دعوات لإنصاف فلسطينيي الـ48 وتمييزهم عن “الإسرائيليين” في القوانين العربية وتثبيت إنجازاتهم

التصنيفات : |
يناير 31, 2022 9:50 ص

*خاص – صمود:

في الوقت الذي تستمر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية والعدوانية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني عامة، وعرب الـ48 على وجه الخصوص، وقرارات الهدم والقمع الهمجية غير القانونية في النقب وغيرها من المناطق الفلسطينية، وغلوّه في “تشريع” بؤر إستيطانية جديدة خارج الإتفاقات والعهود التي أبدع في الإنقلاب عليها على مدى تاريخه الهش والإجرامي، لا يزال عرب الداخل الإسرائيلي أو عرب الـ48 يعانون النظرة السلبية من قِبل العرب أنفسهم.

وتظهر تلك النظرة في قوانين الإقصاء التي وإن كانت لا تستهدفهم خصوصا، غير أنّها تطالهم بشدة كونهم يحملون أوراقاً ثبوتية إسرائيلية، تمنع غالبية البلدان العربية من التعامل معهم والإحتكاك بهم، أو إن شئنا تسميتها بـ”التطبيع” مع حامليها من دون تمييز.

الفتنة

برز في الآونة الأخيرة عدد من القضايا التي أعادت عرب الـ48 إلى الواجهة، بعد أن حاولت أدوات العدو القمعية والدعائية الإيحاء بإرتباط هذه الشريحة الشريفة بالكيان الإسرائيلي لتبييض صورتها العالمية العنصرية، وسياسة التخويف والإعتقال وكمّ الأفواه التي تمارَس على كل من يحاول عرض خلاف ذلك، من الوقائع في مناطق ما يُعرف بالداخل “الإسرائيلي”، وصولاً للإنفجار الذي أغرق أوراق العدو البالية في حي الشيخ جرّاح، وغيرها من الملاحم.

ويعمل العدو بشغف لإستمرار الفصل النفسي والإجتماعي بين عرب الداخل الفلسطيني وبقية المناطق الفلسطينية، وبقية الدول والشعوب العربية، حيث حاول مؤخراً إستغلال إعادة إعتقال أسرى سجن جلبوغ الستة، لبثّ الفُرقة والضغينة بين أبناء الشعب الفلسطيني أنفسهم، محاولاً تصوير أنّ أحد سكان مدينة نابلس المحتلة قد أبلغ الاحتلال عن وجود الأسرى في المنطقة، وهو ما نفاه الأسرى جملة وتفصيلا، ما يُبيّن حجم الألاعيب والدعاية السلبية التي يحاول العدو بثّها عن عرب الـ48، وحجم الظلم الذي يقع عليهم.

القوانين العربية

صدر في وقت سابق من العام الماضي قرار المحكمة العسكرية في بيروت بسجن لبناني مقيم في ألمانيا بجريمة زواجه من فلسطينية من عرب 48 لكونها تحمل جواز سفر إسرائيليا، وهو الأمر الذي تمارسه غالبية الدول العربية بحقّ فلسطينيي الداخل الذين يُقدر عددهم بنحو مليون و800 ألف فلسطيني، من الذين رفضوا ترك بيوتهم وقُراهم بعد النكبة عام 1948 وبقيوا صامدين هناك رغم أشكال التنكيل والإضهاد والتمييز الذي مارسه الاحتلال الإسرائيلي عليهم لإبعادهم وإجبارهم على ترك أراضيهم، والتي لا يزال يمارسها بحقّهم حتى اليوم، علماً أنّهم يُشكلون نحو 21% من عدد سكان الكيان الإسرائيلي، ينحدرون من 160 ألف فلسطيني بقي منهم في 1948 أقلية صغيرة من الدروز والمسيحيين، والأغلبية منهم مسلمون.

قرار المحكمة اللبنانية الذي وصفه سياسيون بالجدلي أتى مُحقّاً قانونيا، ولا ينطبق على القانون اللبناني وحده، بل يشمل غالبية الدول العربية، من حيث تجريم أي نوع من العلاقة مع حاملي الجنسية الإسرائيلية، الذين لا يُقصد بهم الفلسطينيون ربما في روح القانون، غير أنّه لا يستثنيهم نصّا.

واللافت في الأمر، هو تزامن قرار المحكمة اللبنانية، مصادفة، مع صدور قرار الكنيست الإسرائيلي الذي يُجيز للشرطة والأمن والجيش إقتحام بيوت الفلسطينيين في الضفة من دون الحصول على إذنٍ قضائي، ما يضيء قليلاً على واقع الفلسطينيين الذين يقعون في قلب كماشة الرفض والشُبهة من مختلف الجهات، ما دعا كثيرون للمطالبة بإعادة النظر في حال هذه الشريحة من الفلسطينيين التي أجبرها “الأمر الواقع” على حمل الجنسية الإسرائيلية للبقاء في أرضها، غير أنّ الوقائع تجزم بأنّهم خارج إطار التطبيع والإندماج الحقيقي، بالنظر إلى تاريخها، وما يحصل اليوم.

أمر واقع

وطالب ناشطون، بمراعاة الواقع الراهن، فما ينطبق في القرن الماضي لم يعد ينطبق اليوم، مع أهمية عدم إغفال الجانب الأمني الذي لا يخصّ شريحة أو بلد محدد، مبينين أهمية إنصاف أشخاص إضطروا لعيش حياة ليسوا راغبين فيها، وأجبرهم الأمر الواقع على تحصيل أوراق ثبوتية ليتمكنوا من تسيير شؤونهم الحياتية، من معاملات البيع والتسجيل والمدارس والجامعات والزواج وغيرها، مؤكدين أنّ عرب الـ48 قدّموا الشهداء دفاعاً عن أرضهم، كما يُحسب لهم إستمرار الوجود العربي في المناطق المحتلة، وعدم تركها، وتثبيت ذلك الوجود الذي يُنغّص على الكيان الإسرائيلي إدعاءاته.

مقاومة

لا يخدم عرب الـ48 في الجيش والمؤسسات العسكرية ما يشير جلياً لوجود أزمة ثقة في ما يتعلق بهذا المجتمع، خصوصاً أنّ الخدمة العسكرية في الكيان هي رمز الإنتماء إلى تلك الامة الوهمية.

ويخوض فلسطينيو الداخل منذ نكبة 48 معاركهم الخاصة، بعدما أصبح الاحتلال الإسرائيلي أمراً واقعاً جاثماً على صدورهم، يرد بشراسة على كل من يتحداه ما لم يثنِ الفلسطينيين هناك عن المقاومة، وتحمُّل ويلات الاحتلال المدجج بالسلاح والفارغ من القيم.

رفض هؤلاء التهجير واختاروا البقاء في أراضيهم والتعامل يومياً مع الكيان الجديد، وتشير المعطيات أيضا، إلى أنّ عدد سكان الكيان الإسرائيلي بعد إعلانه عام 1948، بلغ 806 آلاف، بينهم قرابة 150 ألف فلسطيني تمكنوا من البقاء بعد تهجير نحو 800 ألف فلسطيني آخرين، ما يظهر توجه الاحتلال لإفراغ المناطق من أهلها، وإنّ بقاء الفلسطينيين هناك رغماً عنهم بطولة بحد ذاتها.

ووفقاً للإحصاءات الإسرائيلية فقد هاجر 3.3 مليون شخص إلى الكيان، الذي استقبل 44% من عدد المهاجرين عام 1990 إثر إنهيار الإتحاد السوفييتي، بينما وصفت الإحصائية 78% من اليهود بـ”الصابرة”، أي الذين وُلدوا في “إسرائيل”، وذلك لتدعيم الزيادة العددية وواقع الدولة اليهودية غير الموجودة أساسا.

وبغض النظر عن الأرقام، فإنّ الأمر المؤكد هو ما يعيشه هؤلاء كل يوم، بين انتمائهم السياسي والثقافي والديني لجذورهم، والواقع الإسرائيلي الذي يتعاملون معه.

تهجير ممنهج

ومارست السلطات الإسرائيلية على مدى عقود مخططات ممنهجة، لتضييق الخناق واستهداف وجود فلسطينيي الداخل وهويتهم، ولعل أبرزها محاولات التهويد من خلال المناهج المدرسية، وتدريس اللغة العبرية لهم، الأمر الذي رفضه الفلسطينيون المرتبطون بجذورهم، وخاضوا ملحمة سياسية وثقافية رائعة لتثبيت اللغة العربية في المناهج.

ونجحت نضالات فلسطينيي الداخل في إجبار العدو على الإعتراف باللغة العربية لغة ثانية، تحت ضغط المجتمع الدولي والتضحيات الكبيرة، وتحمُّل الأساليب القمعية، ما يعني تثبيت الوجود العربي وعدم إغفاله، والسماح للعدو بشطب التاريخ وتزويره كعادته، حيث تُعتبر اللغة العربية لغة رسمية ثانية، وهي الآن “ذات مكانة خاصة” ولكنّها ليست لغة رسمية، إذ تنشر الوزارات الحكومية جميع المواد المُعدّة للجمهور باللغة العبرية، مع ترجمة مواد مختارة إلى اللغة العربية والإنجليزية والروسية ولغات أخرى.

ممارسات الاحتلال

وبحسب ما نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش، فإنّه بعد عقود من مصادرة الأراضي والسياسات التخطيطية التمييزية، يعيش اليوم العديد من المواطنين الفلسطينيين محبوسين في بلدات وقرى مكتظة لديها مجال ضئيل للتوسع. 

من ناحية أخرى، تدعم الحكومة الإسرائيلية بشكل دائم، نمو وتوسع البلدات المجاورة ذات الأغلبية اليهودية، والتي شُيِّدَ كثير منها على أنقاض قرى فلسطينية دُمّرت عام 1948. كما توجد في العديد من البلدات اليهودية الصغيرة “لجان قبول” تمنع الفلسطينيين من العيش فيها، وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش نفسها. 

كما حاول الكيان الإسرائيلي عرض مبالغ مالية طائلة لقاء تنازل الفلسطينيين عن مساكنهم وأراضيهم والهجرة إلى دولة أجنبية، وهو ما تمّ رفضه جملة وتفصيلا، ما يشير جلياً إلى أنّ تمسّكهم بالهوية الإسرائيلية هو تمسّك بالأرض والجذور ضمن إطار قانوني فرضه الاحتلال.

ورفض بعض الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية غير أنّهم حصلوأ على الإقامة، ما يجعلهم في النهاية يحملون أوراقاً ثبوتية إسرائيلية يظنّها بعض المتشبّثين خيارا.

التوزّع الجفرافي

يقيم العرب في “إسرائيل” في خمس مناطق رئيسية هي: الجليل، المثلث، الجولان، القدس وشمالي النقب، وحسب قانون المواطنة الإسرائيلي، حاز على المواطنةَ المزعومة كل من أقام داخل الخط الأخضر في 14 تموز/يوليو 1952، ما أغلق الباب أمام اللاجئين الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم حتى هذا التاريخ، ويُمنعون من الدخول إلى الدولة المفترضة، فضلاً عن منع لمّ الشمل لفلسطينيي الداخل.

ويعيش نحو 50% من السكان العرب في 114 مدينة وبلدة وقرية مختلفة، منها 89 بلدة يزيد عدد سكانها على ألفي نسمة.

وفي عام 2017، كانت مدينة الناصرة أكبر مدينة عربية، وبلغ عدد سكانها 76.551 نسمة، منهم نحو 40.000 مسلم والبقية من المسيحيين، علماً أنّها تضم أكبر تجمُّع للمسيحيين.

وتضم القدس أكبر عدد من الفلسطينيين الذين يتمّ إستبعادهم من الإحتواء العربي، حيث تبلغ نسبتهم 19%، ما يزالون متمسكين بمنازلهم وأراضيهم، ويخوضون ملاحم صمود قاسية كان آخرها الأحداث الدامية في حي الشيخ جرّاح، عند محاولة العدو تهجير سكانه في أيار/مايو من العام الماضي 2021.

ولا تدعو المطالبة بحقوق الفلسطينيي للتطبيع، بل خلافاً لذلك تماما، فإنّ إحتضان المجتمع العربي لهؤلاء يمنحهم قدرة ودفعا أكبر للمقاومة، وإندماجاً في شعوبهم العربية، فضلاً عن أهمية الإضاءة الدائمة على وجودهم وطرق حياتهم إعلاميا، لمنحهم حقّاً قد يكون بخسا، من قبل البعض.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,