فلسطينيو سوريا في عراء الأونروا

التصنيفات : |
يناير 18, 2022 11:19 ص

*بسّام جميل

لعلّ عنوان تقرير المصير، يُعيد تذكيرنا بالفشل الجسيم الذي دفعت به الأمم المتحدة منذ إقراره في أروقتها والذي يؤكد على حقّ اللاجئين الفلسطينين، بل وأي أنسان، ليصبح شريعة إنسانية تشمل الجميع، لكنّ التخلي عنه تمّ مباشرة ليتبعه العديد من القرارات التي بقيت حبراً على ورق، ولم تستطع قوة في العالم أن تُجبر الكيان على تنفيذ أي منها.

عشر سنوات من الإنتظار، تُضاف لعدة عقود تحت هذا العنوان: “حقّ تقرير المصير” وعنوان آخر يُعدّ جوهر القضية، العودة إلى الأرض التي أخرجوا منها.

الحقّ يُكتسب بالقوة والدهاء، لا يُمنح كهباتٍ ملكية، أقلّه بما يخصّ شعب فلسطين، ولأنّ الأمر كذلك، لا يجب أن تتوقف المطالبة بهذه الحقوق، والدفع بكل الثقل الممكن لمناصرتها والإعلان عنها، والتذكير بها، كأمر محسوم.

صوت مكموم

في بيروت، تعتصم عائلات فلسطينية منذ 10 أيام، أمام مقر وكالة الأونروا، رفضاً لقرارات الأخيرة إلغاء معونة بدل الإيجار لفلسطينيي سوريا المهجّرين إلى لبنان، ومطالبتها بتقديم واجباتها الإغاثية، يفترشون الأرض مع أطفالهم مُطالبين بحقوق آلاف العائلات (في ظل أوضاع معيشيّة وإقتصادية منهارة في لبنان)، لكنّ قلة الأعداد مقارنة بحجم القضية، يدفع البعض للتكاسل والبقاء في وهم الإنتظار، كأنّ أي نجاح وإن بدا صغيرا، لا يمكن له أن يُراكم خطوات الوصول.

لن تجد هذه الفئة من الفلسطينيين ما يُسمّى “تريند” ليواكب حراكها البسيط، ولن نسمع في نشرات الأخبار إلا الكلام المكرر والإتهامات التي تتظلل به (أهملت وسائل الإعلام المحلية والعربية نقل خبر الإضراب المفتوح أمام مبنى الأونروا في بيروت) ، إلا أنّ هذا الأمر لن يَضير بقدر ما يُعرّي كل من يتشدّق بإنتصارات المناصرة “الوهمية” والدعم الذي يهدف إلى المصادرة وإعادة الإخضاع، بحسب ميول كل جهة.

ربما، تكمن المشكلة في الأنفاس القصيرة التي لا يمكن لها أن تُثمر في ظل عِناد المنظومة الدولية الفاسدة ومن يناصرها. علينا إذا أن نأخذ بعين الإعتبار، الشروط الأمريكية الجديدة المفروضة على الوكالة الأممية المُتعثرة ماليا، لإعادة التمويل، حينها نستطيع فهم محاولات بعض الفصائل الفلسطينية لإستعادة المبادرة” المصادرة” وتبنّي صوت هذه الفئة من الفلسطينيين ضمن رؤيا أوسع، لفرض شروطهم أيضاً ومحاولة الحفاظ على مكاسبهم من خلال الموظفين داخل الوكالة والذين يميلون لهم، أو كانوا بالأصل من كوادر هذه الفصائل.

إنّ أهم هذه الشروط الأمريكية، هو إقصاء أي موظف يعمل لدى الأونروا ويكون ناشطاً في أي منظمة فلسطينية أو فصيل سياسي فلسطيني، ليبدأ هرم تسلُّط بعض النافذين والمنتفعين بالإنهيار، بدءاً من إقصاء الدرجات الدنيا منهم إلى الوصول لأصحاب المناصب العالية والمؤثّرة في منظومة الفساد داخل أروقة المنظمة.

الإنهيار من سوريا إلى لبنان

خلال عشر سنوات من تواجد اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من الحرب السورية إلى لبنان، تعاملت بعض الفصائل بقسوة حيناً وإنتهازية بالغة أحيانا، لتجعل من ملف هذه الفئة المستضعفة، كالكرة المطاطية، التي لن يسمحوا لها بالخروج عن قواعد اللعبة الخاصة بهم، إلى أن علت أصوات بعضهم وحاولوا تشكيل كيانات شعبية ليُمثّلوا أنفسهم دون الرجوع إلى أسيادهم، فالأصل في الأمر أنّ شعباً يعيش في الشتات لسبع عقود ونيّف، لم يستطع الوصول إلى حل يليق بمعنى وقيمة النضالات التي خاضها، فأصبح البعض المُتنفّذ يتمثّل بمن ينجح باستثمار هذا الدمار لمصالحه الضيقة، ولعل ما تُمثّله منظومة السلطة الفلسطينية الفاسدة في رام الله، خير دليل وقدوة للكثير منهم الخاضع لمنظمة التحرير، وفي قوى ما يسمى بالتحالف.

مئات من الأُسر، ستواجه العيش في العراء قريبا، بعد توقُّف المساعدة الخاصة ببدل السكن، المُقدّمة من الأونروا، ويُضاف إلى ذلك، إنهيار البلد المضيف، ليدفع بأنبائه أيضاً في رحلة البحث عن لقمة العيش والفرار إلى مجهول معلوم وسط أمواج السياسات الفاسدة والمنظومة المتوحشة، لتصبح مطالب اللاجئين دون سقف واستحالة البقاء في هاوية المساعدات “التخديرية” التي تحاول إبقاء الجسد مريضا، فلا هو ميت، ولا هو على قيد أمل.

عجزت منظمة التحرير عن الحلول الجذرية، فتنازلت عن معظم البلاد، وشطبت لاجئيها، هذه هي الحلول التي يمكن فرضها الآن، لا على الاحتلال فقط، بل على لصوص الأوطان الصغار، الذين يُمسكون ويقلبون مصائرنا كل يوم، لينالوا الرضى ووفرة المال والنفوذ.

إنّ عناوين الحراكات القادمة للفلسطينيين القادمين من سوريا، لا تدعو لتنازل بل لإستعادة كرامة الإنسان، وفرض هذا الحضور في الساحات واجب على كل من يريد أن يستعيد حقّه بتقرير مصيره. فهل نرى إستعداداً لدى ما يُسمّى بـ”مجتمع اللاجئين” في ساحات أخرى، لمناصرة حقيقية ومواكبة لبلوغ هذا الحقّ لمرة واحدة في تاريخ هذا الصراع؟!

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,