فلسطين غائبة عن لقاءات التقارب العربي هل تُبنى المصالحة على أنقاض القضية؟

التصنيفات : |
نوفمبر 9, 2021 1:40 م

*رامي سلّوم

يتجاهل الحراك العربي – العربي الجديد، الذي يخطو بتباطؤ باتجاه مصالحة عربية وفق الأخبار الراشحة، أيّ ذكر للقضية الفلسطينية على هوامش اللقاءات والإتصالات المُعلنة للمسؤولين العرب، على الرغم من الحضور البارز لعدد من الأحداث التي تخصّ القضية الفلسطينية على الساحة السياسية أخيرا، والتي أعادتها إلى صدارة الوجدان الشعبي العربي.

ويبدو التوجّه الجديد للزعماء والقيادات العربية، ميّالاً لخط تفاهمات عربية، ولو كان بالإمكان وصفها بالهشة، بعد الخصومة البالغة والتحالفات البينية بين الأنظمة العربية على بعضها، خلال أحداث ما يُسمى بـ “الربيع العربي” الأخيرة.
غير أنّ التجاهل الذي يبدو متعمداً للقضية الفلسطينية التي أسماها العرب أنفسهم بـ”الجامعة العربية”، أو “القضية المركزية” في بعض الأحيان، يثير مخاوف مراقبين من فقدان البوصلة الأساس، وإدراج القضية الفلسطينية ضمن الحسابات التكتيكية، بعيداً عن الأساس الإستراتيجي السابق، ما يُمهّد لتصفيتها معنوياً وسياسيا.

وعلى الرغم من صعوبة قبول دول عربية، أو ما يُسمى بدول المواجهة، بعلاقة مع الكيان الإسرائيلي في المنظور القريب للعديد من الأسباب الداخلية والخارجية، غير أنّ المراقبين يبنون تخوّفهم من أن يُبنى التقارب العربي على أنقاض القضية الفلسطينية، كون ذرائع التباعد وتبادل الإتهامات متوفرة بكثرة، خصوصاً مع عدم فاعلية السلطة الفلسطينية في أداء دورها السياسي واصطفافاتها في خنادق لا تخدم قضيتها بأيّ حالٍ من الأحوال.

الفِصام السياسي

حشرت السلطة الفلسطينية نفسها في العديد من القضايا العربية الداخلية والتي تتصف بالخلافية، غير المؤثرة على واقع الصراع العربي – الإسرائيلي، وجعلت نفسها طرفاً في قضايا لا تخصّها عمليا، فضلاً عن تسويق نفسها على أنّها غير موثوقة للعديد من الأنظمة التي ضاقت ذرعاً بتصرفاتها غير المسؤولة كما يصفونها، وبقيت بعيدة عن التنسيق العربي، ولو حتى الجزئي، مع الدول العربية لتحقيق مصالح شخصية لقياداتها.

فالسلطة الفلسطينية تؤكد على حلّ الدولتين، وحق العودة، والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، في الوقت الذي تضطلع بأعلى درجات التنسيق مع الاحتلال على حساب الفلسطينيين، الأمر غير المتبادل من الجانب الإسرائيلي الذي لا يلجأ إلى التمسك باتفاق التنسيق إلا وفقاً لمصالحه المشبوهة.

وتُمثّل المعلومات الراشحة أخيراً انفصالاً حقيقياً بين تصريحات السلطة، وتصرفاتها، فتصريح أحد الأسرى الفلسطينيين الستة الهاربين من سجن جلبوع عن رفض السلطة الفلسطينية توفير الحماية لهم بحجة أنّ الأمر خطير وكبير للغاية، ولا يمكن للسلطة تحمّله، فضلاً عن نيّة لتواسط  إسرائيلي مُخزٍ بين السلطة والقيادة الإماراتية على سبيل المثال، ما يُوسّع الهوة بين السلطة والدول العربية التي لا تزال تحتفظ بماء الوجه في مواقفها من الصراع العربي – الإسرائيلي، ولم تنخرط في جيل التطبيع الجديد.
فشلت السلطة الفلسطينية سياسيا، كما فشلت شعبيا، إلى الحد الذي عجزت معه عن الحصول على تنديد عربي بـ “إتفاق أبراهام”، أو الخروج بالجملة المعهودة بـ”أنّ المجتمعين يؤكدون على حقوق الشعب الفلسطيني وتطبيق القرارات الدولية”، كما فشلت في حشد مواقف عربية فردية مندّدة، تُحرج المُوقّعين، بفعل ضآلة التحرك السياسي للسلطة، وافتقادها الحنكة أو الرغبة في اللعب على الحبال السياسية الرابحة، وضعف نيّتها بإعادة الثقة بها، فتحركات السلطة الأخيرة تُبرز ميلاً لاستثمار المواقف في الحصول على الأموال الغربية، في الوقت الذي لا طاقة للعديد من الدول العربية بتحمّل أعباء مواقف لا يمكن المراهنة على صلابة المُطالبين بها وجدّيتهم.

إنعدام الرؤية والتنازل المتصدّع

وتمنّى مراقبون، لو كانت السلطة الفلسطينية تتحلّى بأبسط قواعد التكتيك السياسي في الإبقاء على التنسيق العربي ولو (بأقل الإيمان)، على حد وصفهم، إسوة بما تُمارسه مع الكيان، لافتين إلى أنّ التعنت أسقط السلطة في العديد من الهفوات الإستراتيجية منذ “إتفاق أوسلو”، بفعل ضعف التنسيق، والتعاون، متهمين السلطة بالإبتعاد عن ما يسمى “بتلازم المسارات”، الذي حاول عدد من الدول العربية تشكيله للوصول إلى رؤية موحّدة وعمل مشترك لحلّ قضايا الأراضي العربية المحتلة جملة، وعدم السماح بانفراد الكيان، والدول الداعمة له بالضغط على جهة بعينها لإبرام إتفاق مُجحف بحقّها، حتى ولو كانت تلك الشعارات لا تحظى بالثقة الكاملة من الفلسطينيين، لكنّها تبقى إطاراً ضمن الملاعب السياسية في ظلّ انعدام الإطارات.

ولا تستند السلطة الفلسطينية على شيء في عزلتها الإختيارية، فهي غير مرغوبة شعبياً في الداخل كما في الشتات، ولم تُحقق إتفاقاتها المشبوهة ما يفي بحفاظها على ماء وجهها بوصفها تمثّل تطلعات الشعب الفلسطيني، بل وصل الأمر بها إلى فرض شروط التوافق مع الكيان على فصائل مقاومة للحوار معها!.

فقدان البوصلة

ويؤكد مراقبون، أنّ الحديث عن السلطة الفلسطينية في ظل الإنكفاء العربي عن لحظ القضية الفلسطينية في الإتفاق، ليس تحاملا، في مناخ يشي باختفاء التحرك الفلسطيني السياسي، الذي كان لا بد له أن يكون مكوكيا، لحجز مواقف عربية ثابتة ومُلزمة، في الواقع الراهن للقضية وما تمر به من محاولات اجتثاث باتت واضحة للعيان، والعمل على إحراج سلطات الدول العربية في الإعلان عن مواقفها، وتوحيد تلك التصريحات والمواقف من خلال الجولات الدبلوماسية، لافتين إلى أنّ تظهير القضية الفلسطينية وتطهيرها من شوائب الخلافات العربية أحد واجبات السلطة الفلسطينية، كما جميع الدول التي تسعى لإبقاء مصالحها حاضرة، غير أنّ السلطة اعتادت على المواقف المجانية، ولم تدرك اختلاف الواقع السياسي والجيوسياسي للدول العربية والعالم.

والأمر اللافت في التحرك للتقارب العربي، هو أنّه يحصل بمباركة أمريكية، ما يزيد الشكوك حول الغاية والأهداف المرجوة من التقارب، وما يتمّ مناقشته عملياً على طاولات الحوار، التي أثبتت التجارب مراراً ضعف موثوقيتها، وأمانتها للقضية.

عانت القضية الفلسطينية من صفعات قوية، بمشاركة العرب أنفسهم، بدءًا من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وصولاً إلى توقيع إتفاقيات أبراهام السطحية، التي لم تراعِ ألف باء السياسة في الحصول على أيّ نوع من المكاسب لقاء تبييض الوجود الإسرائيلي في المنطقة، بل اختصار القضية في صراع أديان هشّ تجري مصالحة وتسامح بينهما وفقا لما أراده “ترامب”.

وتؤكد الأبجديات السياسية التي صاغتها سنوات الصمود والكفاح الفلسطينيين، أولوية الصراع العربي – الإسرائيلي، على بقية الصراعات أو المعارك الجانبية المرحلية، كونه صراع وجودي، لا ينافسه في أهميته وأولويته صراع حدود أو مصالح.

عدوّ عدوّي.. صديقي

وانخرطت السلطة الفلسطينية في عداء غير مفهوم مع إيران بدلاً من استثمار العلاقة بالشكل الذي يخدم القضية الفلسطينية، وفرض مواقف على الدول المُعادية للوجود الإيراني، والتي كانت من أوائل الدول لِهاثاً للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مما يُشرّع التساؤلات حول مواقف السلطة الفلسطينية ومكاسبها من عداء إستراتيجي لا يعنيها في الوقت الحاضر، وبمعزل عن توجسات دول “أبراهام” من النفوذ الإيراني وموضوعية مخاوفها من توسعه، غير أنّ وجوده كبديل للصراع المصيري، غير مُوفَّق ويخدم مصالح الإسرائيليين دون غيرهم.

وتلهث دول عربية اليوم، بفعل الضغوطات الإقتصادية والسياسية بعد أحداث الربيع العربي، وراء نفوذ سياسي يُعينها في توفير ضغوطات معينة على المجتمع الدولي، الأمر الذي مثّلت فيه القضية الفلسطينية بيضة القبّان شعبياً وإستراتيجياً لتلك الدول، ما كان يمكن للسلطة الفلسطينية استغلاله في فرض مواقف مُحددة على تلك الدول لقاء استعادتها جزءًا من وجودها السياسي من خلال القضية المصيرية.

وعلى الرغم من القليل مما تحمله الفكرة من مساومة، غير أنّها تمثل جوهر السياسة من حيث تأمين المصالح المشتركة للطرفين، في ما عدا أنّه لا يمثّل أية مخاطرة كون سلطة القرار الأخيرة ستكون في النهاية بيد السلطة الفلسطينية.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , ,