المستور في قضية النفط والغاز عند سواحل غزة

التصنيفات : |
ديسمبر 10, 2021 11:14 ص
المهندس علي شريدي

*وفيق هوّاري – صمود:

عندما أُعلن عن وجود النفط والغاز في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط، في تسعينيات القرن الماضي وبلدان المنطقة تشهد نشاطاً كثيفا، مثل مسوحات دراسية فنية لطبقات تحت قاع البحر، للوقوف على إحتمال وجود طبقة صخرية يمكن أن تُشكّل مكاناً صالحاً لإحتواء النفط والغاز. أو القيام بالإستكشاف من خلال حفر بئر، يُطلق عليه في عالم النفط والغاز Wild Cat.

وتخضع المياه العميقة والبعيدة عن الساحل إلى إتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الدول المتجاورة او المتقابلة، لتنظيم إستغلال الثروات والموارد الطبيعية.

تُقسم مياه البحار إلى أربعة أقسام:

1- المياه الإقليمية بطول ١٢ ميل بحري من الساحل.

2- المنطقة المتاخمة، وهي بطول ١٢ ميل بحري تلي المياه الإقليمية.

وهذان القسمان يخضعان لسيطرة الدولة من النواحي الأمنية والسياسية واللوجستية، وتستطيع الدولة إستغلال ثرواتهما، إن وُجدت، ولكنها تخضع لإتفاقات دولية إذا كانت متجاورة وليست متقاربة.

3- المنطقة الإقتصادية الخالصة وتمتد بعمق ٢٠٠ ميل بحري من الساحل.

4- منطقة أعالي البحار بعد ٢٠٠ ميل من السواحل، وهي مخصصة للملاحة البحرية وتخضع لإتفاقيات أعالي البحار.

الغاز موجود والعدو أيضاً

أما عن النفط والغاز في ساحل قطاع غزة والذي يُشكّل جزءاً من أراضي السلطة الفلسطينية،

يقول مهندس البترول الإستشاري علي شريدي المقيم في مدينة صيدا جنوب لبنان:

“منذ فترة، وكلما التقيت بمسؤول فلسطيني، أسأله عن الخطوات التي اتّخذتها السلطة الفلسطينية للحفاظ على ثروات الشعب الفلسطيني، لكنّي لم أتلقَّ أي جواب، وأعتقد أنّ السبب عدم معرفتهم بهذا الملف”.

ويضيف: “منذ فترة طويلة سمعت عن توقيع إتفاقية ترسيم حدود بين دولة فلسطين وجمهورية مصر العربية، ولكن لم تُنشر تفاصيل هذه الإتفاقية، وعلى ماذا استندت من وثائق. ولكن، يُلاحظ أنّ الخط البحري بين غزة ومصر يبقى أكثر منطقية وإستقامة من الخط الشمالي الفاصل ما بين غزة والكيان الصهيوني”.

وعن إحتمال وجود الغاز عند سواحل غزة، يوضح شريدي: “يتبيّن من الخرائط المنشورة وجود حقلين من الغاز: غزة مارين (١) وغزة مارين (٢)”.

إكتشفت شركة بريتش غاز BG هذين البئرين وتبين وجود كميات كبيرة من الغاز فيهما، لكنّ بحرية الاحتلال الإسرائيلي أوقفت أعمال التنقيب والحفر، بالقوة، ومنعت الشركة البريطانية من استكمال عملها.

ويقع حقلا الغاز ضمن مياه المنطقة المتاخمة للمياه الإقليمية الفلسطينية، وبالتالي لا يحتاجان لأي اتفاقية ترسيم حدود ما لم يُعاد النظر في ترسيم الحدود البحرية بشكل كامل. لكنّ العدو الإسرائيلي أوقف العمل وحرم السلطة الفلسطينية وخصوصاً غزة من الغاز، الذي يلعب دوراً حيوياً لتشغيل محطات الكهرباء في قطاع غزة، إذا سُمح بإستخراجه”.

وتفيد الدراسات التي أجريت على الحقلين، أنهما يحويان اكثر من ١،٥ تريليون قدم مكعب من الغاز (BCF)، وهي كمية تكفي حاجة القطاع لمدة عشرين عاما، وتقدر قيمة الغاز بنحو ٤ مليار دولار أميركي.

الحدود الوهمية

ويرى شريدي أنّ التدقيق في خريطة القطاعات النفطية والحدود البحرية، يوضح أنّ الكيان الصهيوني فرض خطاً وهمياً للحدود مع غزة، جعل المنطقة البحرية مقابل الساحل على شكل مثلث ضيق من دون الإستناد إلى أية قوانين دولية. بينما أبقى المنطقة المواجهة لسواحل فلسطين المحتلة مفتوحة إلى عمق أعالي البحار ليستأثر بكل الثروة الغازية المحتلة.

هذا التحديد من طرف واحد، وحسب ما يقول شريدي، حرم السلطة الفلسطينية من قطاعات الغاز المحتلة، وهو مُعد لخطة إستكشاف مستقبلية حيث من المتوقع وجود غاز في هذه القطاعات تفوق مرات عديدة ما هو موجود في الحقلين المُشار اليهما.

ويتساءل شريدي:” إذا كان الساحل الفلسطيني عند بحر غزة يصل إلى ٤٣ كلم تقريبا، فكيف يصير صفراً عند رأس المثلث في مياه المنطقة الإقتصادية ذات المنفعة المشتركة. لذلك، من الضروري أن تبادر السلطة الفلسطينية إلى تعيين مكتب خبرة دولية أو خبير دولي معتمد في الترسيم البحري، والحصول على وثائق منذ الاحتلال البريطاني، كي يضع ترسيماً صحيحاً للمواقع، وإلزام العدو الإسرائيلي بتعديل ما هو قائم، وذلك حسب القوانين الدولية. وهذا ما يُكسب السلطة الفلسطينية آلاف الكيلومترات والعديد من القطاعات النفطية”.

ويشير شريدي إلى ضرورة نشر تفاصيل ترسيم الحدود البحرية مع مصر، وتخصيص وزارة في السلطة تُعنى بالنفط والغاز.

ويعود إلى التاريخ بقوله:” في حزيران/يونيو ٢٠٠٨، أي قبل العدوان الإسرائيلي على غزة في كانون الثاني/يناير من العام ٢٠٠9، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت للتخطيط والإستيلاء على حقلي غزة للغاز من خلال عدوان ٢٠٠٩، من أجل ربطها والقطاعات الأخرى في حقلي غاز “ليفياثان” الذي لم يكن قد أُعلن رسمياً عن إكتشافه إلا بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي وفشله في السيطرة على سواحل غزة. وكان هناك أيضاً حقل تمار في نفس المنطقة البحرية. وكانت الخطة ربط كل هذه الحقول بشبكة خطوط أنابيب، ومُنعت من تجميع الغاز ومنشآت الفصل والمعالجة، ومن ثم نقلها في خط أنابيب واحد تحت البحر إلى ميناء عسقلان وميناء إيلات، وإعادة ربط الخطين بخط أنابيب واحد ممتد إلى ميناء حيفا للتصدير إلى أوروبا”.

“تمار” و”ليفياثان”

بعد فترة من عدوان عام ٢٠٠٩، أُعلن عن إكتشاف حقل “تمار” الذي يحوي وحقل “ليفياثان” مخزوناً ضخماً من الغاز الطبيعي تفوق قيمته ١٢ مليار دولار أمريكي.

ويكشف شريدي عن مفاوضات سرية جرت بين الكيان الصهيوني وشركة الغاز البريطانية(BG)  في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٨، من أجل التوصل إلى اتفاق لشراء الغاز الفلسطيني من حقلي مارين (١) ومارين (٢) وما يمكن إستكشافه لاحقا، وإستبعاد السلطة الفلسطينية من الإتفاق وعدم السماح للشعب الفلسطيني بالإستفادة من ثروته الغازية. وذلك بضم الحقلين والقطاعات الأخرى إلى حوض “ليفياثان”. وهذا ما سعى إليه ترامب من خلال صفقة القرن التي تمنح الكيان الصهيوني السيطرة المطلقة على حقول النفط والغاز الفلسطينية.

عام ٢٠٠٩، نشر الباحث الكندي مايكل تشوسودوفسكي مقالاً أظهر فيه أنّ ٦٠% من إحتياط الغاز في المنطقة ذات المنفعة الإقتصادية الخالصة بعمق ٢٠٠ ميل من الساحل الفلسطيني، هي ملك للشعب الفلسطيني وهي أكبر من الإحتياطي المستكشف أمام سواحل فلسطين المحتلة.

وتشير مصادر شريدي إلى أنّ السلطة الفلسطينية إنتبهت باكراً إلى خطورة ما ترمي إليه دولة الاحتلال للسيطرة على الثروات الطبيعية الفلسطينية، على الرغم من غياب إختصاصيين في هذا الموضوع لديها، فاتّفقت مع شركة إتحاد المقاولين العرب(CCC)  وشركة الغاز البريطانية، وبموجب هذا الإتفاق تستحوذ الشركة البريطانية التي تتولى الحفر والتنقيب على٦٠% من عائد الإنتاج، وشركة المقاولين العرب التي ستتولى إنشاء منصات الإنتاج والمعالجة وغيرها على ٣٠%، ويبقى للسلطة ١٠% فقط من عائد الإنتاج، وأعطت السلطة الفلسطينية الشركة البريطانية حقوق التنقيب.

الغذاء مقابل النفط

لكن، بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات وسيادة حركة حماس على قطاع غزة، سيطرت دولة الاحتلال على حقلي الغاز، واستحصل شارون على قرار من الكنيست يمنع سيطرة السلطة الفلسطينية على الحقلين بحجة أنّ مردود الغاز يعود إلى سلطة حماس في غزة.

للبحث عن حل ما، أوكل تحالف السلطة الفلسطينية والشركة البريطانية وشركة المقاولين العرب إلى الشركة البريطانية التفاوض مع مصر عام ٢٠٠٦ لنقل الغاز المُستخرج إلى الموانىء المصرية لمعالجته وتصديره أو بيعه للكيان الصهيوني عبر مصر.

وكاد أن يحصل توقيع إتفاق بين حكومة الاحتلال ومصر والشركة البريطانية بعد إستبعاد السلطة الفلسطينية، ويقضي الإتفاق بأنّ قيمة الصفقة تُقدّر بـ٤ مليار دولار، منها ٢ مليار دولار للشركة البريطانية وشركة المقاولين العرب، ومليار دولار للسلطة الفلسطينية، ومليار دولار لدولة الاحتلال على الرغم من أنّها الطرف المشتري. لكنّ الطرف الإسرائيلي عرض تسليم حصة السلطة الفلسطينية من عائدات الغاز.. مواد غذائية ومعدات للبُنى التحتية وليس نقدا، بحجة أنّ المال النقدي قد تستفيد منه حركة حماس، وبالطبع رفضت السلطة الفلسطينية هذا العرض.

ويقول شريدي: “إنّ إسرائيل لجأت إلى الخداع والمراوغة واستدعت الشركة البريطانية إلى تل أبيب للتفاوض على إنشاء خط بحري لنقل غاز الحقلين إلى ميناء عسقلان وشرائه مباشرة من الشركة البريطانية التي رفضت ذلك، وأغلقت مكاتبها في تل أبيب عام ٢٠٠٨”.

ويُعلّق شريدي على ما حصل بخصوص النفط والغاز الفلسطينيين: “للأسف إنّ ما تمّ نشره عن ملف الغاز وترسيم الحدود بشأنه، كان قليلاً جداً وتغيب عنه التفاصيل والشفافية. ولم ينل تغطية إعلامية كافية، لذلك فإنّ معظم الفلسطينيين جاهل بما يجري في هذا الملف. وإذا تُركت الأمور على ما هي عليه، فإنّ الكيان الصهيوني قد يلجأ إلى أساليب فنية متقدمة مثل الحفر المائل.. لسرقة الثروة النفطية والغازية الفلسطينية”.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,