إفتح عينيك ولا تشاهد! عن المقاطعة الثقافية للأفلام

التصنيفات : |
فبراير 4, 2022 3:34 م

*فاطمة شاهين

       يحدث لجيش أن يخوض حرباً دفاعاً عن بلاده ضدّ المحتل، كما يحدث أن يُعدَّ ما استطاع من ذخيرة وأسلحة ومقاتلين ليُشكّل جبهة ردع وتوازن رعب. ولكنّ التاريخ روى لنا، أنّ الحروب لا تُخاض بالسلاح فقط، فحين يكون المحتل محترفاً باستثمار الإقتصاد والفن والسياسة والأكاديميا، ليس فقط في سبيل تثبيت سيطرته واتساعها، بل أيضاً في سبيل تلميع صورته، وتقديم الاحتلال للعالم على أنّه فعل سلام، فلا بد حينها من تفعيل المقاطعة، كسلاح من نوع آخر.

منصّات رقمية وفعاليات أدبية ومؤتمرات وإحتفالات ثقافيّة ومهرجانات ومعارض عالمية، ومؤخراً عربية، بعد تطبيع بعض الدول العربية العلني والرسمي، لطالما شكّل كل ذلك مساحات للتسلّل الإسرائيلي، كما لداعمي الكيان المحتل، وشكّل حاجة رئيسية لفتح العين واسعاً على التطبيع من بوابته الثقافية، والإضاءة على لزوم مقاطعته. ولكن من بين كل ما تمّ ذكره، تأتي الأفلام لتكون أداة التلميع الأخطر، لما لها من جمهور واسع وغير محدود، ومنصّات سخّرت إمكانياتها لإيصالها، إلى كل دولة، بل إلى كل بيت. كيف إذا، حين يتمّ عرض هذه الأفلام في صالات السينما اللبنانية، فذلك خطر يحتاج وقفة وتساؤلات.

ها هو فيلم The secrets we keep (2020) للمخرج الإسرائيلي يوفال أدلر Yuval Adler، قد تسلّل إلى الصالات اللبنانية مع بداية هذا العام، حيث تمّ توزيعه وبدء عرضه (في صالات: Cinema city، Vox، Grand Cinema City، Cinemall) قبل أن يتمّ سحبه من صالات العرض، بعد الجهود التي قامت بها “حملة مقاطعة “إسرائيل” – لبنان” مع المعنيين. وتُعتبر هذه الحملة الأنشط والأكثر فاعليّة في لبنان على مستوى متابعة وملاحقة ممارسات التطبيع بأشكاله ومستوياته المختلفة، هذه الحملة التي فقدت مؤخراً أحد أهم الناشطين فيها وناشري الوعي حول سلاح المقاطعة، المؤلف والناشر الدكتور سماح إدريس، وجّهت في بيانها حول الفيلم في 17 كانون الثاني/يناير من هذا العام، دعوة إلى جهتين، تقع غالباً عليهما مسؤولية قطع الطريق على محاولات التطبيع من خلال عرض الأفلام.

في توجّهها إلى الجمهور، ذكر البيان أهمية مقاطعة الفيلم وذلك “لعدم المشاركة في التطبيع المادي والمعنوي مع كيان الاحتلال ومن ينتمي إليه”. أما الإنسجام مع قانون مقاطعة “إسرائيل” فكان الأساس في توجّه البيان إلى المعنيين بالرقابة وإتخاذ القرار، ليقوموا بما يلزم كسحب الفيلم من صالات العرض، فضلاً عن منع دخولها أساسا. ففي لبنان قانون لمقاطعة كيان العدو صدر في العام 1955 وجاء في المادة الأولى منه:

              “يُحظّر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة إتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في “إسرائيل” أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الإتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر  أياً كانت طبيعته“.

ولقد حدث فعلا، خلال أيام قليلة، أن تمّ سحب الفيلم عن المواقع الإلكترونية لصالات السينما في لبنان، وإيقاف خاصية حجزه “أونلاين”، وكما تذكر عضو حملة مقاطعة “إسرائيل” – لبنان عفيفة كركي في إتصال معها أنّها تواصلت مع إحدى الصالات التي أكّدت إيقاف عرضه نهائيا. 

إلا أنّ ذلك لم يحدث حتى الآن، مع الفيلم المغربي “علّي صوتك” “Haut et fort-Casablanca beats” (2021) للمخرج نبيل عيوش، وهو أيضاً كاتب ومنتج فرنسي من أصل مغربي، فهذا الفيلم لا زال عرضه مستمراً في الصالات اللبنانية رغم مشاركته السابقة في مهرجان حيفا السينمائي في الأراضي المحتلة، ورغم بيان حملة المقاطعة في لبنان حوله والداعي إلى مقاطعته.

على كل حال، فإن هذين الفيلمين أُضيفا إلى سلسلة الأفلام التي سبق أن تسلّلت إلى الصالات اللبنانية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، فيلم West side Story (2021) للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ، والذي سبق وصرّح علناً بحسب بيان الحملة حول الفيلم بأنّه “مستعد لأن يموت من أجل “إسرائيل”، كما وقدّم مليون دولار أمريكي للكيان الصهيوني خلال عدوان تموز 2006”. 

وكذلك الأمر بالنسبة لفيلم Venom: Let There Be Carnage (2021)، حيث إنّ أحد منتجيه هو الإسرائيلي الأمريكي آفي أراد Avi Arad، والذي “خدم في جيش الاحتلال خلال حرب الأيام الستة عام 1967” كما ورد في بيان الحملة التي دعت فيه إلى مقاطعة الفيلم في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

ولكن من هي هذه الجهة الرسمية المعنية بالرقابة وإتخاذ القرار وكيف تعمل؟

يذكر الدكتور عبد الملك سكرية، وهو أمين سرّ الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين وعضو حملة مقاطعة “إسرائيل” – لبنان، في لقاء له على قناة المنار اللبنانية، أنّ الحملة تواصلت، بداية، مع مكتب مقاطعة “إسرائيل” في وزارة الإقتصاد من أجل فيلم The secrets we keep، المكتب الذي أحالهم بدوره إلى الجهة المعنية بحسب قولهم وهي لجنة وزارية تُعنى بالرقابة على الأفلام. وتذكر عضو حملة المقاطعة عفيفة كركي، أنّ هذه اللجنة الوزارية تعتمد في موافقتها على الأفلام أو منعها، على لائحة بأسماء من يُمنع عرض أفلامهم في لبنان، لأنهم “إسرائيليّون”، سواءً كانوا ممثلين أو مخرجين أو أحد صانعي العمل. وتضيف بأنّ هذه اللائحة لا يتمّ تحديثها بحسب المستجد.

لماذا هذه الأفلام دون سواها؟

تلخّص لنا الوثيقة الصادرة عن حملة مقاطعة “إسرائيل” – لبنان الواردة على موقعها الإلكتروني، المعايير التي تعتمدها في الدعوة إلى حظر الأفلام أو مقاطعتها في ما يلي:

– “حظر كل فيلم يكون مخرجه أو منتجه التنفيذي أو ممثله الرئيس أو أي ممثل مساعد “إسرائيليّا”، ويُستثنى من ذلك حاملو الجنسية “الإسرائيلية” من فلسطينيي 48″ (المستثنى يكون ضمن حدود لا بد من الإلتزام بها تمّ ذكرها في الوثيقة المتوفّرة على موقع الحملة).

– “حظر كل فيلم يكون مخرجه أو منتجه التنفيذي أو ممثله الرئيس أو أي ممثل مساعد، داعماً للاحتلال الإسرائيلي بشكل مادّي ملموس، ولو لم يكن “إسرائيليّا””.

– “حظر كل فيلم يسهم فيه أيّ لبناني (أو عربي) يتعامل مع أية جهة في كيان العدو – ولو كان وثائقيّاً لا تمثيل فيه”.

وتؤكّد عضو حملة المقاطعة عفيفة كركي على أنّه لا يتمّ الإعتماد على المحتوى للمطالبة بسحب الفيلم ومنع عرضه، ولكنّ ذلك لا يمنع الحملة من أن تبادر لنشر التوعية حول ما يروّج له في حال تمّ عرضه.

وقد يسأل سائل، ما جدوى هذه المقاطعة ؟

ربما أفضل ما يجيب عن هذا السؤال هو الخبر المنشور في موقع فيسبوك على الصفحة الرسمية لحركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة دولياً بـBDS في 24 كانون الثاني/يناير 2022، ومفاده أن رئيس وزراء العدوّ الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في جلسة الحكومة الأسبوعية  في 23 كانون الثاني/يناير 2022 و”في محاولة جديدة لمحاربة حركة المقاطعة  BDS، قد صادق على  قرار “تحويل موارد إضافية لمحاربة حركة (BDS)، بسبب دورها المتنامي في عزل نظام الاحتلال والإستعمار- الإستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي على الصعيد العالمي”.

إذا، فإنّ المقاطعة موجعة، وقد إستطاعت في الكثير من المواقف والساحات، وعلى العديد من المستويات، أن تؤتيَ ثمارها في تعرية الوجه الحقيقي للكيان الإسرائيلي الذي يحاول أن يخفيَ جرائمه بالعديد من الأقنعة، ومنها الثقافية المختلفة والتي أبرزها الفنون. كما تزخر مواقع حملات المقاطعة العربية والعالمية بالإنجازات التي تمّ تحقيقها حتى الآن، وإلا لما خصّصت حكومة الاحتلال موازنة مستقلة لمحاربة نشاطها حول العالم.

الخطر قائم، الخطر قادم!

رغم كل الجهود المبذولة، من قبل حركة المقاطعة في لبنان وحركات المقاطعة في العالم، فإنّ التطبيع لا زال مستمرا، طالما أنّ الكيان المحتل لن يتوقف عن وضع كل طاقاته في سبيل التغطية على جرائمه. وها نحن اليوم، نشهد في المواقع الإلكترونية لصالات السينما اللبنانية إعلان عن فيلم سيُعرض قريبا، هو: Death on the Nile بطلته المجنّدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب تموز 2006 غال غادو Gal Gadot، الذي من المفترض أن يكون اسمها مُدرجاً على لائحة اللجنة الوزارية للممنوعين من عرض أفلامهم في لبنان، فهي نفسها بطلة فيلم Wonder Woman الذي تمّ منع عرضه في الصالات اللبنانية في العام 2017.

       إذا، وفي انتظار القادم، لن يزول الخطر الحقيقي إلا بتكثيف الجهود على كل المستويات، فضلاً عن أنّنا حتماً بحاجة للإنتقال إلى مستوى أعلى في هذه المعركة الثقافية، عبر إنتاج الأفلام وبالقوة نفسها، وعبر حشد الإمكانيات لتوزيعها حول العالم وإظهار ما يحاول الكيان الصهيوني تلميعه وترويجه كذباً وزوراً بإسم الفن والسلام.

*كاتبة لبنانية


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,