عيد زيتون فلسطين.. موسم القِطاف والحُبّ والنّضال

التصنيفات : |
نوفمبر 26, 2021 11:09 ص

*سنان حسن

تستحوذ شجرة الزيتون على حيّزٍ كبير من الوجدان والذاكرة الفلسطينية، فهي تتجاوز بكثير فكرة جني المحصول وتأمين دخل مُهم للعائلة كل عام، إلى كونها رمزاً للصمود والكفاح بمواجهة المُغتصِب “الإسرائيلي” الذي يريد من خلال قلع أشجار الزيتون ومنع المزارعين من قطافها، إلغاء ارتباط الفلسطينيين بأرضهم وتاريخهم وقراهم وبلداتهم.

لذا، مع بداية كل موسم لقطاف الزيتون يتجدد الصراع مع العدو من خلال تحدّي إجراءاته وممارساته العنصرية هو ومستوطنيه بحقّ الفلسطينيين الذين يريدون جني محصولهم السنوي، ما يُعطي إنطباعاً أنّ الصراع ما زال في لحظاته الأولى، وأنّ العقود السبعة لم تُغيّر في الفلسطينيين شيئا، فدفاعهم عن أرضهم يبقى حاضراً ما بقي الزيتون، والمقاومة والكفاح مستمران حتى التحرير واستعادة كامل التراب المُغتصَب.

تقاليد وعادات

مع الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر تبدأ في الحقول الفلسطينية عملية قطاف وجني محصول الزيتون. إذ تهبّ العائلات إلى بساتينها بإندفاع يكاد يكون غير مسبوق، حيث تحرص العائلات الفلسطينية مع بدء موسم الخير والعطاء على تقاليد تبدأ بالزيّ التراثي واجتماع أفراد العائلة مهما كانت مشاغلهم، والنزول باكراً إلى الحقول للمباشرة بعملية القطاف.

وتاليا، تناوُل وجبات الطعام خلال العمل، وأبرزها الفطور الذي يتكوّن من الخبز الفلسطيني “الطابون” ومعه الزيت البلدي والزعتر دون أن ننسى الزيتون وإبريق الشاي الساخن على الحطب وأكلة “المسخّن” الشعبية في ختام عمليات القطاف.

ويُردّد الأطفال خلف جدّاتهم وأمهاتهم “ردّيات” شعبية أثناء القطاف، منها:

أمي راحت تتسوّق… وأختي بتخبز في الطابون

وستي عملتلي عجة… قليتها بزيت الزيتون

قالت لي طعمي اصحابك… لا تنس تدفي حالك

قُلت لها شكراً كتير… عَالعجة وزيت الزيتون

إضافة إلى ذلك، فإنّ العائلات تعمل خلال فترة القطاف على تنظيم حملات دعم ومساندة للأُسر المُحتاجة، وإسمها باللهجة العامية الفلسطينية “فزعة”، سواء في عملية القطاف أو أثناء الدفاع عن حقولها في مواجهة إستفزازات المستوطنين “الإسرائيليين”.

على البارد

أما عملية عصر الزيتون، فرغم التطور التقني وتوفُّر آلات العصر واختصارها الكثير من الجهد والوقت، إلا أنّ جزءاً كبيراً من الفلسطينيين ما زال متمسكاً بعادات عصر الزيتون على الطريقة التقليدية وإستخراج الزيت اعتماداً على الحجارة والقفف والكبس وضغط الماء وأمور أخرى.

والغاية، كما يقول أغلبهم، أنّ الزيت المُستخرَج أنقى وأطيب رغم أنّ التكلفة باتت أعلى بكثير من الآلات الحديثة، لكن يؤكد من يذهب إلى العصر بالطريقة القديمة على أنّها مناسبة دائمة للأجيال حتى تتذكر ماضي البلاد وطقوسها الموسمية.

جنون “العرش”

سنويا، يتزامن موسم قطاف الزيتون في فلسطين المحتلة مع عيد “العرش” اليهودي، حيث تعمد قوات الاحتلال إلى فرض الإغلاق الشامل في الأراضي الفلسطينية لأكثر من أسبوع، وهذا يعني زيادة الحواجز العسكرية ومنع التنقل بين المدن والبلدات والحقول. وبالتالي، التأخر في عمليات القطاف مع تلف المحصول، دون أن ننسى أبداً أنّه خلال فترة ما يُسمى بعيد “العرش” اليهودي تقوم قطعان المستوطنين بالخروج كمجموعات وتعتدي على الفلسطينيين أثناء قيامهم بجني المحصول، إضافة إلى ذلك يُشكّل جدار الفصل العنصري الذي أنشأه الاحتلال مانعاً للفلسطينيين من الوصول إلى حقولهم وأشجارهم، حيث أدّى الجدار في الكثير من الأحيان إلى تقطيع حقول الزيتون إلى عدة أجزاء، مع عدم القدرة على الوصول إليها لوقوعها داخل الخط الأخضر، وهذا يحتاج إلى تصاريح من القوات الأمنية “الإسرائيلية”، حيث تؤكد صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ الزيتون هو مجرد ذريعة لخلق أجواء عنف، ففي موسم القطاف يتلقّى الفلسطينيون حقنة دعم.

اليوم العالمي لشجرة الزيتون

يقول مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: “إنّ المستوطنين اليهود قطعوا في السنوات الخمس الأخيرة نحو 50 ألف شجرة تعود لفلسطينيين، معظمها من أشجار الزيتون، حيث أتلف جيش الاحتلال الصهيوني والمستوطنون خلال العام الجاري (2021) نحو 5711 شجرة زيتون في الأراضي الفلسطينية.

كما وأصدرت قوات الاحتلال خلال الموسم الحالي نحو 100 أمر عسكري يُقيّد حرية حركة الفلسطينيين في حقولهم المزروعة بالزيتون، في ما وصلت إعتداءات المستوطنين، بحسب المصادر “الإسرائيلية” إلى 363 إعتداء عام 2019 و507 عام 2020، وبلغت 416 حتى النصف الأول من العام الحالي (2021)، وتنوّعت بين تخريب السيارات والممتلكات وحرق المنازل وقلع الأشجار والإعتداءات الجسدية، وتضاعفت جرائم الاحتلال هذا العام عن سابقه بنسبة 150%، وفق “هيئة مقاومة الجدار والإستيطان”.

وبسبب الإعتداءات “الإسرائيلية” المُتكررة على الفلسطينيين خلال موسم قطاف الزيتون، أعلن “المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو” عام 2019، يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام يوماً عالمياً لشجرة الزيتون.

أخيراً..

في كل عام يبعث الفلسطينيون رسالة للعالم أنّ موسم قطاف الزيتون دليل على إرتباطهم بأرضهم، وأنّه مهما تغيّرت الظروف، ومهما مارس العدو “الإسرائيلي” ومستوطنوه من تضييق ومنع وتجريف للأراضي واستيلاء عليها، فإنّهم باقون ومتمسكون بأرضهم وتاريخهم، ولن يفارقوها حتى تحريرها، فغصن الزيتون الذي كان رمزاً للسلام والأمل والحياة، هو رمز كفاحهم وصمودهم وإستعادة حقوقهم مهما طالت السنوات، فكلّ زيتونة ستنجب طفلاً ومُحال أن ينتهي الزيتون.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , ,