“ماما أكبر من إسرائيل”… لم تمضِ 100 عام بعد!

التصنيفات : |
نوفمبر 18, 2021 12:32 م

*رامي سلّوم

لم يقف فصل الأحداث الأخيرة التي عاشتها فلسطين، من معركة “سيف القدس”، إلى عملية “الطريق إلى القدس”، وفرار أسرى سجن جلبوع الستة، وغصّة إعادة اعتقالهم، عند حدود الشارع الفلسطيني، بل أعادت بدورها النشوة والشعور بالنصر والكرامة إلى الشباب العربي في مختلف البلاد العربية، ومنها العاصمة السورية دمشق، التي استعادت مقاهيها أجواءها الثقافية بعد أن طغت عليها أصوات الصراعات، لتزخر مُجدداً بالنقاشات والجدال الجميل، ولتعود فلسطين إلى صدارة الحوار والعاطفة الشعبية، لتصرخ إحدى الفتيات مُحتدّة خلال نقاش مع أصدقائها “إيه ماما أكبر من إسرائيل”.

جملة بدت عشوائية خلال نقاش احتدم بين مجموعة من الشبان والفتيات في مقهى، بدا تأثيره واضحاً على غالبية الزبائن الذين كانت جلساتهم قريبة من المجموعة، وتمكنوا من سماعها بوضوح، لِمَا فيه من ردّ يختصر عشرات المقالات السياسية، وصراعات المتحاورين على الفضائيات حول جدوى النضال، وفقدان القضية “رهجتها” مع مرور الزمن، وتثبيت الكيان الإسرائيلي وجوده عبر الزمن.

فكرة ربما جالت في بال كثيرين ممن تمكنوا من سماعها، وقالوا في قرارة أنفسهم، حقاً “ماما أكبر من إسرائيل”، أكبر من هذا الكيان الصغير الذي يتلطّى بهمجيته المُفرطة، وتجاوز القوانين الدولية “الصغيرة” أيضا، كونها لم تتمكن من ردع أحفاد عصابات “الهاغاناه” وشُذّاذ الآفاق الذين تمّ استجلابهم من كل حدب وصوب، ليُطلَق عليهم لقب “مواطنون” في دولة ليست لهم، بل مُنحت لهم من قبل البريطانيين الذين لا يملكونها أساسا، في رسالة لم تتجاوز الـ 67 حرفا، سُميت “وعد بلفور”.

ذاكرة طرية

ثلاثة وسبعون عاماً مضت، منذ إعلان تأسيس ما سُمي بالدولة اليهودية “إسرائيل”، التي تمّ الإعلان عنها عام 1948، جثمت في ذاكرتنا وكأنّها قرون، لما زرعته من ألم وظلم، وشعور داخلي بالضعف تجاه الواقع المُختل.

وُلدنا وهذا الإحتلال جاثم على صدورنا، والإعلام يجترّ كلمات الصمود، ومؤتمرات الخذلان تتوالى، من دون أن تُغيّر في المشهد شيئا.

 أعادتنا جملة من فتاة إلى واقعنا، ومسحت بانفعالها إرباكنا، وتمكنت من إعادتنا إلى ثباتنا وتفكيرنا، وإستراتيجيتنا التي بُنينا عليها لتحقيق النصر، من خلال الصمود، وكأنّها صرخت في وجهنا أنّ 73 عاماً ليست بالزمن الذي يقضي على ذاكرتنا، وأنّ سنوات النضال لم تُعجزنا بعد، ولا يزال الوقت مُبكراً لحصد الثمار، فهي لا تعدو أن تكون سهوة عين في سنوات التاريخ الطويلة لأمجاد الشعوب الراسخة في أرضها، ولا تُشكل ذرّة غبار على سطور التاريخ أيضا، ولا يعدو تأثيرها نُدبة صغيرة في ذاكرة الوطن الفلسطيني، بعد عودة الحقّ لأصحابه، ومرور السنوات والقرون القادمة كما يجب أن تكون.

تزخر ذاكرة أمهاتنا في غالبية الأسر السورية بزياراتهن إلى القدس، قبل الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة لكونها محجّة لأبناء الطوائف المسيحية، التي انقطعت زياراتها عنها بعد الإحتلال، فالجدّات السوريات، والأمهات يُحدّثن أولادهن وأحفادهن عن تلك الزيارات، ويفخرن برحلاتهن إلى القدس وبيت لحم وغيرها، خصوصاً أنّ السؤال عن تلك البلاد_ التي لم يعرفها جيلنا إلاّ في الأخبار_ يبقى حاضرا، حيث القتال والموت يحاصرها دائما، لدرجة لا نكاد نعرف عن هذا البلد وشعبه العريق شيئا.

نظرت بريطانيا و”العصابة” الدوليّة إلى “الشعب اليهودي” وقتها بعين العطف، كما قالت، لتُعطي ما لا تملكه لمن لا يستحقه، ولتُقيم وطناً قومياً للشعب اليهودي وفق ما جاء في نص الرسالة، التي سُمّيت بوعد بلفور، وأسّست لقيام هذا الكيان الإجرامي، التي جاء فيها: “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يُفهم جليّاً أنّه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المُقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أيّ بلد آخر”.

سنثأر يوماً

نصٌ يجب أن تُحاكمه القوانين الدولية، والقوانين الجنائية، فهذا النصّ ومن يقف وراءه مسؤول عن قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، ولا يزيد عن كونه عملية نصب دولية كبرى، بل تمادت الدول الموافقة عليه في انحطاطها بعدم التزامها حتى بما خطّته أيديها، فهي تتجاهل حقوق شعب كامل، وتتعمد إهانة مقدساته يومياً بالإقتحامات المتكررة للأقصى وغيره، ومن ينسى حصار العدو لكنيسة القيامة بمُصلّيها، وتدمير البيوت على سكانها، والاعتقالات العشوائية، وولادة عشرات الأطفال في الأسْر والسجون.. ليست هذه برسالة أو وثيقة، هي جريمة يندى لها جبين الإنسانية، وجبين الأخلاق، وتُعري من يدّعي الديموقراطية ويُصدّع رؤوسنا بحقوق الإنسان.

وأخيرا، تقول الأمثال والحكايات العربية، أنّ العربي يأخذ ثأره ولو بعد 100 عام، فهل يُؤخذ بثأر فلسطين؟ وثأر شعبها وشبابها؟ وثأر الأمهات الثكالى؟ وثأر الأرامل والأيتام؟ ثأر من بُترت ساقاه ويداه أو غيرهما؟.. رغم خلافنا حول تقاليد الثأر العشوائية، ومفهومه العشائري البالي والفارغ، ورفضنا لتجاوز القانون، غير أنّه في الحالة الفلسطينية سيكون قصاصاً عادلا. فالأمل لا يزال كبيراً وسط الملاحم المُبهرة التي تعجز عن وصفها الكلمات، والتي تعود في كل مرة لتقول لكل من أصابه الملل: ما يزال الوقت مبكراً.. “إيه ماما أكبر من إسرائيل”.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , ,