التضامن الدولي مع الأسرى وفلسطين: بين مناهض شرس ومؤيّد لحلّ الدولتين

التصنيفات : |
يناير 1, 2022 2:59 م

*وسام عبد الله

تخترق أصوات الأسرى الفلسطينيين جدران السجن، تتجاوز حواجز الألم المُشيّدة حول أجسادهم. أراد الاحتلال محاصرة المقاومين داخل السجون ليمنع تواصلهم مع عائلاتهم في فلسطين، لكنّ إستمرارهم في نضالهم داخل المعتقل جعل التواصل مع الخارج يتجاوز حدود الوطن إلى المجتمعات الأجنبية، لتنشأ حركة تضامن دولية مع قضية الأسرى.

التضامن الدولي مع الأسرى

حرّك خبر فرار الأسرى الستة من سجن جلبوع في شهر أيلول المنصرم، موجة تضامن دولية، بما يحمله من طريقة الهروب والأسلوب المُتّبع، وكون السجن شديد الحراسة والتحصين ومن المفترض أن يكون ثمرة تجارب الاحتلال في مواجهة حالات هروب المقاومين، ورغم ذلك باءت محاولاتهم بمنع الهرب.. بالفشل.

في مدينة بوسطن الأمريكية وأمستردام الهولندية وميلانو الإيطالية وغيرها من مدن العالم، نُفّذت وقفاتٌ تضامنية مع الأسرى وحقوقهم، رافعين شعارات مُندّدة بإجراءات الاحتلال، وتأثّراً بعملية الهروب، رفعوا “ملاعق” في إشارة للأداة الرمزية في حفر النفق تحت السجن.

أعادت عملية “نفق الحرية” مشهد التضامن الدولي بقوة، خاصة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فكان تفاعل نشطاء دوليين مع المقاومة أكثر إنتشاراً من لحظة إعلان إتفاقيات التطبيع في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.   

المنظمات الدولية

إنّ تنظيم العمل التضامني مع فلسطين، ضمن آلية مؤسساتية، يؤمّن إستمرار العمل الجماعي، حتى لا يبقى محدوداً بالأفراد فقط. كما أنّ إنتشار المنظمات في مختلف الدول يُعطي إنطباعاً واضحاً عن أهمية “مأسسة” الجهود الدولية، ليس في إطار الأيديولوجيا فقط، إنّما بالعمل والتنسيق المشترك.

واختير تاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر ليكون “يوم التضامن العالمي” الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 1977 لإعادة الحقوق المشروعة وحقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني. ومن المؤسسات العاملة: إتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في أوروبا، الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، شبكة “صامدون” للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين وتجمّع فلسطين في جامعة “ويستمنستر” في لندن.

تُعتبر حملات المقاطعة ومناهضة التطبيع مع الاحتلال من أهم خطوات الدعم الدولي، من خلال حملاتٍ مُنظَّمة ضد الشركات المستثمِرة في المستوطنات الإسرائيلية.

ومن المنظمات الناشطة على مستوى الداخل والخارج:  “الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها”، التي، وإن كانت فلسطينية المنشأ، إلا أنّ المنضوين تحتها والعاملين فيها والداعمين لها هم أفراد من جنسيات مختلفة.

وفي ذات السياق، تُشكَّل الجامعات مساحة هامة للعمل السياسي الطلابي في مقاومة الصهيوني حتى خارج فلسطين، وكانت آخر فصولها طرد السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا تسيبي هوتوفلي من جامعة لندن للإقتصاد، وسط حراسة مُشددة وهتافات مُناصرة للشعب الفلسطيني.

متضامنون شهداء

يكتمل حراك التضامن الدولي بوصول النشطاء إلى فلسطين والوقوف بوجه الاحتلال مباشرة، مشاركين المواطن الفلسطيني تفاصيل حياته اليومية، بالتحدي والنضال، وحينها يعبُرُ من مفهوم التضامن إلى التكامل والتفاعل الملموس. كما أنّ مشاهدة مواطنٍ أوروبي لا يربطه إنتماء ولا لغة مع أهالي غزة، يُعتبر أمر مزعج للاحتلال وجنوده، فحين يشاهدون بمنظار سلاحهم فتاة ترتدي العلم الفلسطيني والكوفية، وهم من ظنّوا أنّه مع الوقت سينسى أبناء البلاد أرضهم، فيجدون “الغرباء” يقاومونهم بطريقتهم. هذا الحقد ترجمهُ الجنود الإسرائيليون قتلاً وإجراماً مرات عدة، فسنة 2003 قُتلت الناشطة الأمريكية راشيل كوري في غزة، وفي ذات العام قُتل الصحفي البريطاني جميس ميللر، وفي السنة التالي عام 2004 قُتل الناشط البريطاني توم هرندل في مدينة رفح.

الأساس الفكري للتضامن

إنّ التواصل مع النشطاء والمنظمات الدولية يُعطي بعداً إنسانياً أوسع لدعم القضية الفلسطينية، ولا يخلو الأمر من بعض الإختلافات الفكرية بين المتضامنين مع القضية. فالمتضامن قد ينطلق من أساس إنساني مجرّد، يؤيّد حلاً متساوياً بين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، بهدف تحقيق العدالة والمساواة. هذا الجزء من التضامن يميل إلى “حل الدولتين”، فهنا التباعد يبدأ من النظرة إلى كيان الاحتلال في أساسه.

والسؤال، هل نقبل أم نرفض متضامنا في هذه الحالة؟.

بعض النشطاء وأهالي جنود الجيش الأمريكي المقاتلين في العراق، حين عبّروا عن رفضهم للغزو الأمريكي، وما تلاه من سقوط أولادهم قتلى في حرب لا تخصّهم، كان المُنطلق الأساسي هو مصلحة المجتمع الأمريكي وليس العراقي، فنقطة الإلتقاء هي خروج الاحتلال من أرض الرافدين، وكل له مصلحته المجتمعية الخاصة.

لا يجوز وضع مشهد التضامن الدولي مع فلسطين في قالب واحد. تتعدّد المشارب الفكرية والسلوكيات المتوقعة، ليبقى المعيار الوحيد، هو الشعب الفلسطيني، داخل وخارج الأراضي المحتلة، فكلما إتّسعت دائرة المتضامنين والنشطاء والمنظمات في  المجتمعات، تَراكم التأييد والضغط مع الوقت، وهو مرتبط بجوهر القضية: شعب فلسطين. فكلما ضعُف هذا التضامن، خفتت حماسة المؤيدين وكلما إزداد قوة استطاع الإستقطاب أكثر.

في قراءة سريعة لعمل المنظمة الصهيونية على مدى عقود طويلة، ما قبل إعلان تأسيس الكيان، بنسج تحالفات مع الدول ورجال الأعمال وغير ذلك، نُدرك أهمية وضرورة إستثمار الوقت والعلاقات الدولية، فالقضية ليست مشروعاً تجاريا، بل هي جزء من أسلوب حياة وإستمرارية في العمل، يتطلب التنويع في خيارات المقاومة والداعمين لها.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,