إتفاق الإطار بين الأونروا وواشنطن: قتل الشاهد الملك (الجزء الأول)

التصنيفات : |
ديسمبر 27, 2021 12:08 م

ينفرد موقع “صمود” بنشر ملف خاص عن “إتفاق الإطار” الذي جرى بين الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، نستعرض بالعمق حيثيات القرار على ثلاثة أجزاء، تتضمن: تحليلاً سياسيا، آراء محللين وباحثين ومقابلة مع مسؤول سياسي فلسطيني.

*أعدّها الكاتب سنان حسن

لا يتوقف الاحتلال لحظة واحدة عن البحث عن خطة لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها، سواء بالوسائل العسكرية كما فعل في حروبه المستمرة على الفلسطينيين والعرب، أو من خلال الإلتفاف على القرارات الأممية ومحاولة تفريغها من مضمونها، ودفعها لتصبح عبئاً على أهل القضية ومدعاة لشك وخطر كما حدث في قرار التقسيم رقم (181 لعام 1947) الصادر عن الأمم المتحدة، والذي شرّع وجود المغتصب على أرض فلسطين، وصولاً إلى “إتفاق الإطار” بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” والولايات المتحدة الأمريكية، لتمويلها. وهو، إن لم تكن حكومة الكيان في الواجهة إلا أنّ بنود الإتفاق تؤكد بما لا يدع الشك أنّ أيادي صهيونية هي من خطّت الإتفاق بكل تفاصيله، لأنّه في كل فصل من فصوله بند ينسف القضية الفلسطينية ويدفع بها إلى النسيان.

تاريخيا، كان تأسيس الأونروا (إشعاراً بخصوصية القضية) ولا يمكن لأي إجراءات دولية أن تُلبّي المطلوب في ما يتعلق بالنكبة التي تعرض لها الفلسطينيون من تهجير وإبعاد عن مدنهم وبلداتهم، ومن هنا سعت “إسرائيل” بكل ثقلها إلى تعطيل عمل الوكالة والتضييق عليها عبر منع التمويل عنها ولا سيما من بوابة الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد أكبر الممولين لها، حيث عمدت واشنطن منذ انطلاق عمل الوكالة إلى تقديم المشروع تلو الأخر لتوطين اللاجئين حول العالم، ابتداءً من خطة جورج ماك جي نائب وزير الخارجية الأمريكية 1949، مروراً بمشروع جونستون عام 1952، وغيرها من المشاريع في الكونغرس الأمريكي حتى إعلان وزارة الخارجية الأمريكية في الـ31/8/2018 قطع التمويل عن الوكالة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قبل أن تعود إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إلى تمويلها ولكن بشروط تمّ الكشف عنها باسم “إتفاق الإطار”.

إستهداف اللاجئين

في “إتفاق الإطار” وغيره من القرارات الدولية، التي حاولت النيل من القضية الفلسطينية، كان الهدف الرئيس في كل ذلك، هو قضية اللاجئين وإلغاء حقّ العودة نهائياً وإعادة تعريف “اللاجئ” وضمّه إلى قضية اللجوء العالمية، وبالتالي إسقاط الخصوصية عن القضية الفلسطينية وإلحاقها بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كأي لجوء آخر ينتج عن نزاع مسلح حول العالم.

ففي نصّ الإتفاق الذي تمّ الكشف عنه بين الأونروا وواشنطن، هناك بند صريح يُعرِّف اللاجئ الفلسطيني بأنّه “من غادر فلسطين في النكبة عام 1948″. وهذا ما طالبت به ما تُسمى بـ”صفقة القرن” التي تبّنتها واشنطن بقيادة ترامب في شباط/يناير2020 حينها، لإنهاء النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي كما تدّعي، وبمعنى أدق للكلمة إنّ ما وافقت عليه الأونروا يندرج في إطار “صفقة القرن” وكل محاولات التجميل والتسويق على أنّها سعي منها لإعادة المُموّل الأكبر للوكالة إلى التمويل، وأنّ الإتفاق كغيره من الإتفاقات التي حصلت في عامي 2005 و2018، سينتهي مفعوله في نهاية عام 2022، ما هو إلا محاولة لذرِّ الرماد في العيون وتثبيت أمر واقع تمهيداً لإنهاء قضية اللجوء الفلسطيني نهائيا. ولكن ماذا عن الجانب الفلسطيني، كيف تَصرّف لمواجهة هذه الإجراءات الـ”صهيو – أمريكية”؟.

عام 1995، حين كانت المفاوضات مستمرة بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية لإيجاد إطار لتطبيق “إتفاق أوسلو”، عرض المفاوض “الإسرائيلي” يوسي بيلين على محمود عباس رئيس السلطة الحالي، والذي كان رئيس وفد المفاوضات من الجانب الفلسطيني، وثيقة عُرفت في ما بعد بوثيقة “عباس – بيلين” لتطبيق “إتفاق أوسلو” وفي إحدى بنودها الرئيسية إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” واستبدالها بهيئة جديدة تستوعب اللاجئين وتساعد على توطينهم في دول لجوئهم. ما يعني أنّ جزءاً من الفلسطينيين، ممن إعتبر نفسه ممثلاً شرعياً لهم، ساهم بشكل مباشر في ما يحصل للوكالة الأممية اليوم، بعد إقراره صراحة على إلغائها واستبدالها بهيئة جديدة تتلاءم و”إتفاق أوسلو” الهزيل الذي أضاع الحقّ الفلسطيني، ورمى به في مهبّ مفاوضات عبثية لم تجلب حتى الآن سوى إشتراك فلسطينيين في ملاحقة أشقائهم وأبناء عمومهم لمجرد أنّهم قرروا مقاومة المحتل الإسرائيلي تحت مُسمى “التنسيق الأمني”.

موقف الفصائل

وعليه، رفضت التنظيمات وفصائل المقاومة الفلسطينية “إتفاق الإطار” بين الأونروا وواشنطن وعدّته جولة جديدة من جولات الصراع مع الكيان الغاصب، داعيةً مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة لرفضه كونه يُمثّل إنتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة ولقرار الجمعية العامة المُنشئ للوكالة، كما ويُحوّل الوكالة إلى أداة سياسية وأمنية في يد واشنطن، مؤكدة على أنّ كل إجراءات البلطجة التي تقوم بها الإدارات الأمريكية “المتصهينة” من بوابة الأونروا وغيرها من المحاولات، تهدف جميعها إلى  إسقاط حقّ العودة الذي نصّ عليه القرار الأممي 194.. لكن هل يكفي التنديد والدعوات؟

في كل المراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى الآن، كان  الكفاح المسلح وما زال هو المؤشِّر لتوجيه كفّة الصراع، فعندما كان الفلسطينيون مجتمعين تحت مِظلة واحدة استطاعوا دفع المحتل الإسرائيلي إلى الإقرار، على مضض، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين لإيجاد حلول تسترجع بعضاً من الحقّ الفلسطيني المُغتصب، وعندما انقسم أهل البيت الواحد وتقاتلوا، إستفرد المحتل بالقوى الموجودة على الساحة ودفعها إلى التباري لتقديم التنازلات إسترضاءً للعدو والقوى الدولية على حساب الثوابت الفلسطينية.

وعليه، فإنّ السبيل لمواجهة “إتفاق الإطار” وكامل المشروع الصهيوني، هو توحّد الفلسطينيين خلف برنامج عمل وطني واضح يُعيد جُذوة الكفاح المسلح إلى الصف الأول، وأخذ العبر من الجولات التي خاضتها المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال في غزة والتي كان أخرها معركة “سيف القدس”، فما أُخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,