“إسرائيل” تسعى إلى إسكات أنصار المجتمع المدني الفلسطيني

التصنيفات : |
نوفمبر 5, 2021 2:23 م

ترجمات – صمود:

في 19 تشرين الأول/أكتوبر، خصصت وزارة الدفاع “الإسرائيلية” 6 من أبرز منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطينية، باستخدام أدلة سرية، وغير كافية حتى الآن، لاتهامها بأنّها منظمات “إرهابية” لها صلات بجماعة مسلحة. بعد أيام قليلة، وافقت “إسرائيل” على بناء أكثر من 3000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة وأعلنت عن خطط لمضاعفة عدد السكان اليهود “الإسرائيليين” في وادي الأردن بحلول عام 2026.

(زينة آغا)

إنّ التجريم الفعّال للمؤسسات الفلسطينية وتوسيع المستوطنات هما وجهان لعملة واحدة. فالهدف واضح: إسكات المراقبة المُستقلة لانتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان التي تقف بين الضم الكامل للضفة الغربية المحتلة والمساءلة الدولية. منذ التسعينيات، توسّع المجتمع المدني الفلسطيني ليَشغل دور فضح ومقاومة جرائم الاحتلال “الإسرائيلي” وفساد السلطة الفلسطينية وحركة “حماس”. لقد أصبح خط الدفاع الأخير. سيكون من الصعب محاسبة “إسرائيل” إذا تمّ إسكات أو إضعاف أو القضاء على بعض أهم مُنظّمي الحقوق الفلسطينية.

تُعتبر الفئات المستهدفة (صوت الحق، الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال في فلسطين (DC.I.P.)، إتحاد لجان العمل الزراعي، الضمير، مركز بيسان للبحوث والتنمية وإتحاد لجان المرأة الفلسطينية) من أنصار المجتمع المدني الفلسطيني. ويتنوّع عملهم على نطاق واسع، من بين أمور أخرى. D.C.I.P. تُسلط الضوء على احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم في نظام المحاكم العسكرية، وتُقدّم مؤسسة الحقّ أدلة مهمة للمحكمة الجنائية الدولية من أجل تحقيقها في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبت في الضفة الغربية المحتلة وغزة. يشكلون معاً جزءًا من مجتمع مدني تتمثّل مهمته في تمثيل وتقديم الخدمات لـخمسة ملايين فلسطيني أو أكثر يعيشون تحت الاحتلال العسكري “الإسرائيلي”.

لأكثر من 3 عقود، كان التوثيق الدقيق للمجموعة، والرصد، وجمع البيانات، والدعوة الدولية أمراً حيوياً للكشف عن الواقع على الأرض، وغالباً ما يكونون أول مَنفذ للدبلوماسيين والأمم المتحدة، والمجتمع الدولي الأوسع يعتمد عليها لتقييم ما يحدث في الأراضي المحتلة.

ونتيجة لعمل هذه الجماعات، داهمت السلطات “الإسرائيلية” المكاتب وضايقت موظفي هذه المنظمات وغيرها منذ سنوات. في شهر تموز/يوليو الماضي، داهم جنود “إسرائيليون” مكتب الحركة الدولية في مدينة البيرة بالضفة الغربية، وصادروا أجهزة كمبيوتر وأقراص صلبة وملفات عملاء تتعلق بالأطفال الفلسطينيين المُعتقلين الذين يمثلونهم في المحاكم العسكرية “الإسرائيلية”. عندما تحدُث مثل هذه المداهمات، يتمّ في بعض الأحيان إلقاء القبض على الموظفين.

كما أنّ جماعات حقوق الإنسان الدولية المعروفة بتوثيق إنتهاكات حقوق الإنسان “الإسرائيلية” لم تسلم من ذلك. ففي العام 2019، قامت “إسرائيل” بترحيل مدير “هيومن رايتس ووتش” في “إسرائيل” وفلسطين، عمر شاكر، بعد معركة قانونية طويلة. وفي العام نفسه، فرضت حظر سفر على الناشط في “منظمة العفو الدولية” في الضفة الغربية ليث أبو زياد.

تبدو هذه التكتيكات جزءًا من حركة واسعة ومستمرة لنزع الشرعية عن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وإلغاء تمويلها واستقطابها بشكل دائم. لقد تمّ توثيق تقلّص مساحة المجتمع المدني الفلسطيني بشكل جيد. إنّها جزء من حملة، تقودها الحكومة “الإسرائيلية”، بدعم من مجموعات مثل NGO  Monitor  وUK Lawyers for Israel، لنشر معلومات مُضللة وملاحقة هذه الجماعات في المحاكم، واستهداف منظمات المجتمع المدني التي تراقب وتقاوم إنتهاكات حقوق الإنسان “الإسرائيلية”، بما في ذلك استمرار التوسع في المستوطنات غير الشرعية.

ولا تقتصر الهجمات على المجتمع المدني، على المنظمات العاملة في “إسرائيل” وغزة والضفة الغربية، بل انتشرت أيضاً في قاعات المحاكم والجامعات والمكاتب الحكومية في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية من خلال حملات التشهير وانتشار القوانين غير الدستورية المناهضة للمقاطعة والدعاوى القضائية التي تهدف إلى تشتيت انتباه المنظمات غير الربحية واستنزافها، التي تقدّم التضامن للمجتمع المدني الفلسطيني.

لكن لماذا نُسمي هذه الجماعات “بالإرهابية” الآن؟

لا شك أنّ الولايات المتحدة وأوروبا هما الجمهور المُستهدف من هذا التصنيف. يبدو أنّ هدف “إسرائيل” هو تسليح البُنية التحتية المترامية الأطراف لقوانين مكافحة الإرهاب التي تمّ إنشاؤها في جميع أنحاء العالم بعد 11 أيلول/سبتمبر، والتي تستهدف المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان من خلال تصنيف عملهم المشروع على أنّه “إرهاب”، وبالتالي جعل منظماتهم وجهودهم وأفرادهم “خاصية” لا يمكن المساس بها. والأهم من ذلك، عرقلة التمويل.

لم يتم بعد إثبات التأثيرات الكاملة للتصنيف. بالأرقام الحقيقية، يُفتح الباب أمام مزيد من المضايقات لموظفي وموارد هذه المنظمات، ما يزيد من خطر الإعتقال والمحاكمة المحتملة. علاوة على ذلك، إذا وافق المجتمع الدولي على تصنيف “إسرائيل”، فقد ترى هذه المنظمات نهاية جمع الأموال.

هذه اللحظة هي شهادة على روح هذه المنظمات والتقدم المستمر. ومع ذلك، فإنّ التداعيات -التهديد الذي يتعرّض له المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان، والإفتقار المُحتمل للتدقيق في الإنتهاكات “الإسرائيلية” والتعدي المستمر دون رادع على الأراضي الفلسطينية- كلها تُنذر بأوقات أكثر قتامة في المستقبل. علاوة على ذلك، فإنّ تصنيف المجموعات التي ترصد الإنتهاكات في الضفة الغربية المحتلة هو إلهاء مُتعمد عن مشروع الإستيطان في الضفة الغربية الذي بدأ منذ أكثر من 50 عاما.

أصدرت جماعات حقوق الإنسان الدولية تصريحات قوية حول الطبيعة الإستبدادية والقمعية لمثل هذا الإجراء، مع دعوات لإلغاء التصنيف على الفور. هناك أيضاً معارضة على شكل قرار للكونغرس في مجلس النواب الأمريكي. هذا جيد.

إنّ وجود مجتمع مدني قوي هو سِمة أساسية للديمقراطية السليمة. الأنظمة الإستبدادية هي التي تُسكتهم وتقمعهم.

طلبت وزارة الخارجية الأمريكية (التي ورد أنّه لم يتم إخطارها مُسبقاً بالقرار) بالفعل توضيحا، ودعا المكتب المحلي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان “إسرائيل” إلى “الإحترام الكامل للحقّ في حرية تكوين الجمعيات والتعبير، دون أيّ تدخل أو مضايقة ضد المنظمات أو موظفيها”.

وبالمثل، أصدرت منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وهيئات حقوق الإنسان الدولية دعوات لـ”إسرائيل” للإلغاء الفوري لهذه التصنيفات. لذا، يجب على أيّ شخص مهتم بحماية المؤسسات الديموقراطية أن يقف إلى جانبهم.

*نُشر في (نيويورك تايمز) بتاريخ 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2021


وسوم :
, , , , , , , , , ,