لو كنتُ فلسطينياً

التصنيفات : |
يناير 2, 2022 10:08 ص

*سلوى ونّوس

يخطر ببالي دائماً كلما استذكرت تاريخ فلسطين، أو كتاب أو مقطوعة فنية أو حتى صحن زعتر فلسطيني مُعطّر بنكهة الذاكرة، لو كنتُ فلسطينيا، هل كانت رؤيتي مختلفة؟ هل كنتُ لأحنّ للقصيدة وللكلمة ولكل صورة تروي قصص بشر يشبهوننا لكنّهم ليسوا مثلنا، أو بالأحرى هل هم فعلاً ليسوا مثلنا وأنّ امتحان الحياة كان قاسياً معهم أكثر مما نعتقد.

لو كنتُ فلسطينيا، أكان اسمي عشتروت أو داجون، أم أنّي كنتُ خجلت وسخطت على أهلي أو قدّمت نفسي للآخرين منذ وصولي إلى أمريكا أو السويد أو السعودية، بأنّ اسمي “أوش” أو “دون” أو اسم آخر خفيف الوزن، لا ذاكرة فيه ولا دلالة تشي بعِرقي!

لو كنتُ فلسطينيا، هل كنتُ بَنيت أسواراً مثل تلك التي بناها الكنعانيون أم أنّ هؤلاء الرُّعاع الهمجيين سيبنون خلف أسواري أسوراً ثم يُفرّقون شعبي إلى مجموعات ويصبحون منغلقين حتى على أنفسهم!

لو كنتُ فلسطينيا، أكان بيتي كنعانياً يفيض بالإتقان وكان خطابي أيضاً كنعانياً فواحاً بالبلاغة وكان كل شيء أمدُّ يدي إليه يتحول إلى منحوتةٍ من الجمال والرهبة.

لو كنتُ فلسطينيا، هل كنتُ سأجرّبُ الزراعة مثل النطوفيين أم كنتُ من الغسولية وأتقنتُ تصنيع النحاس والفخار والجلود.. أو لربما كنتُ أمورياً هارباً في الصحراء أبحث عن ضوء القمر، أم سورياً من الجنوب الذي تلفح شمسه جباه الفرسان وزنود الجميلات، الجميلات الولّادات للفرسان.

لو كنتُ فلسطينيا، هل كنتُ قتلتُ “أحمس” ولم أسمح للفراعنة باحتلال وطني، وبنيتُ حول عرشي أسلاكاً شائكة، أم كنتُ احتللتُ الأراضي من العاصي إلى العريش!

هل كنتُ أبقيتُ العبرانيين على بداوتهم ولم أعلّمهم حرفاً أو حِرفةً وطاردتُهم في البادية حتى خرجوا من وطني بلا رجعة.

أكان ليَ حقّ الإختيار بين المقاومة والهجرة واللجوء أم أنّني كنتُ غرستُ نفسي إلى جانب شجرة زيتون وأبقيتُ رأسي مُتَّكئاً إلى السماء.

هل كنتُ رفضتُ كل المساومات والمفاوضات والتنازلات، وناضلتُ حتى الشهادة أو النصر، هل كنتُ سأناضل قبالة الأقصى أو على حواجز غزة أو أدخل إلى العدو في الحارات الضيقة والمنهارة أبنيتها وأصطادهم مثل الفئران واحداً بعد الآخر.

هل كنتُ عشتُ في الأراضي المُحرّرة أو المُحاصرة أو في الشتات، هل كنتُ أُعرّف عن نفسي أنّني من فلسطين أم كنتُ اختصرتُ وطناً بأكمله بمفردات مثل: ضفة، 48، قطاع، مخيّم!.

لو كنتُ فلسطينيا، هل كنتُ التحقتُ بأصحاب البدلات الفاخرة والنوادي الإنجليزية أم كنتُ وشّحتُ جبيني بالسواد وحملتُ على ظهري البندقية وحميتُ بيدي أشجار الزيتون وأبكيتُ العالم على وطنٍ عزيزٍ مُحتلٍّ مكلوم.

لو كنتُ فلسطينيا، هل كنتُ قبضت بيدي على قلبي، وعشتُ كما يعيش الفلسطيني اليوم في كل أماكنه.. أنتظرُ فجراً جديداً وفرجاً قد يأتي ولم يأتِ بعد.

*كاتبة سورية


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,