التطبيع مع العدو الصهيوني لا يُؤمِّن الإستقرار: السودان أنموذجاً

التصنيفات : |
نوفمبر 4, 2021 11:34 ص

*قاسم قصير

إحدى أهم المبررات التي يلجأ إليها الداعون إلى التطبيع مع العدو الصهيوني: إنّ التطبيع سيؤدي إلى الإستقرار والإزدهار والنمو للدول التي ستُطبَِع، وإنّ التطبيع سيفتح الطريق نحو قيامة الدولة المُستقرة والقوية والقادرة على معالجة مشاكل شعبها وستحصل على المساعدات والدعم الدولي والإقليمي.

ومن هذه الدول التي شاركت في اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني قبل حوالي العام كانت دولة السودان، رغم أنّ السودان ليس له حدوداً مشتركة مع العدو الصهيوني، ولم يُشارك كدولة في الحروب العربية – الصهيونية، ولم يعانِ من ويلات هذه الحروب، ولا يواجه تهديداً إيرانيا، لأنّ كل هذه التبريرات كانت تُستخدم لتبرير عملية التطبيع.

طبعا، كان السودان يعاني من مشاكل إقتصادية بسبب الفساد الداخلي والحصار الأمريكي والدولي والإقليمي لأسباب عدة، كما جرى وضعه على لوائح الإرهاب بسبب الصراعات الداخلية، وإن كان أبناء السودان قد شاركوا في دعم المقاومة، وكان لمنظمات المقاومة حضوراً إعلامياً وسياسياً في السودان، وفي بعض الأحيان شكّلت الأراضي السودانية ممراً لإيصال السلاح والدعم للشعب الفلسطيني وقوى المقاومة، لكنّ هذه المشكلات جميعها لم تكن المبرر للتطبيع مع العدو.

أوهام التطبيع

بعد الأحداث والتظاهرات الشعبية التي حصلت عام 2019 ضد نظام الرئيس عمر البشير، استلم المجلس العسكري الحكم برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان، ثم جرى تأسيس إدارة مشتركة للحكم بين الجيش السوداني وقوى التغيير من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات، وتمّ تأليف حكومة جديدة برئاسة عبد الله حمدوك، على افتراض أن تشكّل هذه المرحلة فترة إنتقالية تمهيداً لإعادة الحكم للمدنيين وإجراء إنتخابات نيابية، وكل ذلك بهدف معالجة مشاكل السودان الإقتصادية والإجتماعية وتأمين الإستقرار الداخلي.

وخلال السنتين الماضيتين عمدت السلطات السودانية إلى المشاركة في إتفاقات التطبيع مع العدو الصهيوني من أجل الحصول على مساعدات مالية وإقتصادية، ولتبرير إزالة السودان عن لوائح الإرهاب وللحصول على دعم صهيوني – أمريكي – إماراتي.

ورغم كل التنازلات التي قدّمها السودان خلال هاتين السنتين،  وإقفال مكاتب منظمات المقاومة والزيارات المتكررة من قِبل بعض المسؤولين السودانيين للكيان الصهيوني والتعاون الأمني والعسكري، فإنّ كل ذلك لم يُؤمّن الإستقرار للسودان أو الرفاهية للشعب السوداني.

وشهدنا خلال تلك الفترة، الكثير من الأحداث الأمنية والإحتجاجات الشعبية، وسمعنا عن أخبار حول حدوث محاولات إنقلابية، وعانى السودان من أزمات إقتصادية بسبب قطع الطرق على أحد أهم المرافىء السودانية، وكل ذلك أعاد الإحتجاجات الشعبية إلى الشوارع، وتمّ تتويج كل هذه الأزمات بقيام القوى العسكرية المُشاركة في الحكم المشترك مع المدنيين بالإنقلاب على هذه التجربة واعتقال المسؤولين المدنيين أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية وإنهاء كل هذه التجربة الفاشلة على كافة المستويات، ولم ينفع التطبيع مع العدو الصهيوني في معالجة مشاكل السودان، بل زاد من الأزمات والهموم الداخلية والخارجية.

وقد أدّى الإنقلاب العسكري الجديد إلى ردود فعل داخلية وخارجية، وانطلقت التظاهرات الشعبية في السودان ضد الإنقلاب مُطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وإعادة المدنيين للحكم، كما حصلت ضغوطات دولية وإقليمية في الإتجاه نفسه. وكل الهدف  مما يجري اليوم إعادة تلميع صورة الإنقلابيين والقوى العسكرية المُسيطرة على الحكم.

متلازمة التطبيع

وما يهمنا في هذا المشهد السوداني هو العلاقة بين التطبيع مع العدو الصهيوني وأزمات السودان، فرغم تهليل بعض القوى السودانية للتطبيع والإدعاء أنّ ذلك سيؤدي إلى استقرار السودان وازدهاره، فإنّنا لاحظنا عكس ذلك، ولم ينفع التطبيع في معالجة هموم السودان السياسية والإقتصادية والأمنية والمعيشية، بل زاد منها، وطرأت مشكلات جديدة على الأزمة السودانية أدخلت السودان في صراعات داخلية وخارجية كان بغنى عنها، ولم يُفد التطبيع في تكريس الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والحريات، بل على العكس.. فإنّ من يُعارض التطبيع يُزَجّ به في السجن، ومن يُعارض حكم العسكر يُعتقل.

وبانتظار وضوح صورة المشهد السوداني في المرحلة المقبلة، تأتي الخلاصة في محصّلة كل ما يجري اليوم، أنّ التطبيع مع العدو الصهيوني لم يُؤمّن الإستقرار والإزدهار للسودان وشعبه، بل زاد من هذه المشاكل والهموم. وهذا الطريق ستصل إليه كل دولة تُطبّع مع العدو الصهيوني، وكل الدول التي شاركت أو تُشارك في عمليات التطبيع لم تحظَ يوماً بالإستقرار والإزدهار، بل لا تزال تُعاني من هموم مختلفة، وتنتظر مساعدات القوى الدولية والإقليمية، إضافة إلى غياب الحريات وكل أشكال الديموقراطية عنها.

فهل نتعلم ونستفيد ونعتبر مما يجري؟.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , ,