أجراس بيت لحم الحزينة

التصنيفات : |
ديسمبر 23, 2021 8:39 ص

 *إيليا يوسف

وكأنّ بيت لحم، مهد السيد المسيح (عليه السلام)، مكتوب عليها أن لا تحتفل بعيد رسولها يسوع هذا العام، فالساحة التي إعتاد مسيحيّو فلسطين أن يُحيوا فيها ذكرى الميلاد المجيد لن تشعر بالدفء الذي كان يجتمع عليه الأباء والأبناء في قداس لم يفارق المدينة منذ ولادة رسول السلام والمحبة عيسى ابن مريم.

منذ بداية الشهر الحالي اكتست بيت لحم حُلّتها السنوية من الزينة، ونصبت شجرة العيد وسط ساحة كنيسة المهد، إستعداداً لاحتفالات جماهيرية بعيد الميلاد، لكن يبدو أنّ هذه الإستعدادات ستذهب أدراج الرياح بعدما أعلنت سلطات الاحتلال منع دخول الأجانب بيت لحم بسبب السلالة الجديدة “أوميكرون”، وهو ما شكّل ضربة لموسم السياحة الذي يعتمد على أعياد الميلاد. إذن، يد الاحتلال الإسرائيلي وراء منع الإحتفال الجماهيري، بل الضغط على المدينة التي استعدّت لهذا العيد منذ أشهر بانتظار تنشيط الحركة الإقتصادية عبر الحجوزات التي ألغتها سلطات الاحتلال.

هذا الإجراء ليس بجديد على الاحتلال الذي تفنّن على مدار سنوات احتلاله للمدينة المقدسة بعرقلة قداديس الميلاد، وهو، أي الاحتلال، الذي قطع مسار السيد المسيح من أريحا إلى القدس مروراً ببلدة العيزرية عبر جدار الفصل والتوسع العنصريين، وفي كل مرة يفرض على المسيحيين الحصول على تصاريح خاصة للوصول إلى كنيسة القيامة. هذه جملة من الإنتهاكات الإسرائيلية بحقّ المسيحيين المقدسيين تُماثل ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من الاحتلال ومحاولات الإستيلاء على أراضيهم لصالح المخططات الإستيطانية.

فقد عمدت سلطات الاحتلال على وضع بيت لحم كأول مدينة في الضفة الغربية المحتلة تحت حظر التجول بحجة “أوميكرون”. ومنذ أن بدأ الحديث عن المتحوّر الجديد لجأت “إسرائيل” إلى إغلاق حدودها في وجه الزوار الأجانب وبذلك لم تعد السفريات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ممكنة. وحتى الأردن أغلق المعابر الحدودية، وربما ينسحب ذلك على الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة. إنّ الممارسات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين والحواجز التي تُعيق عملية تنمية السياحة في فلسطين، تؤثر بشكل خاص على مدينة بيت لحم، خاصةً أنّ الحُجّاج كانوا يقصدون المدينة منذ القرن الرابع ميلادي، الأمر الذي أكدته العديد من الوثائق، وفي ذلك الوقت، كان الحُجّاج يزورون قبر “راحيل” (زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف عليه السلام)، قبل أن يحتل جيش الكيان هذا المكان الديني.  

واليوم، باتت الحياة اليومية في فلسطين، وحياة الحُجّاج والسُيّاح القادمين إليها، مُقيّدة وتقع تحت تأثير الاحتلال الإسرائيلي بدرجة كبيرة، بعد أن باتت بيت لحم مُحاطة بجدار “إسرائيلي”، فضلاً عن أنّ عدداً كبيراً من المستوطنات يُحاصر المدينة، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على حياة الفلسطينيين في بيت لحم والمناطق المحيطة بها. وما دامت بيت لحم والقدس تشكلان وحدة روحية، فإنّه من هذا المنطلق، تعمل إسرائيل على فصل القدس عن بيت لحم عن طريق بناء العديد من المستوطنات، على الرغم من أنّ المسافة الفاصلة بين المدينتين لا تتجاوز خمس كيلومترات. كانت الإحتفالات التي تشهدها المدينة في السنوات الماضية صاخبة، وكانت تُسمع في ساحة الكنيسة أحاديث بكل لغات أهل الأرض، أما اليوم، لا يوجد أي سائح أجنبي، لكن رغم ذلك فإنّ جوهر الميلاد يحمل رسالة إنسانية، وهي رسالة فلسطين للعالم، بأن ميلاد الطفل عيسى ابن فلسطين يجب أن تبقى وتتحدّى كل شيء، كما تحدّت الاحتلال الإسرائيلي.

إنّ رسالة بيت لحم هي “رسالة محبة وسلام”، لزرع البسمة على وجوه الأطفال، تنفيذاً لرسالة  السيد المسيح. بكل الأحوال، لن تُلغى أعياد الميلاد في بيت لحم، لكنّها ستكون إحتفالات مختلفة، وعلى غرار كل عام سيتمّ نقل فعاليات القداس عبر التلفزة، وحتى في عيد الميلاد ستُنقل فعاليات القداس عبر الإنترنت وفقط عدد محدود من الأشخاص سيكون حاضراً في الكنيسة.

لكن، رغم هذه الأجواء المُحبطة ربما يكون في ذلك بعض الرمزية. فالمسيح رأى النور في وقت صعب داخل مغارة، وهذا ربما يساعد في اكتشاف المفهوم الحقيقي لعيد الميلاد بعيداً عن الأجواء الإحتفالية المعروفة عادة عن بيت لحم خلال فترة عيد الميلاد.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , ,