الإنتقال من ردّة الفعل إلى الفعل

التصنيفات : |
نوفمبر 19, 2021 12:31 م

*زاهر أبو حمدة

ما يميّز معركة سيف القدس في أيار/مايو الماضي، أنّ الفلسطيني اتّخذ قراراً بالفعل. وهنا الفعل، أي أن يبادر إلى قلب الطاولة ويقصف عاصمته المحتلة مهما كانت العواقب. قلّما تجد الفلسطيني عبر قرن من الزمن هو الفاعل الأول وليس المفعول به دائما. ولذلك، السؤال المشروع: متى يتغير منطق التعامل، من ردّة فعل إلى فعل مستمر؟

صحيح أنّ عسكرة هبّة الشيخ جرّاح وباب العمود كانت ردة فعل أيضا، لكنّ قرار الحرب هو الفعل الأساسي. وبالتالي، نكتشف أنّ المسألة ليست سوى قرار مع إعداد واستعداد وخطة واختيار التوقيت والكثير من الإرادة. وهذا مكمن الخلل في مسيرة شعب يُضحي من أجل حريته. فمنذ قرار التقسيم عام 1947 مروراً باحتلال البلاد حتى قطار التطبيع و”صهينة الإقليم”، كان الفلسطيني يعرف ما يدور حوله لكنّه لا يُقدِم على أفعال تُغير المسار.

والأنكى من ذلك، يتفاجأ الجميع ويُحيلون الأمر إلى المؤامرة. وعلى سبيل المثال، رفض الفلسطينيون مجتمعين صفقة دونالد ترامب، ومع ذلك لم تواجه إلا حين أعلنها، علماً أنّهم كانوا يعرفون تفاصيلها. ولا يُعرف، لو بقي ترامب وصهره في البيت الأبيض ماذا كان حلّ بما تبقى من فلسطين؟

المشكلة أنّ الفلسطينيين لا يملكون خططاً مسبقة ومشروعاً ثابتاً إستباقياً مع بعض التعديلات وفقاً للتطورات والسياقات السياسية والميدانية، لذلك يتشتتون أكثر وتبقى ردّة الفعل هي أداتهم الوحيدة للمواجهة. وليصبح الفلسطيني فاعلاً دائماً يحتاج لاستراتيجية شاملة لا يهمها من يكون رئيساً للولايات المتحدة أو من يرأس حكومة الاحتلال.

هكذا، هي الأمور بسيطة لدرجة يستصعبها قادة الفصائل. وإن لم تبادر القيادات المنقسمة المُقسّمة ستجد من يبادر غيرها من شباب وفئات وتجمعات ونقابات واتحادات إن كانت في الإطار الحزبي أو المستقل.

يقول محمود درويش، في قصيدة “طباق” حيث يرثو فيها صديقه إدوارد سعيد: “لا غَدَ في الأمس، فلنتقدَّم إذاً!”. ست كلمات فيها حكمة وموعظة يكفي فهمها للإقلاع من جديد بدل الهبوط والإنحدار نحو قاع مليء بالغيبوبة الفكرية والغياب عن المشهد.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , ,