بينيت في أبو ظبي.. تسويغٌ للتطبيع العلني

التصنيفات : |
ديسمبر 18, 2021 4:54 م

*إيليا يوسف

حطّت يوم الأحد الفائت، طائرة نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على أرض مطار الشيخ زايد، لتكون هذه أول زيارة لأعلى مستوى منذ تطبيع العلاقات بين الجانبين العام الماضي، تجمع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. مع هذه الزيارة، تُطرح أسئلة كثيرة عن المكان والتوقيت، لكنّ الإجابة عليها ليس صعباً على كل مُتتبّع لمسارات التطبيع الآخذة في التفاعل على حساب ركون القادة الفلسطينيين وإستسلامهم للمصير الذي يُرسم لهم خارجيا.

عمليا، وقّع معهد “السلام لإتفاقيات أبراهام” مذكرة تفاهم مع مبادرة إسمها “شراكة” في أبو ظبي، الهدف منها تعزيز الصفقات التاريخية، وإقامة علاقات دبلوماسية بين “إسرائيل” ودول عربية. ولاحقا، فتحت “إتفاقيات أبراهام” بين إسرائيل والإمارات والبحرين الباب، لعهد جديد من التعاون والصداقة، التي تأسست على ضوئها مبادرة “الشراكة” من قبل قادة شباب من “إسرائيل” والخليج لتحويل رؤية السلام بين الشعوب إلى حقيقة واقعة. وحينها قال المدير التنفيذي لمعهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” روبرت ساتلوف: ” كان لي الشرف أن أرى بيت العائلة الإبراهيمية، الذي يتكون من ثلاث مبان رائعة متساوية الأبعاد والحجم، كنيسة، وكنيس، ومسجد. هذا هو التسامح الابراهيمي”.

إبادة الجنس العربي

في الواقع، تسعى بعض دول الخليج العربي إلى التقارب والتطبيع مع “إسرائيل”، إذ أصبح هناك أكثر من مُسوّغ وأكثر من فرصة لتطبيع رسمي مُعلن بين الطرفين، وهو الأمر الذي ينظر إليه بعض المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي وتلّ أبيب، كحاجة مُلحّة أكثر من أي وقت مضى. وقد بدت مظاهر هذا التقارب في غاية الوضوح والفجاجة، وباتت أكثر وقاحة من خلال الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني. وکان هذا کافياً لبدء تحضير الجمهور العربي نفسياً للقاءات وتطورات لاحقة على هذا الصعيد، وإسقاط صفة العدو عن “إسرائيل” وأکثر من ذلك معاداة من يعاديها والعمل على إسقاطه.

 إنّ الإرهاب الصهيوني بُني على الإيمان بالعنف وإرتكاب المجازر مستنداً إلى خلفيات دينية متطرفة، كما بُني على الإيمان بالنزعة العسكرية إيماناً مطلقا، وتربية الأجيال المتعاقبة من الصهاينة عليها، حتى صارت جزءاً من تكوينهم، ولعلّ أخطر من ذلك كله الإيمان بإبادة الجنس العربي معتبرين ذلك غاية بحدّ ذاتها. ولهذا سيبقى الكفاح الشعبي العارم، والموقف السياسي الممانع والداعم للمقاومة هو العلاج العملي لهذه السياسية المتأصلة في جذور الفكر الصهيوني.. لا التطبيع ولا المفاوضات العبثية التي لا جدوى منها سوى إعطاء مُسوغات لإرتكاب مجازر وعمليات قتل وإبادة جديدة.

دول الخليج تكسر المحظور عربياً

إنّ المُتابع لأخبار التطبيع، يلاحظ المحاولات الخليجية، وخاصة الإماراتية، المستمرة لكسر القاعدة التي آمن بها العرب، لعقود، في علاقتهم بالقضية الفلسطينية، التي تقوم على مبدأ إستحالة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية بشكل عادل، وهذا هو جوهر المبادرة العربية التي تبنّتها الجامعة العربية في عام 2002، وعلى الرغم أنّ الكيان الصهيوني رفض المبادرة، وقال شارون، رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أنّها: “لا تساوي الحبر الذي كُتبت به”، فإنّ العرب ظلّوا متمسكين بها، وأبلغوا العدو مراراً أنّ: “22 دولة عربية جاهزة للتطبيع الكامل معهم، بمجرد إنجاز حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية”.

لقد ظهر في الساحة السياسية العربية المُشوَّهة مجموعة من أصحاب الرأي الذين تلقّوا تعليمهم واستقوا ثقافتهم من مراكز التخطيط والدعاية الصهيونية في أمريكا والغرب ليبدأوا بتعديد مناقب وفوائد التطبيع مع هذا الكيان الغاصب، معتقدين أنّ “إسرائيل” ستفتح لهم أبواب جنة أمريكا. هذا الفهم الذي بُني على تقديرات لا علاقة لها بما تراكم لدى العرب من ثقافة التضامن والحفاظ على الموروث التاريخي والديني الذي يُعدّ من أهم المقومات التي ترتكز عليها أية أمة لنهضتها، وهذا بالتحديد ما تداركته “إسرائيل” وعملت بالسر والعلن لعقود طويلة على تفكيكه وإسقاطه وذلك من خلال التلاعب المدروس لبعض ضِعاف النفوس وإقناعهم أنّ مصالح دولهم ومستقبلها مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بعلاقتهم مع “إسرائيل” وأنّ المستقبل سيبقى مرهوناً بمدى تقدّم أو تراجع هذه العلاقة.

إنّ فتح باب التطبيع مع الدول العربية سيجلب الكثير من الفوائد الإقتصادية والأمنية والإستراتيجية لـ”إسرائيل”، فإذا كان هذا الخير كله سيُوجَّه لـ”إسرائيل” فماذا ستجني الدول العربية وما هو نصيبها من هذا الخير؟.

فلا تستبقِ منها نمسةً ما

لقد أثبتت التجارب التاريخية أنّ “إسرائيل” لا تعترف بالشركاء ولا تحترم مشاركتهم والأمثلة على تخلي “إسرائيل” عن شركائها وأصدقائها المزعومين عديدة ولا مجال لذكرها.

فالصهيونية التي أنجبت الكيان الإرهابي وأطلقت عليه إسم ” إسرائيل” زوراً وبهتاناً لإثبات الحُجّة التاريخية والقداسة، عوّلت على هذا الكيان اللقيط في تحقيق الأفكار الصهيونية المتعلّقة بالقتل والإبادة الجماعية، التي تجعل منه دولة قوية تستطيع إبادة الجنس العربي. فالأحبار ذوو الشأن وذوو العدد الكبير من المُشايعين لهم بين ضباط الجيش الإسرائيلي، ما فتئوا يُردّدون أنّ الفلسطينيين (أو بالأحرى العرب جميعا)، هم أنفسهم تلك الأقوام القديمة، الأمر الذي يجعل الوصايا من مثل: “وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا” (سفر التثنية ـ 16:20) تكتسي مغزىً أساسيا.

إنّ ما تفعله “إسرائيل” من قتل وإبادة جماعية وتهجير، يعكس بصورة واضحة للفكر الصهيوني وجوهره الإرهابي، حيث يسقط كل يوم ضحايا أبرياء من المدنيين، أطفالاً ونساءً وشيوخاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما تزال سلسلة الأعمال الإرهابية متواصلة بغرض بثّ الرعب في أوساط الفلسطينيين وترويع السكان الآمنين، لإجبارهم على إخلاء بيوتهم وترك أراضيهم وممتلكاتهم، وتشريدهم من وطنهم ومُدنهم وقُراهم، وليتأكد الجميع أنّ التطبيع ما هو إلا خطوة عبثية وحسابات خاطئة مع عدو يؤمن بإبادة الجنس العربي.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,