لقاء أبو مازن – غانتس الأكثر جدلاً

التصنيفات : |
يناير 7, 2022 10:39 ص

*إيليا يوسف

منذ إتفاقيات “أوسلو” لم تُرسّخ اللقاءات التي تعقد بين القيادة الفلسطينية وأطراف في الحكومة الصهيونية سوى أسس الصدام بين السلطة وفصائل المقاومة، وتقديم التنازلات بدلاً من التسوية من أجل الوصول إلى الدولة الفلسطينية.

مؤخرا، إحتل اللقاء بين أبو مازن ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أهمية خاصة بوصفه اللقاء الثاني بين الرئيس الفلسطيني ومسؤول حكومي إسرائيلي كبير في حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت. هذه الأهمية تأتي من حقيقة أنّ اللقاء جرى في منزل غانتس في ضواحي تل أبيب، ووسط تصعيد واضح في الخطاب الشعبي الفلسطيني الذي يؤكد على ضرورة التمسك بخيار المقاومة. لكنّ الأهمية الأكثر خطورة في هذا المقام، هو ما نتج عن اللقاء من حصر دور السلطة في التنسيق الأمني، واستبعاد أو تهميش النقاش في القضايا السياسية، أي تحويل دور السلطة إلى حارس للحفاظ على الأوضاع دون تغيير ودون تصعيد ودون أفق سياسي أو دولة فلسطينية.

لا حلول سياسية للقضية

من هنا، يُعتبر هذا اللقاء الأكثر إثارة للجدل، لأنّ حدود ما هو سياسي بقيت مقيدة، وبالتالي سيساهم بطريقة أو بأخرى في تعميق أسباب الصراع بين السلطة وفصائل المقاومة، وسيُحوّل السلطة الى أداة لتجميل صورة حكومة الاحتلال، وترويج فكرة وجود نوع من التواصل والتعاون أو وجود شريك تفاوضي إسرائيلي في وقت تؤكد حكومة الكيان، بصور مختلفة، على عدم وجود أفق سياسي.

هذا الأفق السياسي تمّ التعبير عنه صراحة حين رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن عقد لقاء مع الرئيس أبو مازن على هامش فعاليات الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي عُقدت في نيويورك في أيلول/سبتمبر الفائت، ما يعني دليلاً على “ثانوية القضية الفلسطينية” بالنسبة لأولويات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن، وفقاً للرؤية الإسرائيلية.

وبالفعل، تؤكد التصريحات الإسرائيلية والأمريكية على إستبعاد الحل السياسي للقضية الفلسطينية، على الأقل خلال السنوات القادمة من عمر حكومة العدو القائمة، حيث تقود مثل تلك التصريحات إلى ترسيخ فكرة التعامل مع السلطة الفلسطينية ضمن إطار محدّد يرتبط بإدارة الاحتلال، مع تمكين السلطة من الصمود، والتنسيق الأمني بهدف الحفاظ على الإستقرار دون تقديم حلول أو مبادرات حقيقية في اتجاه التسوية وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

بهذا، وبحكم التطورات القائمة على أرض الواقع، إلى جانب التوسع في الإستيطان، وفي هدم المنازل الفلسطينية في القدس الشرقية وغيرها، وطرح مشروع إستيطاني من شأنه فصل التواصل بين القدس الشرقية والضفة الغربية، تبدو المكاسب من اللقاء محدودة، وما تمّ تحقيقه فعلياً هو الحفاظ على الإستقرار من أجل ترسيخ التغييرات التي تتمّ على الأرض والتي تمثل تحدياً حقيقياً أمام فرص إقامة الدولة الفلسطينية المنتظرة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. وهذا التحدي يُعتبر واقعياً باعتبار أنّ بينيت أكثر تطرفاً بموقفه من نتنياهو، كونه محسوباً على اليمين الأيديولوجي والصهيونية الجديدة، ويرفض التنازل عن الثوابت الصهيونية، وليس مستعداً للتفاوض مع السلطة الفلسطينية على الإستيطان وحل الدولتين.

التنسيق الأمني يُكرّس الإنقسام

وعليه، لم يتجاز اللقاء حدود التنسيق الأمني الذي هو بمثابة الإبتزاز الأكبر للسلطة الفلسطينية، وبينيت -على الرغم من مواقفه المتطرفة تجاه القضية الفلسطينية- أيقن عدم منطقية معادلة نتنياهو، وعليه، سمح للجهات الأمنية والسياسية ممثلة بـغانتس بإجراء إتصالات مع قادة السلطة لإيجاد قواسم مشتركة تتخطى التنسيق الأمني، لكن دون أن تُحدث إختراقاً للجمود في المفاوضات السياسية. وبالتالي، فإنّ ما هو مؤكد أنّ المؤسسة الإسرائيلية تسعى من خلال هذا التقارب مع رام الله إلى ابتزاز السلطة الفلسطينية من خلال التنسيق الأمني الذي يُعتبر من أهم القضايا بالنسبة لـ”إسرائيل” كونه يضمن لها الهدوء في الضفة الغربية.

هذا  الإبتزاز للسلطة -عبر منظومة التنسيق الأمني- يأتي في سياق حكومة جديدة تتعامل بمعايير يمينية متطرفة مع الضفة وقطاع غزة وتشن سلسلة من الغارات، على عكس حكومة نتنياهو التي كانت تتغاضى أحياناً عن الرد على إطلاق قذائف صاروخية من القطاع بإتجاه مستوطنات “غلاف غزة”. وبمعزل عن المعايير اليمينية لبعض أعضاء الإئتلاف الحكومي، إنّ حكومة بينيت ومن خلال التواصل مع السلطة الفلسطينية تهدف إلى بقاء الإنقسام، بحيث يكون طرفا الإنقسام بموازين قوى متقاربة، بحيث لا يكون أي طرف أقوى من الطرف الآخر.

بإختصار، لم يتعلم أحد أنّ الخطأ يبدأ بالخطوة الأولى ثم يتدحرج وصولاً إلى ما وصل إليه مشروع القضية اليوم، ولم يتعلم أحد أنّه لا توجد مصالحة أو تسوية مقبولة مع الكيان الصهيوني الذي أثبتت مواقفه وممارساته أنّهم يرفضون وجود الشعب العربي الفلسطيني، ويرفضون قبول فكرة وجود دولتين في فلسطين العربية. وقد ظهر جلياً أنّ إتفاقات الإذعان التي جرت في “كامب ديفيد”، و”أوسلو”، و”وادي عربة” والتطبيع.. هي وهم من الأوهام، لأنّ الصراع هو صراع وجود ووطن وأرض وتاريخ وعقيدة وحضارة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,