مكمن السر في حظر بريطانيا لـحركة حماس

التصنيفات : |
نوفمبر 27, 2021 8:44 ص

خاص – صمود:

وكأنّ المملكة المتحدة تعاقب حركة حماس على النقلة النوعية الشعبية والميدانية التي كانت من أهم نتائج معركة “سيف القدس”، التي لم تستطع “إسرائيل” بعد نصف عام، الخروج من تبعاتها وخاصة تلك المتعلقة بكشف الغطاء عن جيش الكيان المهترىء وما لحقه من إتهامات بين قادة العدو الصهيوني وأدّت إلى الإنقسام الأفقي في هيكل الكيان السياسي والعسكري على حد سواء، وتعزيز دور المقاومة في الأوساط الشعبية الفلسطينية.

لا شك أن حظر بريطانيا لحركة حماس يخفي أسراراً كثيرة، ومنها: أنّه ما دامت إدارة جو بايدن آثرت الإبتعاد عن الشأن الإسرائيلي، وأوحت للعالم أنّ هناك فتور في العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية في تكتيك واضح معاكس لنهج إدارة سلفه دونالد ترامب، الذي رمى كل البيض في سلة الكيان حين وقّع صفقة القرن، ونقل العاصمة الأمريكية إلى القدس، وألزم بعض الدول العربية على توقيع إتفاقيات “أبراهام”، كان لا بد من “الإتكاء” على بريطانيا صاحبة مشروع “الكيان الصهيوني”، وبطلة وعد بلفور في تبديل للأدوار بحيث تكون الولايات المتحدة هي من تُوقّع الصفقات، وتكون بريطانيا هي من تعاقب الفصائل الفلسطينية بغضّ النظر عن مسمياتها، وبالتالي حرف الأنظار عن السلوك المخادع لمن يُسمي نفسه راعٍ للسلام.

لقد ارتهنت المملكة المتحدة للرواية والمشروع الصهيوني، وقامت بحظر حركة حماس التي بات من المؤكد أنّها لن تترد هي وباقي فصائل المقاومة في مهاجمة الكيان الصهيوني إذا تكررت عوامل التفجير التي سبقت معركة “سيف القدس”. ولهذا الكلام شواهده، إذ بعد مُضيّ نحو نصف عام على معركة “سيف القدس”، واصلت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مشروع بناء قدراتها الصاروخية وتطويرها ومراكمتها كمّاً ونوعاً بعد أن أثبت هذا السلاح نفسه في معركة “سيف القدس”، حين نجح الجناح العسكري لحركة حماس “كتائب القسام”، وفصائل المقاومة الفلسطينية، في إطلاق أكثر من 4000 صاروخ خلال عشرة أيام، في معدل إطلاق غير مسبوق منذ احتلال فلسطين عام 1948.

إذن أسباب العقاب البريطاني بدأت ملامحه تتكشف، فمن جهة يعطي دفعاً معنوياً للكيان الصهيوني الذي -بعد نصف عام على وقف إطلاق النار- يعتبر الجبهة الأقل إستقرارا، وأنّ تقديره في أعقاب المعركة تحقيق الردع تجاه حركة حماس والمقاومة في قطاع غزة ثبت عدم صحته، ومن جهة ثانية يأتي كعقاب على تطوير حركة حماس قدراتها التسليحية والإستخبارية التي شكّلت العامل الأهم في معركة “سيف القدس”.

كما يأتي العقاب البريطاني بعد أن تأكد فشل “إسرائيل” في عزل الحركة عن القضايا الوطنية كالقدس والأسرى، وعزلها في قطاع غزة، وهو ما أكدته معلومات خاصة عن أنّ قيادة حماس أرسلت على الأقل رسالتين هدّدت فيهما العدو بإنسحابها من وقف إطلاق النار.

الأولى، خاصة بسلوك العدو تجاه الأسرى بعد حادثة نفق الحرية، والثانية لها علاقة بالقدس، عندما أعلنت محكمة تابعة للاحتلال السماح للمستوطنين بأداء طقوس تلمودية، والصلاة داخل باحات المسجد الأقصى، وهما حدثان تراجع الاحتلال عنهما خشية التصعيد والمواجهة مجدداً مع المقاومة الفلسطينية من جهة، وخشية تدحرج الأحداث إلى مواجهة متعدّدة الجبهات من جهة أخرى.

أما مكمن السر الأهم في حظر بريطانيا- الدور الوظيفي- لحركة حماس فإنّه يكمن في التشويش على شعبية المقاومة، فقد تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية شعبيا، وطالب أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني باستقالة رئيس السلطة محمود عباس، في ما تعزّز التأييد الشعبي لحركة حماس وباقي فصائل المقاومة، بحسب مراكز الإستطلاع الفلسطينية المستقلة. وتعود أسباب تراجع مكانة السلطة شعبياً ووطنيا، خلال الأشهر الأخيرة، إلى حالة الإلتفاف الشعبي حول المقاومة خلال معركة “سيف القدس”، والتي لم تؤدِّ إلى تغيير نهج السلطة السياسي، رغم مساره المغلق، بل استمرت السلطة في سياستها الأمنية تجاه المعارضة السياسية، والتي أدّت إلى حالة احتقان غير مسبوقة بعد استشهاد المعارض السياسي نزار بنات تحت التعذيب على يد أجهزة السلطة الفلسطينية.

كما زادت حالة الإحتقان الشعبي تجاه السلطة تدريجياً بعد قرار رئيس السلطة أبو مازن إلغاء الإنتخابات التشريعية قبل عدة أشهر، خشية فوز حركة حماس فيها، ونتيجة حالة الإستقطاب الحاد داخل البيئة التنظيمية لحركة فتح، والتي أدّت إلى تشكيل ثلاث لوائح إنتخابية، وحينها لم يقتنع الفلسطينيون بذرائع الرئيس أبو مازن بربط قراره بعدم سماح الاحتلال بإجراء الإنتخابات في شرق القدس.

بالإضافة إلى كل ما تقدم، تمرّ السلطة الفلسطينية بأزمة إقتصادية حادة، زادت من الإحتقان الشعبي ضدّها، بسبب الإتهامات بالفساد لمؤسّسات السلطة ورموزها. وقد حاول رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتيه إستغلال ملف إعمار قطاع غزة، بعد معركة “سيف القدس”، لتحسين إيرادات السلطة المالية، وجال على عدة دول، بهدف الحصول على أموال الإعمار، لكنّه لم ينجح في ذلك.

أمام هذه المعطيات، ظهر الموقف البريطاني- الأداة- على حقيقته، فقد جاء قرار حظر حركة حماس متناغماً مع خشية الإدارة الأمريكية و”إسرائيل” من انعكاسات تراجع شرعية السلطة على الإستقرار الأمني في الضفة المحتلة، خاصةً أنّ هذه الخشية تتعزز مع حالة انعدام اليقين تجاه مستقبل النظام السياسي الفلسطيني ما بعد الرئيس الحالي محمود عباس الذي يبلغ من العمر 84 عاما، وما تشهده حركة فتح من صراعات خفية على خلافته، الأمر الذي يفتح الساحة الفلسطينية على سيناريوهات مختلفة، لا تخلو من سيناريو الفوضى والفلتان الأمني، الذي سينعكس حتماً على “إسرائيل”، وقد يدفع إلى تسخين ساحة الضفة المحتلة تجاه الاحتلال.


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,