تأثير عدم الإستقرار الشرق أوسطي

التصنيفات : |
نوفمبر 10, 2021 3:54 م

ترجمات – صمود:

*بقلم طاقم معهد السياسة والإستراتيجية (IPS) برئاسة اللواء (إحتياط) عاموس جلعاد

تتصاعد المنافسة الإستراتيجية بين “إسرائيل” وإيران، على خلفية إعلان إيران استعدادها للعودة إلى المحادثات في فيينا لتجديد إتفاقها النووي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وتوضح الديناميكيات الإقليمية العلاقات الوثيقة بين مختلف الساحات في الشرق الأوسط، والتأثير المتزايد للتنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، على علاقات القوة في المنطقة.

في هذا السياق، تعمل القوى الإقليمية المختلفة على تعزيز نسيج التحالفات والروابط الإقليمية، ودرء الصراعات من أجل خلق توازن للردع وعرقلة تحركات الخصم، ولكن في محاولة لتجنب الإنجرار إلى معركة شاملة، إلى جانب الإستثمار في عمليات بناء القوة على المدى الطويل، ومع ذلك فإنّ الخوف من سوء التقدير آخذ في الإزدياد، ويمكن للروابط الوثيقة بين مختلف الساحات أن تجرّ المنطقة إلى حملة غير مخطط لها.

تكثيف المنافسة الإقليمية متعددة الساحات

إنّ استراتيجية إيران مُتّسقة وتعمل على إقامة نفوذ إقليمي، وتقويض الإستقرار الأمريكي في الشرق الأوسط و”التحالف السني الإسرائيلي”، إلى جانب أن تصبح بحكم الأمر الواقع دولة على العتبة النووية.

واشنطن التي اتّهمت طهران بالمسؤولية عن الهجوم المستهدف من الطائرات بدون طيار على القاعدة الأمريكية في التنف، على الحدود الأردنية السورية (20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي)، لم ترُدّ حتى الآن، في ما علّق مسؤولون كبار سابقون في الإدارة الأمريكية على الوضع في الشرق الأوسط، زاعمين أنّ الولايات المتحدة فقدت تأثيرها الرادع على إيران، ودعوا إلى تعافيها من خلال الضغوط الدبلوماسية والإقتصادية والعسكرية.

إنّ التوق الأمريكي للإستقرار وعدم الرغبة في الإنغماس في حملة أخرى في الشرق الأوسط في مواجهة التحدي الصيني والروسي المتزايد، يلعبان لصالح طهران، كل هذا على خلفية الإنعكاسات السلبية للإنسحاب من أفغانستان التي يخشى كثير من كبار المسؤولين في واشنطن أن تلحق ضرراً عميقاً بالردع الأمريكي في الشرق الأوسط.

حاليا، تُقدّر إيران أنّ بإمكانها استخدام القوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط دون دفع ثمن، يُضعف هذا الوضع الولايات المتحدة ويشجع على المزيد من التحركات العدوانية من قِبل إيران في المنطقة، كما أنّ الهجوم الإيراني السريع يهدف إلى دقّ إسفين بين “إسرائيل” وواشنطن مع إيصال رسالة رادعة للولايات المتحدة بأنّ دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، لها عواقب وخيمة، يمكن أن تضر بحياة الجنود الأمريكيين.

“إسرائيل” التي نفّذت، حسب مصادر أجنبية، عدداً من الهجمات الكبيرة في الشهر الماضي في سوريا، عملت باستمرار في السنوات الأخيرة على وقف التموضع الإيراني وإحباط نقل الأسلحة التي تكسر التوازن في الساحة، وعلى وجه الخصوص إلى حزب الله في لبنان.

على المستوى الإستراتيجي، عزّز “رئيس الوزراء بينيت” التنسيق العملياتي مع روسيا، بينما أجرى اتصالاً شخصياً مع الرئيس الروسي بوتين خلال اجتماعهما في سوتشي قبل حوالي أسبوعين، هذا التنسيق الإستراتيجي ضروري في ضوء الوجود العسكري الروسي في سوريا، وضرورة لمنع الإحتكاكات التي يمكن أن تؤثّر على حرية العمل العملياتي لـ”إسرائيل”.

مشهد المصارعة الآخر الذي تصاعد في الأسابيع الأخيرة هو الساحة الإلكترونية، تسبب هجوم إلكتروني واسع النطاق في إيران في اضطراب واسع النطاق في محطات الوقود في البلاد، من ناحية أخرى، كان هناك زيادة في حجم الهجمات الإلكترونية على أهداف إسرائيلية، والتي كان بعضها ناجحاً (إغلاق مستشفى هيلل يافي)، من المنطقي أن نفترض أن ساحة المعركة السيبرانية ستستمر بل وستزداد حدتها.

كما يتمّ اختبار تعاون “إسرائيل” الإستراتيجي والعملي مع الولايات المتحدة في ظل الضغوط التي تمارسها طهران على القوات الأمريكية في المنطقة، لا سيّما في ظل محاولة إيران تحميل المسؤولية عن هجمات مبام السيبرانية مع الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، بل إنّ التحدي الذي تواجهه “إسرائيل” في هذا الصدد يتفاقم في ضوء حساسية أمريكا للضحايا، وعدم رغبة واشنطن في الإنجرار إلى حملة أخرى في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإنّ الإنسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان يعزز بشكل متناقض الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وبالتأكيد على خلفية المحاولات الروسية لزيادة النفوذ في الشرق الأوسط ودقّ إسفين بين الطرفين، كما أنّ الصورة التي تمّ نشرها عمداً للقاذفة الأمريكية من طراز B1 في طريقها إلى الخليج برفقة طائرات مقاتلة “إسرائيلية”، تبعث برسالة واضحة إلى إيران ومبعوثيها بشأن التنسيق العملياتي المُحكم القائم بين الدول، مما يعزّز “الردع الإسرائيلي”.

الأزمة بين لبنان والسعودية

المملكة العربية السعودية طردت السفير اللبناني وأعلنت أنّها ستتوقف عن الإستيراد من لبنان مع إعادة السفير في نفس الوقت من بيروت، اندلعت الأزمة عقب الكشف عن انتقاد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي للعدوان السعودي على اليمن.

وأثارت تصريحاته، التي ألقت بظلال من الشك على شرعية تحرك السعودية والإمارات، ضجة أدت إلى اتخاذ السعودية إجراءات عقابية، وانضمت البحرين والكويت والإمارات إلى الإدانات السعودية وأعلنت عودة الموظفين الدبلوماسيين من لبنان، وأعرب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عن أسفه للخطوة السعودية، وأشار إلى أنّ تصريحات قرداحي لا تُمثّل موقف الحكومة، وبالتالي يأمل في إنهاء الأزمة.

تُسلط الأزمة الحالية الضوء على عدم إستعداد المملكة العربية السعودية وحلفائها للعب لصالح طهران وحزب الله، وتدفّق مساعدات إقتصادية غير مشروطة إلى لبنان، والهدف من هذه الخطوة هو الضغط على لبنان الذي يعاني من أزمة إقتصادية حادة للحدّ من النفوذ الإيراني في البلاد، بل إنّ وزير الخارجية السعودي صرّح صراحة أنّه يجب الحدّ من نفوذ حزب الله في مؤسسات الدولة، هذه الخطوة تزيد من حدة الأزمة الإقتصادية في لبنان، وتزيد من حدة الجدل السياسي العام في البلاد.

“إسرائيل” وواشنطن والقضية الفلسطينية

دخلت “إسرائيل” في خلاف عام مع واشنطن بشأن الإعلان عن بناء وحدات إستيطانية في الضفة الغربية ومن ضمنها القدس، وزارة الخارجية الأمريكية وردا على ذلك، بعثت برسالة قوية مفادها أنّ هذه الإجراءات تُقوّض محاولات تهدئة التوترات في الضفة الغربية، وتضرّ بفُرص تحقيق رؤية البلدين.

عارضت السياسة الأمريكية تقليدياً التحركات أحادية الجانب التي، في نظرها، يمكن أن تضرّ بتقدم العملية السياسية وحلّ الدولتين، القضية الفلسطينية هي قضية أساسية في السياسة الأمريكية، على الرغم من فهم الإدارة أنّ برنامج استئناف العملية السياسية في الوقت الحالي منخفض، وبالتأكيد على خلفية التكوين السياسي غير المتجانس لـ”الحكومة الإسرائيلية”.

إنّ الإحتكاك محدود ولا يؤثّر في هذه المرحلة على العلاقة الإستراتيجية بين الدول، لكنّه يُسلط الضوء على المفهوم المبدئي للسياسة الأمريكية حول القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ورغبة الإدارة الحالية في الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط، وبالنسبة للقضية الفلسطينية، يجب أن يوضّح الرد الأمريكي لـ”إسرائيل” أنّ التزام واشنطن بالقضية الفلسطينية حقيقي، وعلى “إسرائيل” أن تأخذ في الإعتبار الموقف الأمريكي، خاصة في ظل حاجة “إسرائيل” إلى الدعم الأمريكي على المستوى الإستراتيجي والعملي في الحملة ضد إيران.

توصيات

تغيرت بؤرة المعركة بين الحروب، وبعد عقد من العمل العسكري ضد تكثيف قوة حزب الله وحماس في الدائرة الأولى، أصبحت الآن تركز بشكل أساسي على التعامل مع تحركات إيران على الساحة الإقليمية.

تقترح الباحثة دانا بريزلر دراسة التعامل مع إيران كمنافسة بين القوى الإقليمية، الأمر الذي يتطلب تصميم إستراتيجية تنافسية تشمل أساليب العمل والتفكير المتوافقة مع هذا السياق، مع كون مبام جزء أساسي من أدوات “إسرائيل” على المستويين السياسي والأمني.

إنّ الهجوم الإيراني على القاعدة الأمريكية في التنف محاولة لردع الولايات المتحدة ودقّ إسفين بينها وبين “إسرائيل”، والمطلوب من “إسرائيل” ترسيخ الإلتزام الأمريكي بمواصلة دعم وقف التموضع الإيراني في سوريا، كما أنّ التنسيق العملي الذي يعتمد على التعاون الإستراتيجي بين الدول، هو عنصر أساسي في المفهوم الإسرائيلي للأمن، وأصل إستراتيجي يجب الحفاظ عليه.

تتطلب العودة إلى المفاوضات بشأن إتفاق فيينا النووي تضافُر الجهود السياسية في واشنطن وأوروبا للتأثير على الإتفاقية المستقبلية، بحيث تلتزم بمصالح “إسرائيل” الأمنية وتوقف تقدم إيران نحو القدرات والأسلحة النووية، ويجب أن يكون الجهد السياسي مدعوماً بتطوير خيار عسكري فعال، وهذا سيُلزم المجتمع الدولي بمراعاة “الموقف الإسرائيلي”.

على “إسرائيل” أن تأخذ بعين الإعتبار الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، وأن تتجنب قدر المستطاع الإحتكاك الذي يمكن أن يؤثّر على العلاقة الإستراتيجية بين الدول، خاصة عندما تكون حساسة، حيث يجب أن تركز الأولوية الوطنية على الحملة ضد إيران، فمن الضروري إجراء حوار استراتيجي وثيق مع الولايات المتحدة وتوضيح الخطوط الحمراء بشأن القضية الفلسطينية، من أجل تفادي أزمة قد تُعرّض جهود احتواء إيران للخطر.

*نُشر في معهد السياسة والإستراتيجية (IPS) بتاريخ 10/11/2021


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,