“إتفاقات أبراهام”.. الدين في خدمة التطبيع

التصنيفات : |
يناير 30, 2022 11:55 ص

*وسام عبد الله

تحت عباءة الدين، كُتب عنوان إتفاقيات السلام بين “إسرائيل” ودول عربية. وفي التفاصيل، تتماهى فكرة توحيد الأديان تحت مُسمى الدين الإبراهيمي الجديد، في إتفاقيات تجارية ومالية. وبعد أكثر من عام على التطبيع، إتضحت الرؤية واتسعت العبارة.

الهف الأول: الشباب

يعمل العديد من المنظمات والجمعيات على تعزيز مفهوم “حوار الأديان”، في محاولة لتقريب وجهات النظر وتجاوز الأحكام المُسبقة بين أفراد المجتمع المُنتمين لطوائف ومذاهب مختلفة.

إنّ مفهوم “الحوار”، في معناه المُجرّد، هو قبول كل طرف بعدم إمتلاكه الحقيقة كاملة، وقبوله بأن يمتلك الآخر جزءاً من الحقيقة التي تنقصه، إن كان هذا معنى الشقّ الأول من الجملة، أما حين نُضيف الشقّ الثاني: “الأديان”، يصبح التعريف مختلفا، كون موضوع قبول النقص له حساسية دينية لدى المؤمنين، وهنا الموضوع واسع ودقيق. فالهدف، ليس توحيد الأديان في دين واحد، إنّما المساهمة بتعزيز مفهوم المواطنة، ونشر القيم الإجتماعية، من التسامح وقبول المختلف ورفض التطرف وغيرها.

تحت هذا العنوان، البرّاق، يهيّئ الاحتلال الأرضية ومعه دول غربية، لتمرير رسائل التطبيع، بهدف التأثير من خلال الفكر وميادين الثقافة على الجيل الشاب، لبناء رأي عام يتبنّى مفهوم “حوار الأديان”، من وجهة نظر وهدف الكيان الصهيوني.

فنصل إلى مفهوم المواطنة، فلسطينياً وعربيا، ويصبح فيه المستوطن هو “الآخر”، الذي يُكمل “نقصي”، بحسب معنى مصطلح الحوار، وحتى يُعطي زخماً عاطفياً لهذا العمل، يُغلَّف بعباراتٍ دينية تحاكي مشاعر الناس، وخاصة حين تكون من المُسلّمات.

إنّ “إتفاقات أبراهام” خطوة ضمن سلسلة طويلة من العمل الدعائي المُوجَّه للشباب، فمن يُتابع الترويج المستمر لنتائج هذه الإتفاقات على المستوى الإقتصادي، كونها تُحقّق أرباحا، وعلى الصعيد التكنولوجي يتمّ تبادل الخبرات، وهذه إهتمامات يومية للشباب، ومتطلبات العمل والمهنة، لتكون المقارنة بالنسبة لهم، أنّ ما يُحصّلونه من مكاسب مالية تعود إلى مفاهيم الحوار والسلام وقيم التسامح بين العرب و”اليهود”، إذاً لمَ الحرب والصراع، طالما أنّنا متكاملون دينياً وإقتصاديا، بحسب رأيهم.

قدس الأقداس

منذ الإنتداب والتقسيم، يتمّ التعامل مع مدينة القدس على أنّها منطقة دولية، كونها تُمثّل ملتقىً لأتباع الأديان السماوية. فقانون التقسيم رقم 181، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1947، قسّم الأراضي الفلسطينية إلى دولة عربية 43%، ودولة يهودية 56%، ووضع القدس 1%، تحت الوصاية الدولية.

ماذا حدث بعدها؟

توسّع العدو وتمدّد على 78% من الأراضي الفلسطينية (بموجب إتفاقية أوسلو) حتى وصلنا إلى إعلان القدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، فكان “التسامح” الديني بوصايته الدولية، هو البداية، لنصل إلى “إتفاقات أبراهام” وبرعاية أمريكية، حدّ القتل والتشريد لشعب بأكمله. والنظام المتوحش يستمر في الإعتداء على الأرض والمقدسات.

تُعتبر “القدس الشريف”، مساحة إنسانية واسعة، من تراثها وحجرها وتقاليدها وحتى زيتونها، ومهد الديانات الإبراهيمية الثلاث.. وهو ما يُدركه الاحتلال، فيعمل على تجريدها من هويتها، عبر تغيير أسماء الشوارع وسرقة التراث وحتى المأكولات، وهدم البيوت والأحياء، وصولاً إلى تدنيس أماكن العبادة من مساجد وكنائس وأديرة.

إنّ تفريغ بيت المقدس من سمتها الأهم: ملتقى الأديان، لا يكون برغبة اليهود في هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، ولا بمحاصرة رجل دين مسيحي في كنيسة القيامة، بل إنّ ما يجري حاليا، بطريقة غير مباشرة، هو الإعتراف، من بوابة حوار الأديان، بحقّ الكيان الغاصب في الوجود، حينها لا يعود “هيكل سليمان” مجرد رغبة صهيونية، إنّما قد يُشكّل أحد مخرجات ورشات العمل بين شخصيات عربية و”إسرائيلية”، وتوصية لتعزيز السلام في الشرق الأوسط!.

عباءة الدين

لطالما إختلفت التيارات الفكرية العربية، على مفهوم الصراع العربي – الإسرئيلي، وعدم ربطه بالدين فقط، بل النظر إليه بشمولية أكثر، ليس إلا حياة شعب بأكمله. وما الرغبة الصهيونية بمجاورة  دول دينية، إلا بهدف تبرير وجودها. هذا التبرير لم تعد تريده اليوم في محيطها الجغرافي، إنّما تسعى لإنتزاعه من على منصات الأمم المتحدة، لتُثبت للعالم أنّ العرب تقبّلوا وجود هذا الكيان المعتدي تحت مُسمى دولة ذات طابع ديني، وأسماء الإتفاقيات شاهدة على ذلك، فلمَ الصراع إذا؟!.

إنّ ما قامت به ملكة جمال اليونان رافائيلا بلاستيرا، برفضها المشاركة في مسابقة ملكة جمال الكون التي أُقيمت منذ أشهر على أرض فلسطين المُغتصبة: “لا يمكنني الصعود إلى تلك المرحلة، والتصرف كأنّ لا شيء يحدث، بينما يُقاتل الناس من أجل حياتهم هناك”، في إشارة إلى الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنّما يُقدّم خير مثال على أنّ قضية الشعب الفلسطيني، مهما وُضعت تحت عباءة دينية وهمية، مُفصّلة على مقاس صهيوني، لا يمكن أن تُخفيَ معاناة ونضال شعب بأكمله، فالحقّ بالحياة لا تُخفيه عباءة الباطل. وهو ما يعارضه العديد من المرجعيات الدينية والحزبية والرسمية العربية، الرافضة لفكرة “الدين الإبراهيمي” التي يُروّج لها دُعاة التطبيع ورُعاة التضليل من ذوي القُربى و”العالمين”.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,