من أدوات المقاومة: التراث والزِيّ الفلسطيني

التصنيفات : ||
ديسمبر 16, 2021 10:35 ص

*علي بدوان

التراث، ليس كلمة عابرة تُطلق عبثاً دون مدلولاتٍ قطعية، بل هو جزء من الهوية الوطنية الفلسطينية التي تُعبّر عن الإنتماء لفلسطين أرضا، ووطنا، وهوية. وهو الأساس والذاكرة، والضمير الحي، الذي يحمل التاريخ، لأجيالٍ فلسطينية وُلد نصفها خارج الوطن نتيجة نكبة العام 1948، وعملية الترانسفير الصهيونية التي وقعت بحقّ الشعب العربي الفلسطيني والنصف الأخر في فلسطين.

وتاريخيا، كانت الأزياء الفلسطينية جزءاً من التراث، ووسيلة للتعبير عن الهوية والإستقلال الفكري، فتميز المجتمع بلباسٍ تقليدي يُعبّر عن هويتها وتاريخها الفلسطيني، باستخدام مواد وأقمشة، وألوان مميزة، وزخرفات، أخاذة تَشُدُ الأبصار لناظريها.

ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا: “إنّ فلسطين بدأت قبل أكثر من 100 عام بصناعة واستخدام الملابس وفق التصميم القائم”. وتكون بذلك قد نالت السبق على مستوى الحضارات والشعوب حتى العربية. فالشعب العربي الفلسطيني تميّز بلباسٍ تقليدي شكَّلَ عاملاً مهماً في بناء هويته الإجتماعية ـــــــ الكوفية على سبيل المثال ــــــ التي تحوّلت من لباس تقليدي يوضع على الرأس، إلى رمز وطني، وأيقونة عالمية للمقاومة في العالم بأسره، كذلك الثوب الفلسطيني المُطرّز، مع تصاميم التطريز المُختلفة التي تُعبّر عن التنوع الثقافي واختلاف المناطق الجغرافية في فلسطين رغم المسافات القريبة من بعضها البعض، وتقاطع لمسات وتصاميم الزِيّ الفلسطيني والزركشات والألوان.

تاريخ الزِيّ الفلسطيني

كانت الملابس في فلسطين، قديمة قِدم التاريخ بأشكالها المختلفة المعروفة، والتي تقي الإنسان ظروف الحياة. لكنّها تحوّلت إلى “أزياء وفنون في التصميم والإنتاج”، ولاحقاً إلى صناعة في معامل ومشاغل بعد تطور زراعة القطن، وتطور المعارف والمهارات الإنسانية، ومنها التصميم والفنون، وخاصة مع بدايات القرن التاسع عشر، وصولاً إلى الفترة التي سبقت النكبة قبل وقوعها بوقتٍ قصير. فكانت مشاغل الأزياء تُشكّل نحو 22% من الصناعات التحويلية في فلسطين. عدا عن إتقان تلك المهنة (تصميم وحياكة وإنتاج الأزياء) من قبل النساء في المنازل… إلخ. نتحدث هنا عن إبداع وفنون في إنتاج “الأزياء” التي تحوّلت إلى تراث في عموم فلسطين. وهنا، كان لصناعة النسيج والملابس دوراً هاماً بالنسبة للإقتصاد الفلسطيني في تلك الفترات الزمنية من بدايات القرن 19 إلى عام النكبة.

يقع التراث الفلسطيني بجوانب مُتعددة، وتحت عناوين مُختلفة، ليس آخرها، بل أولها الزِيّ الفلسطيني الذي يُكسب ويُعطي التاريخ الفلسطيني عمقاً عند الشعب العربي الفلسطيني وكفاحه الأسطوري منذ وعد بلفور عام 1917، ورونقاً في فنونٍ إبداعية قبل أن تكون أزياءاً لارتدائها، فكان لمجال صناعة وتصميم الأزياء (بموديلها الفلسطيني) حصة كبيرة من المشهد الفني والثقافي الفلسطيني قبل النكبة بسنواتٍ طويلة، وبعدها، فظهرت أسماء في تصميم الأزياء الفلسطينية، وبشكلٍ مستوحى من التصميم الأصلي لها.

من فلسطين إلى العالم

وكان من بين مصممي تلك الأزياء بعد النكبة: (ساهر عوكل) و(ميادة سابا) و(شمس شلوفة)… حيث لاقت تلك الموديلات (الأصيلة القديمة، الأصيلة الجديدة) نجاحاً باهراً في عالم الموضة العربي والعالمي، وتصدّرت الصفحات الأولى في مجلات الأزياء والموضة. وكان لمصممي أزياء فلسطينيين حصة في مسابقات عالمية كمشاركين وكحكام، ومنها يوم الأزياء في مدينة الناصرة في الجليل الفلسطيني الذي أُقيم لأول مرة في صيف 2019، وفيه جرى عرض عدد من الأعمال لمصممين من عدة مجالات، والتي أشارت لوعي مجتمعي لأهمية بناء وصناعة وتصميم الأزياء الفلسطينية وفق محتواها الأصلي.

إنّ أجمل ما في الزِيّ الفلسطيني، تلك النقوش والخطوط الملونة، التي أبدعتها يد بارعة وماهرة، وذات رؤية ولمسات، فجعلت من تلك الأزياء متقاربة من منطقة لمنطقة في فلسطين، لكنّها كانت تعطي لكل زِيّ لمسة خاصة به، لا يدركها سوى من يمتلك رهافة في الإحساس الفني لذلك العمل الراقي، الذي أتقنته جداتنا ونساؤنا في فلسطين قبل وبعد النكبة، وسيبقى حيا، لأنّه نابع من عمق تاريخنا الوطني والثقافي الفلسطيني، والعربي عموما.

يتصدّر الزِيّ الفلسطيني، الشعبي، الأفراح والأعراس والمناسبات الوطنية حتى الآن بين عموم لاجئي فلسطين في سوريا. عندما ترتديه النسوة والفتيات في الأفراح، كي يعطي جو الإبتهاج والمناخ الفلسطيني، وتؤكد بذلك شرعيته الوطنية المستمدة من شرعية ووجود الوطن الفلسطيني، وشرعية هذا التراث الذي تحاول دولة الاحتلال سرقته، ونسبه لها.

اليونيسكو تُدرج التطريز الفلسطيني على لائحة التراث الثقافي غير المادي

إنّ الزِيّ الفلسطيني، ليس ترفا، أو موديلا، أو حالة موضة إستقطابية ذات تصميمٍ جديد، بل هو ثقافة وطنية، تهتم بها منظمة (اليونسكو) والهيئات الدولية المعنية بالحفاظ على أوابد وتاريخ وتراث البشرية جمعاء وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني صاحب وصانع التاريخ منذ الزمن العميق. وثبت بالملوس أنّ هذا المنتوج الثقافي، هو وطني بامتياز.

يُعتبر الزِيّ الفلسطيني، جزءاً هاما، من الثقافة الوطنية بجوانبها المختلفة، وهي ثقافة المواجهة مع الاحتلال، باعتبارها أداة من أدوات الكفاح الوطني التحرري، الذي يحمل في طياته، إصرار وتصميم شعب فلسطين، على الإستمرار في مشواره وصولاً لحقوقه الوطنية الناجزة في العودة والإستقلال الوطني على تراب فلسطين.

إنّه زِيّ صفد وعكا وطبريا والناصرة… وأزياء قرى طيرة حيفا والطنطورة ومثلث الكرمل التي كانت وما زالت في عمقها تمتاز بحُلّة قشيبة قريبة في خطوطها للون الأبيض مع خيوط من زركشات ملوّنة، إضافة لــ”الشال” الذي يلف الخصر. كذلك الحال مع قرى صفد (وعددها نحو أربعين قرية)، وقرى عكا (سخنين والبصة والكابري والشيخ داوود والشيخ دنون والزيب… إلخ). ومجموعة قرى حيفا (من البحر حتى العمق عند قرى: سنديانة والكفرين وهوشة.. إلخ. بينما تتدرج الأزياء باقترابها من الألوان المختلفة، خاصة الكحلية والحمراء.. إلخ. لكنّها تبقى تلتقي مع كل أزياء فلسطين بخطوطها العامة، مع الإختلاف قليلاً عن أزياء النقب وبير السبع (ذات الطابع البدوي).. وقد أشار الكاتب والباحث في التراث الفلسطيني وإبن النقب، واليرموك، عيد عبد الكريم للفنون في منطقة النقب: الغناء والأزياء عند عشائر النقب والشمال في كتابه القيِّم: “فنون الطرب عند قبائل النقب”. 

أخيراً، وفي الجانب المتعلق بالشتات الفلسطيني، ولسنواتٍ مضت، كان عدد لا بأس به من نسوة مخيّم اليرموك، يرتدين الزِيّ الفلسطيني وفق مختلف المناطق الجغرافية في فلسطين، خاصة القرى والبلدات في الجليل والأغوار ومدن الشمال، وباقي الوطن الفلسطيني. هذا الزِيّ من أجمل الأزياء في العالم العربي، بل وتُقارب العديد من شركات الطيران في العالم تصميم الزِيّ المشابه له، كي تتزيّن به المضيفات (الجوية والأرضية) على متن شركات الطيران. بينما سرقته شركتي الطيران في دولة الاحتلال (يسراييل + العال)، ونسبته لما يُسمى بـــ(التراث اليهودي).

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,