زيتون وغاز.. البعد الإقتصادي للقضية الفلسطينية

التصنيفات : |
نوفمبر 10, 2021 11:47 ص

*وسام عبدالله

يتطلّب معرفة أهمية أمر ما في بعض الأحيان، تخيُّله في حالة مختلفة، كأن نتصوّر عدم وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، كيف سيكون لموقعها ومواردها وإمكانياتها الطبيعية والبشرية من دور أساس في الحركة الإقتصادية، في الداخل وبين الدول المحيطة وصولاً إلى العالم. لحظة صفاء ذهني تكفي لنُدرك كم خسرنا جميعاً بإغلاق بوابة فلسطين في وجهنا من قِبل العدو.

قطع شريان التواصل

ننظر إلى القضية الفلسطينية من أبعاد محددة، لكنّ قليلاً ما نتعامل معها في بُعدها الإقتصادي، كونه لا يلامس حياتنا اليومية بشكل مباشر. فالإضاءة على الثروة الهامة التي تختزنها فلسطين يساهم في توسعة صورة التعاطي مع القضية، من جانب له أهميته في ميزان العلاقات بين الدول.

تنتشر صور تُوثّق مرحلة ما قبل إغلاق الحدود، حيث كان التنقل بين بيروت ودمشق والقدس أمراً يوميا، وحركة النقل لها بُعدها الإجتماعي لصلة القربى والزيارات العائلية، ولها بُعدها الإقتصادي في السياحة والتبادل التجاري.

 ومع إغلاق المنفذ البري خسرنا طريقاً نحو الوصول إلى إفريقيا عبر البوابة المصرية، أي أنّ ما يُطلق عليه اصطلاحاً “برّ الشام”، أصبح مبتوراً من أحد جهاته وأجزائه. والأمر لا يحتاج إلى مُحلل إقتصادي لشرح سهولة التنقل وأهميته، يكفي مجالسة أحد الأجداد ليحكيَ لنا قصة زيارته إلى القدس، وكأنّها ضمن بلده وليس في دولة أخرى.

الإمكانيات والثروات

تتنوع الخيارات الفلسطينية، على الأرض وفي عمق البحر، وهو ما عمل الإحتلال على استنزافه وسرقته وسلبه، ليضع الشعب الفلسطيني تحت حصار إقتصادي داخل أرضه.

في الزراعة، لم يكن الهدف الوحيد هو الإستيلاء على المحاصيل، إنّما تغيُّر ثقافة المزارعين بشكل كامل، من اقتلاع الأشجار المُثمرة ودفعهم نحو زراعة مُعينة، إلى استخدام المبيدات الكيماوية عبر مؤسسات “إسرائيلية”، والأساس في كلّ العملية هو كسر المزارع الفلسطيني لصالح مُنتجات العدو. تنوُّع الأقاليم الزراعية في فلسطين يؤمّن تنوعاً في المحاصيل، ما بين المناطق الجبلية والداخلية والأغوار والشريط الساحلي، مثل الزيتون والليمون والحمضيات والأشجار المثمرة والحبوب، ولم تكن هذه المحاصيل موجّهة فقط للسوق المحلي، إنّما كانت تُصدَّر إلى الخارج بشكل كبير، ويوضح هذا الأمر ما حدث من تراجع في تصدير الحمضيات في فترة الكساد العالمي خلال ثلاثينيات القرن الماضي.

يأخذنا الملف الزراعي بشكل مباشر إلى المياه، حيث عمل الإحتلال على تدمير البنية التحتية والسيطرة على الينابيع، ليمتلك القدرة على وضع الشعب تحت رحمة العطش. يمثّل قطاع غزة أنموذجاً واضحاً للسياسة العدوانية على المياه، حيث يستهدف الطيران “الاسرائيلي” ليس فقط مراكز يعتبرها تابعة للمقاومة، إنّما يركز على مضخات المياه والصرف الصحي، كما حدث في عملية “الرصاص المصبوب” عام 2008، حين تُرك ثلث سكان القطاع دون ماء.

إنّ حلم سيطرة إسرائيل على المياه يصبّ في صلب وجودها، من مرتفعات الجولان السوري المحتل إلى نهر الليطاني في جنوب لبنان وصولاً إلى ينابيع الجبال الفلسطينية، وهذا المشهد المائي يوضح الفرصة الضائعة أمام منطقة زراعية وغنية بالمياه في عقدة ممتدة مع غور الأردن.

تجرفنا المياه نحو البحر، لنغوص إلى العمق بين ثروتين: السمك والغاز. الأولى، تُساهم في دعم ورفد الإقتصاد المحلي كون المساحة المائية واسعة، وتُعدّ مهنة الصيد من أقدم المهن في فلسطين، وهي لم تَسلَم من تضييق الحصار على الصيادين، ومنعهم من الإستفادة من مورد يُشكّل لدى الكثيرين قُوتهم اليومي.

أما في الثانية، فالصراع الأكبر، كون استخراج الغاز على الساحل الشرقي للمتوسط يمتد من شمال الساحل السوري والساحل اللبناني حتى جنوب فلسطين، فنحن أمام خط نار يحوي، بحسب الدراسات والمُسوحات البحرية، أهم احتياطيات الغاز العالمية. واستفاد الإحتلال من عامل الوقت، فبدأ باستخراج الغاز من حقل تمار عام 2013 بالقرب من ساحل حيفا، وهو يحوي 10 تريليون قدم مكعب من الغاز. فامتلاك السيادة على الحدود البحرية يُحدد قدرة الشعب على النمو والإستقلال بقراره الإقتصادي من ناحية الثورة الغازية.

يبقى المدخل الأساس للعودة إلى البر، هو عبر الموانئ البحرية التي كانت قبل الإحتلال بوابة الداخل المشرقي نحو أوروبا وإفريقيا، وهنا تكمن إحدى العقد الأساسية في اتفاقيات التطبيع، في ربط موانئ من الخليج العربي مع ميناء حيفا ليكون للإسرائيلي طريق نحو أسواق جديدة بعيداً عن مصر وقناة السويس، هذه الموانئ الفلسطينية، العريقة بدورها، كانت أحد خيارات الداخل العربي وامتداده شرقاً ليبقى إقتصادها يتنفس نحو الخارج.

السلام الإقتصادي  

من خلال حصاره وتضيق الخناق، يريد الإحتلال فرض “سلامه الإقتصادي”، وهو ما عمل عليه في اتفاقيات “السلام” والمفاوضات، فحين يصل الإحتلال إلى خبز وماء المواطن يكون وصل لحدود كرامته اليومية، ليكون الفلسطيني أمام تحدٍ مُتجدد من المواجهة، وهنا السؤال:

إن كان تحرير الأرض بالعسكر مُستبعداً من قِبل الدول العربية، أليسَ دعم المنتجات الفلسطينية والمُشاركة في الحركة الإقتصادية عن طريق الإستيراد والتصدير يساهم في كسر الحصار عن لقمة عيش الشعب الفلسطيني؟.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,