف الإستيراد من لبنان ومنع السعوديين من زيارة لبنان. السعودية سبق وفرضت عقوبات على لبنان في شهر نيسان/أبريل بعد أن كشفت المخابرات السعودية عن محاولة لتهريب ملايين حبات “الإكستازي” والمخدرات الأخرى التي تمّ إخفاؤها في إرساليات للفواكه.

الآن، يجد لبنان نفسه في مكان قطر، التي فرضت السعودية عليها، أيضا، مقاطعة وحصاراً في العام 2017، وتمّ رفعها فقط في كانون الثاني/يناير الماضي.

وقرداحي مسيحي ماروني ناهز الـ71 عاما، دخل إلى الحكومة اللبنانية  بعد مسيرة ناجحة في الإعلام. وقد بدأ عمله الصحفي بداية السبعينيات كمراسل في قناة “تلفزيون لبنان”، ومن هناك انتقل إلى “راديو مونتي كارلو”، حيث شغل منصب المُحرر الرئيس.

ذاعت شهرته كمذيع ومُقدم برامج معروف جداً في الشرق الأوسط في العام 2000 عندما عرضت عليه قناة “أم.بي.سي” التي تملكها السعودية، تقديم النسخة العربية لبرنامج “من سيربح المليون”. حصد قرداحي والبرنامج نجاحاً كبيرا، عشرات ملايين المشاهدين كانوا يجلسون أمام الشاشات وآلاف المُرشحين من دول الشرق الأوسط قدّموا طلباتهم للإشتراك في البرنامج، ووصلت أرباحه من الإعلانات إلى عنان السماء، وحوّل صاحب القناة الشيخ وليد الإبراهيم قرداحي إلى شخص ثري، تُقدّر ثروته الآن بعشرين مليون دولار تقريبا. بعد ذلك، قام قرداحي بتسويق عطر بإسمه وعددٍ من البدلات الفاخرة للرجال.

في العام 2017، مكث الإبراهيم 83 يوماً في فندق “ريتز” في الرياض، إضافة إلى عشرات أصحاب المليارات والملايين الذين تمّ اعتقالهم بأمر من محمد بن سلمان، وأُطلق سراحهم فقط عندما وافقوا على التخلي عن مئات ملايين الدولارات من ثرواتهم.

قرداحي، المُذيع الذكي والمُبتسم الذي يُساعد المتنافسين، والذي يظهر كإعلامي بعيد عن السياسة، غادر قناة “أم.بي.سي” في العام 2016 بعد أن قال في برنامجه: “هناك مؤامرة عربية ضدّ سوريا”.

لم تكن هذه، هي المرة الوحيدة التي عبّر فيها عن تعاطفه مع بشار الأسد. ففي العام 2011، في ذروة مذبحة النظام ضد أبناء شعبه، أثار قرداحي عاصفة عندما أطلق تصريحات مؤيدة للأسد. وفي 2018، في مقابلة مع قناة “المنار” التابعة لحزب الله سُئل قرداحي عن شخصية العام حسب رأيه، وقد اقترح حينها ثلاثة أشخاص هم: بشار الأسد، حسن نصر الله وفلاديمير بوتين.

على خلفيّة الخلافات التي أثارها في تصريحاته، من غير الواضح لماذا قرر رئيس الحكومة الجديد، نجيب ميقاتي، تعيينه هو بالتحديد وزيراً للإعلام. لكن، وبما أنّ السياسة في لبنان، حتى في أصعب أوقاتها، تستند إلى العلاقات والميول السياسية، وبسبب الضغط على ميقاتي، المُقرّب من حزب الله، من أجل الإسراع في تشكيل حكومة مُتّفق عليها، وجد قرداحي نفسه في وزارة مهمة. بعد تعيينه وبعد عودته من زيارة إلى دبي، أضاف الزيت على النار في لبنان، عندما طلب من محررين وأصحاب وسائل الإعلام تجنّب إجراء المقابلات مع أشخاص معروفين بمواقفهم المُناهضة للحكومة. والسؤال الآن: هل سيُقرر ميقاتي، الذي تنّصل من تصريحات وزير الإعلام في حكومته، إقالة قرداحي والخضوع لضغوط السعودية؟ أم سيتمسك بالخط الوطني الذي يقول إنّ لبنان غير مستعد ليكون خاضعاً للإبتزاز؟.

المُعضلة ليست قيميّة فقط. فمن المُتوقع أن يكون لهذا القرار تداعيات سياسية وإقتصادية. والخضوع لطلب السعودية سيُدخِل ميقاتي في قناة تصادم مع حزب الله وسيُعرّضه لانتقاد الجمهور؛ ورفض الطلب سيضرّ باقتصاد لبنان وسيُجمّد المساعدات التي وعدت بها دولة الإمارات وعملية إعادة الإعمار بعد الإنفجار في مرفأ بيروت.

بالنسبة للسعودية، هذه محاولة أخرى لفرض إرادتها على لبنان. لم يتمّ نسيان القضية المُخجلة عام 2017 بعد، التي أجبر فيها بن سلمان رئيس الحكومة سعد الحريري على تقديم الإستقالة ومنعه من الخروج من السعودية بعد استدعائه لزيارة توبيخ.

فعل الضغط الدولي فعله، والحريري عاد إلى لبنان، وسحب استقالته واستمر في منصبه، والقضية تمّت إضافتها إلى قائمة إخفاقات بن سلمان. من المهم أيضا، أنّ بن سلمان لم يحلم بإعادة السفراء من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا أو أن يطرد سفراء هذه الدول، رغم أنّ انتقادها للحرب في اليمن والمسّ بحقوق الإنسان في السعودية كان أقسى من انتقاد قرداحي.

*تسفي برئيل – “هآرتس”، 2 نوفمبر 2021


وسوم :
, , , , , , , , ,