إهتراء المباني في مخيّم برج البراجنة.. معاناة مُكثّفة مع حلول فصل الشتاء

التصنيفات : |
ديسمبر 17, 2021 10:53 ص

منى العمري – صمود:

تنتشر بين الحين والآخر، أخبار عن وقوع ضحايا في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين  في الضاحية الجنوبية، إثر تعرّضهم لحوادث أليمة بسبب إهتراء المباني وإنهيارها فوق رؤوس المارة في تلك الأزقة الملتصقة ببعضها البعض.

وتزداد هذه المعاناة، خصوصاً مع قدوم فصل الشتاء وما يعقبه من تضاعفٍ لمشكلات المباني هندسياً وعمرانيا، وازديادها سوءاً وضرراً على أصحابها في المخيّم.

فرغم كثرة ما يُعاني منه اللاجىء الفلسطيني في مخيّمه على الأصعدة كافّة، إلا أنّه لم يسلم من حرمانه بشعور “الأمن والإستقرار” داخل البقعة الجغرافية التي يعيش فيها. فإنّ من أهم ما يطلبه الإنسان لكي يستمر في حياته هو “البيت الآمن”، وهذا ما حُرم منه اللاجئون الفلسطينيون في مخيّم برج البراجنة، وتعود هذه المشكلة إلى أنّ البيوت الآيلة للسقوط تُعاني في أساسها من ضعضعة في البُنى التحتيّة سواء على مستوى شبكتي المياه والكهرباء، واللّتين تُعدّان الأسوأ بين جميع المخيّمات الفلسطينية في لبنان، بالإضافة لمُعاناة أهالي المخيّم من المياه شديدة الملوحة والتلوّث، مما قد تكون الضرر الرئيسي لإهتراء المباني وجعلها آيلة للسقوط في أيّ وقتٍ ومن دون سابق إنذار.

فأين يقع الخلل؟ ومن المسؤول عن تلك الحوادث؟ وما دور الجهات المعنيّة في مواجهة هذه المشكلة؟

يروي نسيم محمد السقا لـ”صمود”، وهو أحد سكان مخيّم برج البراجنة من حيّ الصفدي وضحيّة إهتراء مبنى، أنّه: “خلال عودتي من العمل إلى منزلي ليلا، مررت بطريق الحي الذي أسكن فيه، وإذ بقطعة حجر كبيرة  تسقط على رأسي من مبنى مهترئ، مما أدّى إلى إصابة في رأسي، وبعدها ذهبت إلى مستشفى حيفا لتلقي العلاج”.  

وبحسب ما صرّح به السقا: “إنّنا في المخيّم نتعرّض دائماً لهكذا حوادث، وجاري تعرّض للحادث نفسه، إذ سقط فوقه سقف غرفته، وأدّى إلى وفاته في تلك اللحظة، ووقع ضحية إهتراء منزله”.

وأكّد السقا لموقع “صمود”: “أبلغت “الأونروا” بأنّ منزلي بحاجة إلى ترميم، وأنّني أُعاني منه بسبب “النّش” في الأسقف، وتقدّمت بطلب الصيانة مراتٍ عدة، ولم يأتِ أحد للكشف عن منزلي”.

 وأضاف: ” نحن كلاجئين نُعاني من مشكلات عديدة ومحرومين من الأمن في بيوتنا ولا أحد يلبّي نداءنا”.

وفي السياق نفسه، تؤكّد – اللاجئة الفلسطينية – وفاء أسعد عكر لـ”صمود”، وهي من سكان المخيّم من حي الصاعقة: “إنّ سقف شرفة منزلي قد تآكل من الإهتراء، وتقدّمت بطلب لـ”الأونروا” مرات عديدة منذ ٢٠١٧ إلى اليوم، من أجل أن يُرسلوا لي فريقاً هندسياً للكشف على المنزل، ولكن لا أحد تجاوب معي، حتى وقع سقف الغرفة المهترئ على أولادي وهم نائمين، ولكن أشكر الله أنّ الأضرار إقتصرت على الماديات ولم يتأذَّ أحد منهم”.

وأضافت: “بعد هذه الحادثة ناشدت “الأونروا” مجدداً وأخبرتهم بالحادثة، ومن فترة قصيرة أرسلوا لي فريقاً هدنسياً لمساعدتي”.

وأكّدت عكر: “الأونروا لا تلبّي نداءنا إلا إذا حلّت بنا مصيبة، إما أن نخسر أرواحنا وإما أملاكنا، وكلّ هذا بسبب حرماننا من بيوتٍ آمنة”.

إفادات الجهات المختصّة والمعنيّة بإدارة الكوارث

تقول رانيا شحادة لـ”صمود”، وهي عضو في اللجان الشعبية ومنظّمة التحرير الفلسطينية ومسؤولة الإدارة المالية وملف الترميم في اللّجان: “إنّ السبب الأول لاهتراء المباني وجعلها آيلة للسقوط، هو ملوحة المياه داخل المخيم وهذا ما يتسبّب فعلياً باهتراء الأدوات الصحية داخل المنازل، أما السبب الثاني هو عملية الإعمار والبناء بحد ذاتها من قِبل الفرد”.

وأكّدت شحادة في حديثها لموقع “صمود”: “إنّ “الأونروا” تُساعد اللاجئين الفلسطينيين في ترميم منازلهم من خلال إعطائهم قيمة مالية عن طريق البنوك اللبنانية، ولكن لا تغطّي التكاليف ١٠٠٪؜، وهذا الأمر معروف لدى اللاجئين، وفي المقابل تختار “الأونروا” من تنطبق عليهم الشروط من أجل مساعدتهم، فهناك معايير إجتماعية وعوامل مادية وشروط هندسية تتّبعها في برامجها لتغطية المشكلة، وليس كل من يتقدّم بطلب الترميم يحصل على مساعدة مالية، فهناك أولوية وأحقّية بحسب الشروط المفروضة ومدى توافرها لدى العائلة المحتاجة”.

وأضافت: “إنّ طلبات التسجيل لترميم المنازل لدى “الأونروا”، قد تزايدت بشكلٍ ملحوظ ولافت في الآونة الاخيرة، وهذا ما أدّى إلى إقفال باب التسجيل”.

وكشفت شحادة أنّ من قدّموا مُسبقاً طلباتهم لـ”الأونروا”، قد تمّ إرسال لبعضهم، فريقاً هندسياً مختصّاً من أجل الكشف على الأضرار، وبحسب توافر الشروط المطلوبة يتمّ إعطائهم المبلغ المالي للترميم، معتبرة أنّ المشكلة الأساسية تتلخّص في أنّ “النظرية تختلف عن الواقع، وأنّ اللاجىء الفلسطيني عندما  يأخذ المبلغ من “الأونروا” ويُباشر في الترميم، يُلاحظ بأنّ أسعار المواد على أرض الواقع أغلى مما قد سعّرته “الأونروا” في جداولها، ويعود السبب رئيسي في ذلك إلى أنّ عدم السماح بإدخال مواد البناء إلى المخيم لعدم وجود تصريح رسمي من الدولة اللبنانية، وهي بالتالي غير شرعية، فيضطر اللاجىء حينها، أن يُدخلها بطريقة مخالفة للقانون عن طريق ما يسمّى بـ”الواسطة”، وهنا تصبح أغلى من سعرها الرسمي بأضعاف مضاعفة، وفي المقابل يكون اللاجىء قد دفع من نفقته الخاصة مبالغ إضافية لترميم بيته، وهذا ما يواجهه اللاجئ الفلسطيني من صعوبات في أقل حقّ من حقوقه الغير مشروعة في لبنان”.

وفي سياق الحديث لموقع “صمود”، لفتت شحادة إلى مشروع  مُقدَّم من البنك الألماني عبر “الأونروا” لتحسين المخيّمات الفلسطينية في لبنان، حيث قام هذا المشروع بالعمل لمدة سنتين متواصلتين داخل مخيّم برج البراجنة، ووصل إلى ١٠ مشاريع إهتمت بالدرجة الأولى بالمجتمع المدني الفلسطيني. ومن ضمن المشاريع التي عملت عليها هي غرف الكهرباء وغرف الترميم التي طُبّقت على أرض الواقع، والتي تضم ١٢٦ منزلاً داخل مخيّم برج البراجنة، حيث قام المشروع الألماني بترميمٍ كامل لـ٣٠ منزلا”.

وفي هذا الصدد، أفادت نهى ملك خلال مقابلة خاصة لـ”صمود”، وهي مشرفة إجتماعية في مخيم برج البراجنة، أنّ: “المخيّم يُعاني من مشكلات عديدة أهمّها، إنعدام الأمان والإستقرار لدى الأفراد، ويُقصد بالأمان هنا: توفير “البيت الآمن” للاجئين، فهم محرومون منه بسبب تعرّضهم الدائم لحوادث إنهيار منازلهم”.

وشدّدت على أنّ: “داخل المخيّم، لا توجد مرجعية واحدة متكاتفة من أجل حمايتهم من هذه الحوادث. كما أنّ الفصائل الفلسطينية لا تُساعد اللاجئين في ترميم منازلهم ولا ترفع صوتهم للجهات الرسمية، حيث يعمل كل منهم لمصلحته الشخصية وبفعل “الواسطة””.

وتُناشد ملك، الفصائل الفلسطينية والمعنيين الرسميين واللجان الشعبية، بالتضامن مع بعضهم البعض لإيجاد حلّ جذري لمشكلة البيوت الآيلة للسقوط والتي تشكّل خطراً كبيراً على حياة الناس داخل المخيم.  

ودعت ملك، الأفراد الذين يُعانون من إهتراء في بيوتهم بأن: “يرفعوا أصواتهم على مواقع التواصل الإجتماعي ويناشدوا المعنيين عبر صفحات الفيسبوك”، معتبرة أنّ “هذا هو الحلّ الأنسب للأشخاص الذين لا داعم ولا منقذ لهم غير المتطوعين والجمعيات الخيرية أو جهات خاصة”.  

من هذا المنطلق، تُضيئ أزمة إهتراء المباني في المخيّمات الفلسطينية، وتحديداً في مخيّم برج البراجنة، على واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث يرتبط هذا الواقع بحجم الكوارث المختلفة التي تنجم عن إهمال وفساد وإنعدام المسؤولية، بدءاً من الفرد وصولاً إلى الجهات التي تُعتبر مسؤولة عن هذه الفئة المهمشة والمُستضعفة، والتي لا تتمتع بأقلّ حقوقها المدنية في لبنان.  


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,