بين شبكات التجسّس و”إنهضْ واقتُل”: إعرف عدوك جيدا!

التصنيفات : |
فبراير 12, 2022 10:46 ص

*قاسم قصير

في الأيام القليلة الماضية جرى الكشف في بيروت عن توقيف 17 شبكة تجسس إسرائيلية تضم شخصيات متنوعة لبنانية وفلسطينية وسورية، وهي تشتمل على أشخاص متعددي الإهتمامات والمهن كانوا منتشرين في معظم المناطق اللبنانية، وقد إمتد عملهم إلى المخيّمات الفلسطينية وبعض المناطق السورية وشمل مراكز المقاومة وقياداتها، وقيل أنّ شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي لعبت الدور الأكبر في كشف هذه الشبكات، في حين أوضحت مصادر أخرى أن بعض أجهزة المقاومة كان لها دور أساسي أيضاً في كشف هذه الشبكات والتعاون مع قوى الأمن الداخلي وبعض الأجهزة الامنية اللبنانية لهذه الغاية.

وخطورة كشف هذه الشبكات تتعلق بعدة نقاط مهمة أبرزها:

أولا، أنّها تضم شخصيات متنوعة ومتعددة وبعضها ينشط في مجموعات المجتمع المدني، وأنّ الأموال التي كانت تُدفع ليست كبيرة جدا.

ثانيا، أنّ بعض المشاركين فيها دفعتهم إما الظروف الإقتصادية والإجتماعية أو الأسباب السياسية بسبب كرههم وحقدهم على قوى المقاومة.

ثالثا، أنّ إنكشاف هذه الشبكات وعددها الكبير يأتي بعد فترة طويلة من تراجع العمل المخابراتي الإسرائيلي في لبنان، بعد أن جرى في السنوات الماضية كشف العدد الكبير من شبكات التجسس، وإقتصار العملاء في السنوات الأخيرة على أفراد محدودين ومن خلال نشاطاتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، مما يعني أنّ العدو يجتهد دائماً لإعادة تفعيل وتنشيط شبكاته التجسسية في لبنان، ولا سيما في الظروف الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الصعبة.

ولقد تزامن إكتشاف هذه الشبكات التجسسية الإسرائيلية مع نشر الزميل ماهر أبي نادر سلسلة مقالات مترجمة في موقع 180 بوست من  كتاب “إنهض واقتل أولا، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية” لمؤلفه الكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمان، يتحدث فيه عن العمليات التي نفّذها الموساد الإسرائيلي في أنحاء العالم ومنها لبنان، والتي تولّى فيها قتل قادة ومفكري وإعلاميي قوى المقاومة، وقد نشر حتى الآن حوالي 72 حلقة تتضمن معلومات هامة وقيّمة عن هذه العمليات، تكشف حجم الإختراقات الإسرائيلية للمجتمعات العربية والغربية وآليات عمل الموساد وكيفية إستغلال الثغرات الشخصية أو السياسية أو الإعلامية من أجل تحقيق أهداف جهاز الموساد والعدو الصهيوني.

وهذا الكتاب الضخم حول عمليات الموساد الإسرائيلي ينضم إلى سلسلة الكتب الأخرى التي تتحدث عن هذه العمليات ونجاحاتها وإخفاقاتها، رغم أنّه من المعروف أنّ الموساد الإسرائيلي يحاول تضخيم دوره وموقعه من خلال هذه الكتب وذلك كجزء من الحرب النفسية ضد قوى المقاومة ومجتمعات المقاومة، لكنّ ذلك لا ينفي حجم المعلومات المهمة الموجودة في مثل هذه الكتب والتي تكشف عن دور الموساد وعملائه، وهذا يتطلب الكثير من الحذر والإنتباه.

واليوم، لم يعد جهاز الموساد يعتمد فقط على العملاء الميدانيين والمباشرين، بل أصبح يستفيد من الحرب السيبرانية ومواقع التواصل الإجتماعية والتنكولوجيا المتطورة، إضافة لتشغيل العملاء الميدانيين.

من هنا الحاجة لفهم ومعرفة عدونا باستمرار ودراسة كيف تطور أدائه ودوره في مجتمعاتنا، وخصوصاً في أوقات الصراع والظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة، وعبر إختراق شبابنا ومنظماتنا الإجتماعية.

نحن اليوم بحاجة أكثر لفهم مخططات العدو وأهدافه وعدم الإستكانة لفكرة تراجع دور قوى المقاومة أو إنتشار التطبيع مع هذا العدو في بعض البلدان العربية، بل إنّ التطبيع قد يكون إحدى الوسائل التي يعتمدها العدو من أجل اختراق بلداننا ومجتمعاتنا.

وكلنا يتذكر عملية الموساد في الأردن لقتل الرئيس السابق للمكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل، ولم تنفع العلاقات المييزة بين الأردن والكيان الصهيوني لمنع العدو من اختراق أمن الأردن، ولولا وعي حرس الأخ خالد مشعل وإعتقال مُنفّذي العملية لنجحت تلك العملية بسهولة، كذلك عمليات الموساد المستمرة لخرق المجتمع المصري.

ولبنان اليوم معرّض أكثر من غيره لعمليات الإختراق نظراً لخطورة وتعاظم دور قوى المقاومة فيه، ونظراً للظروف الحساسة التي يمر بها لبنان، ولهذا علينا أن نعرف خطورة عدونا وما يقوم به، وأن نكون أكثر حذراً وإنتباها في المراحل المقبلة.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,