المجلس المركزي يُعزّز الإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني.. هل نحن أمام مجلس إنتقالي؟!

التصنيفات : |
فبراير 14, 2022 11:00 ص

*سنان حسن

لم تحمل الدورة الواحدة والثلاثون لإجتماع المجلس المركزي الفلسطيني شيئاً جديداً سوى تعميق الإنقسام بين القوى والفصائل الفلسطينية بشكل غير مسبوق، ولا سيما مع دعوة بعض الفصائل إلى التفكير جدياً في تشكيل مجلس إنتقالي يضم الجميع ويُمهّد لإجراء الإنتخابات الشاملة، ما يعني أنّنا أمام منعطف كبير في القضية الفلسطينية، فبرلمان فلسطين ومؤسسته الأعرق، التي من المفترض أن تكون حضناً جامعاً لكل القوى والفصائل والأحزاب والتيارات السياسية، أصبحت عرضة للإنقسام على غرار باقي المؤسسات الفلسطينية الأخرى، وبات من الصعب جداً الإلتقاء والحوار بين القوى الرئيسية في الساحة الفلسطينية، فلماذا كل الإصرار على التفرد بالقرار الفلسطيني من بوابة المجلس المركزي؟، ومن المستفيد؟، ولماذا الفصائل المعارضة ترفع ورقة المجلس الإنتقالي في وجه قيادة المنظمة الحالية؟، وهل بالفعل ما زالت هناك فرصة للتفاهم بين القوى والفصائل الفلسطينية؟.

على مدى ثلاثة عقود وبالتحديد منذ إتفاق أوسلو وما تلاه من قرارات تخدم الإعتراف بالعدو الإسرائيلي ودولته المزعومة.. من إلغاء ميثاق الكفاح المسلح وغيره من البنود التي كان قد إعتمدها المجلس الوطني لإقامة دولة فلسطين، تَعزّز الإنقسام بين القوى والفصائل المؤيدة للإتفاق والرافضة له، وذلك مع تفرد حركة فتح المسيطرة على المواقع القيادية الرئيسية في المجلس المركزي ومنظمة التحرير، وازداد هذا الأمر بعد الإنقسام الخطير الذي حصل في غزة عام 2007 وسيطرة حركة حماس على القطاع، وعلى الرغم من كل المحاولات العربية وحتى الدولية للمصالحة بين فتح وحماس إلا أنّ الأوضاع بقيت على حالها ولم يُنفّذ أي من تلك الإتفاقات التي تمّ التوقيع عليها، والتي كان آخرها ما جرى الإتفاق عليه في القاهرة 2021 حيث أصرّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على إجهاضها بعد تأجيله الإنتخابات التشريعية والرئاسية وما يليها من إنتخابات المجلس المركزي، ومن ثم إنتخاب لجنة تنفيذية جديدة تقود العمل الفلسطيني ككل، ولكن لماذا تصرف الرئيس عباس هكذا؟.

عبّاس: أنا ربّكم الأعلى

يُشكّل تأمين البديل للرئيس عباس الذي بلغ عامه الـ86 هاجساً كبيراً له وللفريق الذي يعاونه، وحتى بالنسبة لقيادة الاحتلال الإسرائيلي، لذلك ودون المجلس المركزي وبما يمثله من قيمة تشريعية وقانونية لا يمكن المضي في هذه الخطوة، وبالتالي فقد بحث الرئيس عباس عن صيغة تعطيه هذه النتيجة دون أن يشاركه أحد في الغنيمة الكبرى في إبقاء المراكز الرئيسية في المنظمة بيد أتباعه، وهذا ما حصل عندما أصرّ على عقد جلسة المجلس المركزي دون التفاتٍ إلى رأي باقي الفصائل لأنّه في ظل مشاركتها وتطبيق التفاهمات التي تمّ التوصل إليها في القاهرة، ولا سيما مع حماس والجهاد الإسلامي، يعني أنّنا أمام قيادة فلسطينية جديدة لا يضمن أحد توجهاتها وبرامجها وهذا ما لا يريده طبعا، وفي الوقت عينه إصراره على عقد دورة المجلس قسّم الفصائل المعارضة له داخل المنظمة وشتّتها على خلفية إرساله وفداً إلى دمشق لدعوتها للمشاركة، فإندلعت الخلافات داخل الجبهة الديمقراطية وتتالت الإستقالات بين صفوفها بسبب إعلانها المشاركة في أعمال المجلس، والذي تزامن مع عودة مخصّصاتها المالية المُعلّقة بقرار من عباس ومنحها منصب نائب رئيس المجلس الوطني، إضافة إلى انسحاب حزب الشعب والذي كان مفاجئة كبيرة لعباس نفسه، والنتيجة كانت: إنعقاد الدورة الحادية والثلاثين ونجاح الخطوة الأولى من وضع حاشيته في المجلس المركزي، بانتظار الخطوة الثانية وهي إنعقاد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لتوزيع المهام بين الأعضاء الجدد ولكن حتى اللحظة لم يتمّ إنعقادها.

في المقابل ترى الفصائل المعترضة من داخل المجلس وخارجه، أنّ الرئيس محمود عباس نقض كل الوعود التي أطلقها والإتفاقات التي أبرمها بصفته رئيساً لحركة فتح كـ”إتفاق الأمناء العامين في القاهرة لدعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية”، والتي كانت تُشكّل خارطة طريق للخروج مما تعانيه القضية الفلسطينية من تشتّت وضياع في ظل إصراره على خيارات غير منطقية وغير واقعية في التعامل مع العدو الإسرائيلي، وفي مقدمتها المفاوضات العبثية والتنسيق الأمني، كما تُعيب الفصائل على الرئيس عباس أنّه في كل مرة يتكلم عن المصالحة الوطنية مع باقي الفصائل، وآخرها كان من على منبر المجلس المركزي، ومع ذلك يصرّ بمواقفه على توسيع الشرخ القائم وتعزيز حكم الفريق الواحد على حساب باقي الفصائل، فلو كان يريد المصالحة لعملَ على تذليل كل العقبات التي تعترض مشاركة جميع الفصائل في المجلس، لكن مصلحته خلاف ذلك. في حين أنّ الوعود التي يطلقها الرئيس عباس عن المقاومة الشعبية ما هي إلا “ذرّ الرماد في العيون” مع قيام أجهزة السلطة بقمع وملاحقة أي نشاط ضد الاحتلال سواء كان بالسلاح أو حتى بالكلمة، وأكثر من ذلك التعاون مع أجهزة العدو الإسرائيلي في تعقّب المقاومين وما جرى في نابلس أثناء انعقاد دورة المجلس من إغتيال ثلاثة مقاومين على يد قوات الاحتلال يؤكد ذلك.

الحل في الإنتقالي

كما أنّ الفصائل ترى في الأسماء التي طُرحت في المجلس المركزي، بأنّها من الشخصيات المحسوبة على “أبو مازن” نفسه ولا علاقة لها بأي تاريخ نضالي يمكن التعويل عليه في حركة فتح أو في غيرها من الفصائل التي ارتضت المشاركة في إجتماع دورة المجلس، بل على العكس من ذلك، هناك من الشخصيات ممن يدور حولها الكثير من الشبهات ولا سيما في موضوع التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي (وزير الخدمة المدنية حسين الشيخ) الذي يحظى بدعم كبير من الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية.. ما يعني أنّ الرئيس عباس مُصرّ على المضي قدماً في مسار “أوسلو” الكارثي في مقابل الحصول على مكاسب له ولحاشيته.

أمام كل ذلك، يمكن القول أنّ ما قبل إنعقاد الدورة الواحدة والثلاثين للمجلس الوطني الفلسطيني ليس كما بعده، فالبيانات التي صدرت عن الفصائل غير المشاركة، وهي ليست بالقليلة ووازنة شعبيا وسياسيا، تؤكد أنّ هناك عزماً حقيقياً لديها للمضي قدماً في تشكيل مجلس مركزي إنتقالي، على غرار ما حصل في ستينيات القرن الماضي إبان نكسة حزيران، يضمّ كل الفصائل بما فيها فتح أيضا، معولين على الشخصيات الفتحاوية التي ترفض تحويل الحركة إلى أداة بيد العدو في مواجهة أبناء شعبهم الفلسطيني، يكون أولى أهدافه وضع برنامج عمل وطني فلسطيني يأخذ في الإعتبار حقّ الشعب الأصيل في المقاومة والكفاح المسلح وإسقاط إتفاقات الإذعان في أوسلو وصولاً إلى إقامة الدولة المستقلة على كامل تراب فلسطين.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,