الموديل اليساري المُستجدّ (4)

التصنيفات : |
نوفمبر 5, 2021 11:02 ص

*علي بدوان

جاءت ولادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بعد نقاشات في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ لحظات تأسيسها الأولى، وتحديداً داخل الجناح المُتأتي من تنظيم حركة القوميين العرب في إطار ائتلاف الجبهة الشعبية، وأدت في نهاية المطاف لانشقاق هذا الجناح عن الجبهة الشعبية.

بعد أعمال مؤتمر آب/أغسطس 1968 للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي عُقد في قاعدة عسكرية للجبهة في جبال السّلط في الأردن، وقد بلغت عضوية المؤتمر 45 عضواً منهم 10 مُراقبين والباقي عاملين. وقد حضر عمليا، 33 عضواً منهم كما تُشير مُعظم المصادر، وكان الدكتور جورج حبش من الغائبين عن أعمال المؤتمر بحكم وجوده في سجن كركون الشيخ حسن في سوريا بدمشق. وأفضى المؤتمر إلى تبلور إصطفافين:

الإتجاه الأول، الذي مثّلَ حركة القوميين العرب وتراثها في إطار ائتلاف الجبهة الشعبية، فالجبهة الشعبية في تلك الفترة كانت تتشكّل من ائتلاف عدة قوى سياسية وفصائلية عند نشوئها، لكنّ الجسم الأساسي والسياسي فيها جاء من صفوف حركة القوميين العرب.

والإتجاه الثاني، هو الإتجاه الذي دعاه البعض بـ”الإتجاه اليساري”، لكنّ هذا التيار لاقى إسناداً من بعض قُدامى حركة القوميين العرب من غير الفلسطينيين وخاصة من محسن إبراهيم ومحمد كشلي، اللذين لعبا دوراً في التنظير لصالح التيار المذكور قبل وبعد الإنشقاق في جسم الجبهة الشعبية.

تصدّع الجبهة الشعبية

وفي هذا السياق، إنّ حركة الجدل التي شهدها مؤتمر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في آب/أغسطس 1968 كان من نتائجها وقوع إنشقاق تنظيمي وسياسي وفكري داخل جسم الجبهة الشعبية، حيث أدت نتائج الإنتخابات التي جرت في أعمال المؤتمر إلى نتائج صارخة بدا معها خط الإنشقاق واضحاً ودون مواربة، حيث تبيّن وجود تكتل أراد الإطاحة بالقيادات التاريخية لحركة القوميين العرب، الموجودين في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو ما اعتبره الدكتور وديع حداد بمثابة لعبة إنقلابية إنشقاقية تآمرية كان يجري نسجها في الظلام وفي ظلّ غياب الدكتور جورج حبش في الإعتقال في سوريا.

في ما ردّ الجناح الآخر الذي وصف نفسه بـ”الجناح الثوري اليساري” بأنّ يمين الجبهة الشعبية “رفض برنامج آب/أغسطس 1968 اليساري فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وعسكريا، ليتأكد من جديد، وكما جاء في تقرير مؤتمر آب/أغسطس، أنّه لا يمكن تحويل مؤسسة بورجوازية يمينية وبورجوازية صغيرة إلى موقع يساري ثوري بكاملها”.

أما الجناح الأساس في الجبهة الشعبية، فاعتبر ما كان يجري ليس سوى لعبة تآمرية كانت حاضرة في أعمال مؤتمر آب/أغسطس1968. وانتهت الأمور بأن خرجت المجموعة التي تحمل الموديل اليساري على الماوي في السوفياتي، واتخاذ إسم الجبهة الشعبية الديمقراطية بـــ”اعتبارها عملياً تحمل الموديل اليساري الجديد على ضوء صرعاته التي بدأت بالإنتشار، حيث تعتبر نفسها أنّ تأسيسها “جاء في سياق الإنتكاسات الكبرى التي مُني بها المشروع القومي العربي منذ مطلع الستينيات وإنهيار أول وحدة قومية وصولاً إلى حرب حزيران/يونيو1967”.

الجبهة الشعبية الديموقراطية

بالمُحصلة، وإثر تدخل منظمة التحرير الفلسطينية وكل هيئاتها وقياداتها خاصة المرحوم إبراهيم بكر، نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكمال ناصر، والشهيد صلاح خلف (أبو إياد)، ومحمد راتب غنيم (أبو ماهر) عضويّ اللجنة المركزية لحركة فتح، وضافي جمعاني (أبو موسى) نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية في حينها وأمين سر قوات الصاعقة، ويوسف جمعة البرجي ممثلها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أصدر الفريقان: الجبهة الشعبية والمُنشقون عنها في شباط، والجناح الماوي السوفياتي صاحب الصرعات الجديدة، بيانين في العام 1969 مُستقلين ومتـزامنين، بإنهاء الخلاف بينهما وإحلال الطلاق الديمقراطي، فقرر الفريق المُنشق عن الجبهة الشعبية _الذي كان يُسمي نفسه بالجناح التقدمي_ بدءًا من 22 شباط/ فبراير 1969 العمل بشكلٍ مُستقل تحت إسم الجبهة الشعبية الديمقراطية.

إذا، وبعيداً عن النحت النظري وإشتقاقاته، جاءت ولادة الجبهة الشعبية الديموقراطية في سياق صراعات يسارية بدأت تغزو الحالة الفلسطينية والعربية ملوَّنة بألوانها الماوية على التروتسكية على اللينينية السوفياتية.

إنّ تلك الصرعات أو الموديل اليساري في حينها، دفع بعدد من المجموعات والحلقات الماركسية وغيرها للإنضمام للجبهة الشعبية الديموقراطية، التي انضمت بدورها، فور إعلان الطلاق الديموقراطي مع الجبهة الشعبية، إلى منظمة التحرير الفلسطينية وكافة مؤسساتها كالمجلس الوطني واللجنة التنفيذية بالرغم من الإنتقادات الكبيرة، التي كان جناحها قبل الإشقاق، قد وجّهها للمنظمة.

الحركة الشيوعية في فلسطين

مرّت تلك التجربة اليسارية الفلسطينية “الشوعية” بظروف وتفاعلات هائلة، من بدايات الهجرة الكولونيالية اليهودية إلى فلسطين، إلى تأسيس الحزب الإشتراكي، وانتقالاً إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني، وما رافق عملية التشكيل من مخاضات كبيرة، كان من بينها مسألة تعريب الحزب، والموقف من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وهبّة البُراق، والثورة الكبرى عام 1936، والإنشقاقات التي ضربت الحزب، وتأسيس عُصبة التحرر الوطني في فلسطين، والمشروع الدولي لتقسيم فلسطين، وصولاً لما بعد النكبة والشتات التنظيمي للحزب وعُصبة التحرر الوطني، والموقف من مسألة إعادة بناء الهوية والكيانية الوطنية الفلسطينية، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، والموقف من العمل الفدائي المسلح.

إنّ التطرق لمسارات فصيل يساري أساسي من مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، لعب دوراً في الداخل الفلسطيني، خصوصاً في الضفة الغربية، يدفعنا للتدقيق والتمحيص وقراءة التجربة التاريخية لهذا الفصيل بعين ثاقبة، ولا يعفي من توجيه النقد البنّاء، بل من الأهمية بمكان التوقف عند المفاصل الرئيسة من حياة الحزب الشيوعي الفلسطيني ووريثه الشرعي حزب الشعب الفلسطيني.

عقد الحزب الشيوعي الفلسطيني مؤتمره السابع عام 1930 في مدينة القدس بمساهمة 40 مندوبا. وفي ختام أعمال المؤتمر، انتخب الحزب، لجنة مركزية جديدة ضمت ولأول مرة في تاريخ الحزب أغلبية الشيوعيين العرب والفلسطينيين. ولكنّ العلاقة داخل الحزب الواحد بين الشيوعيين اليهود ونظرائهم من الفلسطينيين بقيت تتقلب صعوداً وهبوطا، وصولاً إلى الإنقسام في الحزب بين العرب واليهود، فشكّل العرب “عصبة التحرر الوطني”، مع اعتبار الصراع محضَ “احتراب عربي ــــ يهودي” تُغذّيه الإمبريالية البريطانية.

فكأنّنا، بحسب هذا التوصيف، إزاء صراع بين إخوة البيت الواحد، لا إزاء صراع قومي ضدّ مشروع صهيوني إستعماري.

خلاصة القول، أصبح لدينا عام 1943، على أرض فلسطين، حزبان شيوعيان:

الأول، هو الحزب الشيوعي الفلسطيني بأغلبية يهودية ساحقة بقيادة مائير فلنر وشموئيل ميكونيس وغيرهما من يهود الإتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية السابقة.

والثاني، هو عصبة التحرر الوطني في فلسطين التي ضمت الشيوعيين الفلسطينيين بقيادة إميل توما، ومخلص عمرو، وإميل حبيبي وتوفيق طوبي وغيرهم.

لقد أدّت النكبة لتشرذم الحزب بين مناطق 48 حين توحّد الجميع هناك، ومناطق القطاع، والضفة الغربية والأردن، وكلٍ له مُسمى، وصولاً لوحدة الخارج ومن ثم حمل إسم حزب الشعب الفلسطيني والإنضواء في م. ت. ف.

حزب الإتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فِدا)

نشأ حزب فِدا على خلفية انشقاق تنظيمي وسياسي وقع عام 1988 داخل الجبهة الديمقراطية لأسباب تنظيمية وسياسية رافقتها تباينات شخصية وذاتية حادة، فأحدثت إنقساماً عمودياً وأفقياً في التنظيم المُشار إليه، وأعلن الحزب عن نفسه في العام 1990 بقيادة ياسر عبد ربه، وصالح رأفت، وممدوح نوفل، وعصام عبد اللطيف، وجميل هلال، وغازي الخليلي، وغازي سلامة، وسهام البرغوثي، وزهيرة كمال وآخرون. وانضم، فور الإعلان عن تأسيسه، إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة بشخص ياسر عبد ربه.

ويُعرِّف حزب الإتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فِدا) عن نفسه بأنّه “حزب يساري ديمقراطي فلسطيني يُشكل جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية المُمثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده.. في فلسطين وخارجها. ويكافح من أجل تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني في التحرر والعودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وتحقيق السلام الشامل في المنطقة. وهو حزب إشتراكي يحمل رؤية تقدمية لبناء مجتمع فلسطيني علماني يقوم على أساس الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والمساواة، ويفتح الآفاق نحو بناء الإشتراكية في فلسطين بعد الإستقلال”.

ويستند الحزب، كما تقول أدبياته، إلى “المنهج العلمي الجدلي في تحليله للواقع، ويسترشد بالإشتراكية العلمية وبتراثنا الفكري المستنير وتراث الفكر الإنساني التقدمي، كما يستلهم في نضاله خبرة شعبنا وتقاليده الكفاحية والمخزون العربي بعناصره التقدمية والإنسانية وتجارب الحركة العمالية والإشتراكية العالمية، ويبقى منفتحاً على التيارات الفكرية الحاملة لقيم الديمقراطية والتحرر والمساواة والعدالة الإجتماعية والتقدم”.

وفي المؤتمر الثاني للحزب جرى انتخاب زهيرة كمال كأمين عام، وأصبح الأمين العام السابق صالح رأفت حمدان نائباً للأمين العام، بينما غادر ياسر عبد ربه صفوف الحزب. ومن أبرز قيادات الحزب الحالية إلى جانب صالح رأفت كلٍّ من: علي عامر، سهام البرغوثي، سمعان خوري، خميس أبو الضبعات، محمد العاروري، الدكتور وائل التكروري، رائف ذياب، منصور أبو رضوان، حنفي الخطيب، سعدي أبو عابد، زهيرة كمال، جمال زقوت، سامي كيلاني، نعمة الحلو، عائشة عودة، الدكتور عزمي الشعيبي، الدكتور جميل هلال، سالم دردونه، الدكتورة فيحاء عبد الهادي وجمال أبو نحل.

حركة المبادرة الفلسطينية

حركة سياسية إجتماعية فلسطينية، تأسست يوم 17 حزيران/يونيو 2002، وتُعتبر الحركة الأهم التي نشأت في ظل الإنتفاضة الكبرى الثانية، وتمكنت من البقاء والإستمرار.

ومن أبرز مؤسسيها الدكتور حيدر عبد الشافي في قطاع غزة، والدكتور مصطفى البرغوثي في الضفة الغربية، والأستاذ إبراهيم الدقاق في مدينة القدس.

وبعد وفاة المفكر إدوارد سعيد كُشف النقاب عن أنّه كان أحد مؤسسي هذه الحركة، ولم يكن قد أعلن عن ذلك في حياته. ويشغل مصطفى البرغوثي حالياً منصب الأمين العام للحركة، وقد شاركت الحركة في كل الحوارات الفلسطينية التي جرت في القاهرة خلال السنوات الماضية، كما شاركت في مختلف اللجان المنبثقة عن تلك الحوارات بما فيها اللجنة العليا المؤقتة، والتي دُعيت بالإطار القيادي المؤقت للمنظمة.

وأكدت المبادرة في بيانها التأسيسي أنّ أهم أهدافها هو النهوض بالشعب الفلسطيني نحو الحرية والإستقلال، وأنّها تسعى لتحقيق العدالة والنزاهة والعيش الكريم للمواطن الفلسطيني من خلال محاربة البطالة ودعم الفقراء والمحتاجين وضمان حق الشعب الفلسطيني في التعليم والصحة والضمان الإجتماعي، وحماية القرار الفلسطيني المُستقل وتحقيق السلام العادل.

ودعت المبادرة لإصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وطالبت بمنع قادتها من التدخل في الأمور السياسية والإعلامية، وتقييدهم بقرارات القيادة الشرعية المنتخَبة، وإبتعادهم الكامل عن الأنشطة الإقتصادية والإستثمارية مع تحديد موازنة رسمية واضحة لهذه الأجهزة، وخضوعها لسيادة القانون والقضاء المستقل، وتكريس إهتمامها ونشاطها لحماية الأمن الوطني الفلسطيني ولخدمة أمن المواطن وتوفير الأمان له.

ويعتبر الدكتور مصطفى البرغوثي “الدينامو” النشيط في دور وفعالية المبادرة الوطنية، يساعده في مهام عمله اليومية وقيادة الحركة صلاح الخواجا.

والبرغوثي من مواليد رام الله، درس الطب وانتسب مُبكراً للحزب الشيوعي الفلسطيني، ثم غادر صفوف الحزب ناشطاً في صفوف منظمات المجتمع الأهلي، وتقلّد موقع وزير الإعلام في حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها إسماعيل هنيّة بعد اتفاق مكة أوائل العام 2007.

أما الدكتور حيدر عبد الشافي فيُعتبر شخصية وطنية مستقلة من مواليد مدينة غزة عام 1919، إلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، وتخرّج من كلية الطب في حزيران/يونيو 1943، وكان أول فلسطيني يُنتخب رئيساً للمجلس التشريعي في قطاع غزة، في الدورتين الأولى والثانية على التوالي 1962- 1964، وهو المجلس الذي عمل على تأسيسه في حينها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,