“مراكز الأبحاث الإسرائيلية”: الإدارة الرديفة في صنع القرار السياسي

التصنيفات : |
يناير 24, 2022 12:36 م

*منى العمري – صمود:

تطوّرت الدراسات البحثية الإسرائيلية مع تطوّر النهضة العلمية والتقدّم في جميع المجالات -سواء التقنية أم الإجتماعية أم السياسية- وغيرها، وتُعدّ عاملاً جوهرياً في تقدّم مجال الأبحاث الإسرائيلية، التي من شأنها أن تلعب دوراً فاعلاً في مسيرة الفكر الصهيوني وتوطيده وتمركزه كـ”قوّة احتلال ناشطة” في الشرق الأوسط عامةً وفي فلسطين المحتلّة خاصة. 

ويمكن القول، بأنّ الأبحاث الإسرائيلية إعتمدت بشكلٍ أساسي على إستقطاب الموارد البشرية الناجحة والمُنتجة في هذا المجال، ويرجع هذا الأمر لإهتمام العدو بالشأن العلمي، إضافة لعامل ضخّ السيولة وتدفق الأموال من الداخل والخارج، في خدمة هذا المجال.  

كل هذه العوامل وغيرها، عزّزت من دور مراكز ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية، إلى أن وصلت كيان الاحتلال اليوم إلى تطورٍ هائل في المجالين: العلمي والتقني، مما جعله مؤثراً وفعّالاً في عملية صنع القرار السياسي.  

نستعرض في هذا التقرير، دور مراكز الأبحاث الإسرائيلية في صنع القرار السياسي، مستندين على بعض الدراسات التي أعدتها مراكز أبحاث فلسطينية وعربية.

مدخل إلى مراكز الأبحاث الإسرائيلية وإنتماءاتها المتعددة

يجد الباحثون صعوبة في تصنيف مراكز الأبحاث في “إسرائيل” بناءً على إهتماماتها، وذلك بسبب تعدّد التخصصات التي تبحث فيها من جهة، وتداخل جهات التمويل والتبعية السياسية من جهة أخرى.

منها المراكز المموّلة حكوميا، ومنها المراكز المرتبطة بالجامعات، حيث تعدّ دولة الاحتلال إحدى الدول الرائدة في مراكز الأبحاث المرتبطة بالجامعات، إضافة إلى وجود مراكز تابعة للأحزاب ومراكز حكومية تابعة للوزارات ومركز المعلومات والبحث التابع للكنيست، ومراكز أخرى مستقلّة. (1)

وبحسب ما كشفت مؤخرا، دراسة للباحث وليد عبد الحي (صادرة عن مركز الزيتونة) فإنّ “إسرائيل” تحتلّ، من حيث عدد مراكز الدراسات فيها، المرتبة الثانية في الشرق الأوسط بعد إيران، بـ78 مركز دراسات مقابل 87 مركزاً في إيران و53 في تركيا. (2)

وفي هذا السياق، يؤكّد الباحث السياسي الفلسطيني عدنان أبو عامر، بالنسبة لتبعيّة مراكز الأبحاث الإسرائيلية وإنتماءاتها، أنّ “إسرائيل” ترى بوجوب إستقلالية هذه المراكز بهدف إجراء الأبحاث، وإنتاج معارف مستقلّة متصلة بالسياسة، لتسد فراغاً هو في غاية الأهمية، بين العالم الأكاديمي من جهة، وبين عالم الحكم من جهة ثانية، لأنّ دافع الأبحاث في الجامعات يكون في معظم الأحيان عبارة عن نقاشات حول النظريات المنهجية والغامضة التي تمت بصلة بعيدة للمعضلات السياسية الحقيقية. (3)

الأدوار السياسية لمراكز الأبحاث الإسرائيلية

نوّهت الباحثة المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية هبة جمال الدين في كتابها “دور مراكز الفكر في صنع السياسة العامة – دراسة حالة “إسرائيل””، بدور مراكز الفكر في التأثير على عملية صنع السياسات في “إسرائيل”، مشيدة بالدور الذي تلعبه هذه المراكز في صنع القرار والوعي في حكومة الاحتلال.

وأكّدت على أنّ الدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث الإسرائيلية في صنع القرار، يكمن في إنعكاس السياق السياسي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي المحيط على أجندتها البحثية، فالمشاكل على الصعيد المحلّي حاضرة في ما تقدّمه من إنتاج بحثي كوضع عرب 48 والتمييز الطائفي بين يهود الأشكناز ويهود السفارديم، والصراع الداخلي بين المتدينين والعلمانيين، ومشكلة الهوية وإحياء التراث اليهودي واللغة العبرية.

كما تؤدي هذه المراكز وظائف عدة للتأثير على عملية صنع السياسة، بداية من تحديد المشكلة، ورصد ملامحها عبر إعداد أبحاث ودراسات حول المشاكل التي يعانيها العدو الصهيوني داخلياً وخارجيا، والعمل على تحسين ودعم عملية صنع القرار السياسي عبر ما تقوم به حكومة الكيان من أنشطة لتحديد القضايا ذات الأولوية، وتوعية الرأي العام، وصنّاع السياسة، ووسائل الإعلام بالمشكلات الملحّة.

كما تسهم في تنفيذ السياسة الخارجية والداخلية للدولة كالمراكز الحزبية، ومركز البحوث والتخطيط السياسي في وزارة الخارجية.

كذلك فهي تخطّط للمستقبل، وتؤدي دور المروّج للأفكار والمبرّر للسياسات الحكومية كالمراكز الحزبية. (4)

ومن هنا يمكن القول بأنّ هذه المراكز، تُعدّ أحد روافد عملية صنع القرار، حيث أدرك الاحتلال منذ نشأة هذه المراكز، لأهميتها في تحقيق المكاسب السياسية والإقتصادية وغيرها بهدف “تأجيج صراعها مع العرب والفلسطينيين”.  

كما يشير الباحثون الإسرائيليون إلى أنّ فاعلية مراكز الدراسات تزداد في التأثير على القرار إعتماداً على عددٍ من المؤشرات مثل كمية النشر والندوات التي تؤثر على الثقافة المجتمعية من ناحية وعلى صناع القرار من ناحية أخرى.   

تحليل مضمون التوصيات الصادرة عن هذه المراكز ومدى تأثيرها على السلوك السياسي

إستناداً لدراسة سابقة حول دور مراكز الدراسات الإسرائيلية في عملية صنع القرار، تبيّن للباحث وليد عبد الحيّ في دراسته الأخيرة، أنّ المنهجية القائمة على تحليل مضمون أدبيات مراكز الدراسات خصوصاً توصياتها، ثم مقارنة ذلك بالسلوك السياسي للدولة من خلال قراراتها، هي الأكثر دلالة على وزن مراكز الدراسات، فإذا كانت نسبة التطابق عالية، وخلال فترات زمنية متعددة، وفي نطاق تفاعلات دولية مختلفة، فذلك مؤشر على تأثيرٍ واضح، شريطة أن تكون هذه الأدبيات للمراكز الأكثر أهمية أو صاحبة المراتب المتقدّمة في الترتيب الدولي أو الإقليمي أو المحلي.

وثمّة دراسات حول تأثير مراكز الدراسات، تبنّت هذه المنهجية لقياس العلاقة بين توجّهات الدراسات الصادرة عن مراكز الدراسات، وبين سياسات الحكومة، ومقارنة درجة التطابق بين المسألتين.

فمثلا، في مجال إدارة الصراع مع قوى إقليمية محددة، كان المعهد في دراساته يعدّها مكامن الخطر على الأمن الإسرائيلي، وهو ما يظهر في مجال الدراسات الخاصة بحركة حماس وحزب الله وإيران، وعند مقارنة الأفكار المركزية لهذه الدراسات ومطابقتها مع السياسات الإسرائيلية خلال حروبها مع لبنان سنة 2006، وحماس خلال الأعوام 2008 – 2009 و2014، ثم توجهاتها الإستراتيجية نحو إيران، يتبيّن أن هناك تطابقاً عالياً بين الجانبين. (1)  

الميزانية المخصصة لمراكز الأبحاث الإسرائيلية والجهات الداعمة لها

في سياقٍ منفصل، تعتمد حكومة الكيان في تمويل أبحاثها على عدة مصادر منها المصدر الحكومي، والذي يعتبر مصدراً أساسياً وسبباً مهماً في تطور البحث العلمي تاريخيا، حيث تصل نسبة الإنفاق على البحث العلمي في “إسرائيل” 4.3% من مجمل الناتج القومي البالغ 110 مليار دولار.  

من جهة أخرى، يُسهم القطاع الخاص حالياً بالنسبة الأكبر من التمويل، حيث بلغت نسبة مشاركته في الإنفاق على البحث العلمي 74% عام 2002 من مجمل الإنفاق.  

كما إزداد الإنفاق على البحث العلمي في “إسرائيل” بعد عام 2000 بشكل مطَّرد، بحيث أصبح التمويل الخاص هو الرافد الأساسي في البحث العلمي خاصة في الجوانب الأكاديمية والتقنية.

ويأتي أيضا، دور المشاريع الدولية التي يشترك فيها الباحثون الإسرائيليون مع نظرائهم من الدول الأوروبية والأمريكية وغيرها من الدول التي تدعم مشاريع بحثية كبيرة وتتعاون فيها مع دولة الاحتلال. (5)

وفي الختام، يمكن القول بأنّ مراكز الأبحاث بشكلٍ عام، لها دور فعّال في صنع القرار السياسي، وبحسب الدراسات السابقة نرى بأنّ دولة الاحتلال قد نجحت فعلياً في تأثيرها على مجمل الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية، وإستطاعت عبر التاريخ بأن تؤثر في التكوين الإستراتيجي والسياسي والديمغرافي لقيام دولة ذات نفوذ واسع في العالم، لا سيّما من خلال تلك المراكز المتقدّمة في التصنيف الدولي، حيث أعطت زخماً هائلاً في المجال العلمي والبحثي، الأمر الذي أوصلها إلى هذا التطور الذي نشهده اليوم.     

المصادر المتعلّقة:   

  1. https://araa.sa/index.php?option=com_content&view=article&id=4703&catid=4207&Itemid=172
  2. https://www.alzaytouna.net/wp-content/plugins/extrawatch-pro/components/com_extrawatch/extrawatch.php?origin=frontend&task=ajax&action=download&env=ExtraWatchWordpressEnv&file=arabic/data/attachments/AcademicArticles/PA_Walid-AbdalHay_Israel-ThinkTanks-DecisionMaking_1-22.pdf  

وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,