من الأستاذ إلى التلميذ.. منصور عبّاس يُكرّس “إنتظارية” الإخوان خدمة لـ”إسرائيل”

التصنيفات : |
يناير 4, 2022 9:46 ص

*سنان حسن

منذ قبوله الدخول في ائتلاف “لابيد – بينيت” لإزاحة بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة “الإسرائيلية”، يثير منصور عبّاس رئيس “الحركة الإسلامية” التي يتزعّمها (وإسمها الرسمي في الكنيست: “القائمة العربية المُوحّدة”) الجدل بتصريحاته ومواقفه الشاذة عن المنطق والخيار الوطني الذي نشأ عليه كل الفلسطينيين سواء في الداخل أم في الشتات، وكأنّه يريد تكريس واقع جديد والقول إنّ النهج الذي يسير عليه قادر على إعادة حقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم إلى جانب الدولة “الإسرائيلية” المزعومة، فما دوافع هذا الخيار “العبّاسي”، وما علاقة بُعده الإسلامي بما يحصل، والأهم ما سرّ التوقيت في تصريحاته ومواقفه؟.

لم يخرج منصور عبّاس في مواقفه وأفكاره التي يطرحها عن أفكار معلمه ومؤسس الحركة الإسلامية في الداخل عبد الله نمر درويش الذي رفض مقاومة المحتل الإسرائيلي علنا، واعتبرها “غلطة”، مطالباً بضرورة إحترام القوانين “الإسرائيلية”، وكان من المؤيدين للمشاركة في الإنتخابات “الإسرائيلية” ومجالسها البلدية والبرلمانية، وإتفاق أوسلو، وداعماً للسلطة الفلسطينية، ما يعني أنّ ما طرحه التلميذ منصور عبّاس لم يخرج عمّا خطّه الأستاذ درويش بل هو استكمال له، وسعي مستمر لكيّ الوعي الفلسطيني ودفعه للتدجين والدخول في اللعبة الصهيونية القائمة على طمس الوجود الفلسطيني وصهره بالوجود الصهيوني المزعوم على أرض فلسطين، وقد كان هذا واضحاً من خلال إعترافه صراحة بـ”يهودية الدولة” ومحاولته تبرير كلامه بأنّ ما يقوله هو الحقيقة بأكملها وليست كما يصوّرها الآخرون، فالمطلوب حسب رأيه هو: “عدم تمويه الناس إحتراماً لوعيهم”، ولكن ما علاقة الإخوان المسلمين بكل ذلك؟ ولماذا لم يصدر هذا الأمر عن فصيل إسلامي غيره في فلسطين؟.

الإسلامي المُتصهين

تتبنّى حركة الإخوان المسلمين مبدأ “الإنتظارية” أي كسب الوقت في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود وهو كما تدّعي “إقامة حكم إسلامي”، وفي حالة منصور عبّاس هو لا يشذّ عن هذا الموقف بل يعمل على تطبيقه، حيث برّر دخوله الائتلاف الحكومي مع “بينيت – لابيد” بهدف تحقيق مصالح فلسطينيي الداخل “48” والحصول على مكتسباتهم في العيش داخل “إسرائيل” رغم أنّ قانون القومية يؤكد أنّ الفلسطينيين في درجات أقل من الإسرائيليين في الحقوق والواجبات. 

طبعا، موقف عبّاس لا يختلف كثيراً عن موقف حركة حماس المرتبطة فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تُنادي بسحق “إسرائيل” قبل أن تقبل بوجودها على حدود الـ67 وكأنّ فلسطين لم تعُد من النهر إلى البحر، ومن ثم المفاوضات معها على هدنة لمدة عشر سنوات وعدم الإعتداء عليها، هذا فضلاً عن بيانها بشأن المشاركة في الإنتخابات البرلمانية والمحلية التي تُنظّمها سلطة أوسلو “لدعم مصالح الشعب الفلسطيني”، بمعنى آخر لا يختلف أجنحة الإخوان المسلمين سواء الواقع منها تحت السيطرة الإسرائيلية أم التي تحكمها سلطة أوسلو في تبرير الوصول إلى أهدافهم وإن اختلفت الأدوات، دون أن ننسى أنّ ما يعمل عليه منصور عبّاس يتقاطع مع ما تقوم به سلطة أوسلو من خلال سعيها الدؤوب لتكريس أمر واقع أيضاً من خلال التمسك بإتفاق هزيل ورفض أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة ضد المحتل وقواته، والأخطر تحويل جزء مهم من الفلسطينيين إلى جواسيس على إخوتهم في الوطن تحت يافطة التنسيق الأمني الذي أعاد رئيس السلطة محمود عبّاس تأكيده منذ أيام أمام ما يُسمّى بوزير الحرب الصهيوني بني غانتس بأنّه لن “يتخلى عنه أبدا”.

أفكار بالية وشعارات خرقاء”

لقد شكّلت هذه التصريحات لمنصور عبّاس صدمة كبيرة للفلسطينيين، ولا سيما بعد معركة سيف القدس، ومردّ هذا الشعور أنّ معركة الـ11 يوماً التي أطلقتها فصائل المقاومة دفاعاً عن حي الشيخ جرّاح والأقصى، ساهمت بتوحيد العمل الفلسطيني الشعبي في الضفة والقطاع والقدس وفلسطينيي 48 لأول مرة منذ عقود، وبالتالي طرح عبّاس هذه الأفكار في هذا التوقيت ومحاولة تسويقها تحت ذرائع خدماتية وتحصيل حقوق وواجبات، هو محاولة لشقّ الصف الفلسطيني في الداخل الخاضع للسيطرة “الإسرائيلية” والقول إنّ الفلسطينيين لا يؤيدون الكفاح المسلح، وإنّ هناك رأياً يقبل بالواقع الراهن ويريد أن يتعايش بسلام مع الإسرائيليين، لذلك كان لافتاً أن تتحدث صحافة العدو عن هذا الخيار ودعمه، ولعل ما قاله محرر الشؤون الفلسطينية في أخبار كان، جال بيرغر، يؤكد ذلك “أنّه يأتي بصوت جديد وحيوي –منصور عبّاس-  من المهم سماعه وأكثر من ذلك من المهم أن يتغلغل عميقا”. 

والحال، فإنّ القضية الفلسطينية اليوم أمام تحديات جديدة تبدأ بخيارات القوى والفصائل الفلسطينية ولا تنتهي عند المشاريع الإسرائيلية التي لا توفر جهداً لتصفيتها ووأدها إلى الأبد، وهذا يتطلب وعياً أكثر وجهداً أكبر من القوى الوطنية لمواجهة هذه الأفكار والمشاريع وتبديدها، فما غرسته معركة سيف القدس في الشعور الوطني الفلسطيني يحتاج إلى مواجهة أكثر شراسة دفاعاً عن فلسطين.. كل فلسطين.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,