“الروح تعفّنت”.. مأساة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا

التصنيفات : |
فبراير 15, 2022 11:30 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

ما زالت “إخلاص” تعيش حالة من الإكتئاب منذ أكثر من عامين، تاريخ عودتها من ألمانيا إلى مخيّم برج البراجنة، مكان ولادتها خلال حرب المخيّمات عام ١٩٨٦.

“إخلاص” سيدة فلسطينية متزوجة وأم لولدين، تروي محاولة تحقيق حلمها بالوصول إلى فردوس موهوم، كانت تظن أنّ تلك الفردوس موجودة في أوروبا.

تقول “إخلاص”: كان الوضع يسير نحو انهيار إقتصادي، وراتبي لم يعد يكفي لحياة كريمة، وعمل زوجي ليس ثابتا. عرفت أنّ هناك مكتباً يتولّى تأمين وصولي إلى ألمانيا حيث كنت أتوهم أنّني أستطيع العيش مع أولادي بكرامة. دفعت كل ما أملك، بعت سيارتي واستدنت المال كي أؤمّن تكاليف رحلتي غير القانونية وصولاً إلى هدفي”.

أوروبا أسوأ من لبنان

تملأ الدموع عينيها وهي تتذكر تلك الليلة التي تمّ نقلها فيها عبر “باص”، من طريق المطار إلى إحدى قاعاته، وصولاً إلى الطائرة التي نقلتها وأولادها إلى مدريد، وقد لقّنتها عناصر شركة الطيران كيفية التصرف والمطالبة باللجوء إلى أوروبا.

وتزيد “إخلاص”: “بعد ٢٤ ساعة تمّ نقلي بسيارة عبر الأراضي الإسبانية والفرنسية وصولاً إلى ألمانيا، حيث أسكنوني في مجمع سكني خاص بالمهاجرين غير القانونيين، ومن يومها بدأت الشعور بالمعاناة، كان عليّ السير يومياً مع أطفالي نحو ساعة لشراء المواد الغذائية، كنت أشعر وكأنّي في سجن كبير، لا علاقات إجتماعية، أتحمّل مسؤولية كبيرة تجاه أطفالي، وخصوصاً أنّني سافرت بدون زوجي، الذي بقي في مخيّم برج البراجنة.

بداية، كنت أظنّ أنّني أستطيع مواجهة صعوبة الحياة في ألمانيا مقارنة مع الحياة الصعبة في لبنان. لكنّني لم أستطع مواجهة الحياة، أصبت بإنهيار عصبي، لأنّني وجدت نفسي غير قادرة على الإستمرار بالحياة، مسؤولة عن أطفالي في مجتمع يختلف عن مجتمعاتنا. وهذا ما دفعني إلى العودة إلى لبنان، وهذا ويعني في مواجهة جديدة مع روتين إداري طال أكثر من ٣ أشهر للحصول على وثائق للعودة إلى لبنان، وخصوصاً أنّني فلسطينية وأواجه عقبات باستعادة الأوراق الرسمية التي تسمح بالعودة. إنّها تجربة صعبة جداً لكنّ ظروف الحياة هنا في لبنان هي التي دفعتني للقيام بهذه المغامرة وهي التي دفعت بالكثير للقيام بها ودفع حياتهم ثمناً لذلك”.

“إخلاص”، إبنة مخيّم برج البراجنة لم تكن الوحيدة التي خاضت هذه التجربة، بل هي واحدة من آلاف الفلسطينيين المقيمين في لبنان والفلسطينيين اللاجئين من سوريا.

الهجرة مأساة مضاعفة

يصف سمير، وهو لاجىء يعيش في مخيّم عين الحلوة، تجربته بالقول: “معاناة فوق معاناة، حياة كئيبة لا تُطاق، حلمت بشيء وإكتشفت زيف الحلم”.

كان حلمه الوصول إلى أوروبا ولم يصلها سوى بالقارب المطاطي. دفع أكثر من ١٢ ألف دولار أمريكي للوصول إلى بلجيكا، إستخدم السيارة والقارب والقطار للوصول إلى بروكسيل، هناك أسكنوه في مجمع سكني في إحدى ضواحي مدينة بلجيكية.

يقول سمير: “كان السكن تعيساً إلى درجة أنّه يقتل الروح قبل الجسد، كان عبارة عن مستوعب يحوي أثاثاً يفي الحد الأدنى من الإحتياجات، وكانت الحمامات والمطابخ مشتركة، والأطعمة المُقدَّمة لا علاقة لها بمطبخنا، وكان على بعض العائلات الصغيرة قبول وجود ضيف عندها”.

بقي سمير وعائلته أربعة أشهر على هذا المنوال، وبدلاً من أن يرسل مالاً لأهله، إضطر لطلب المال منهم واقتراض مبلغاً من المال لتأمين تكاليف رحلة العودة إلى لبنان.

يعلّق أحد الناشطين على موضوع الهجرة القانونية وغير القانونية بالقول: “الهجرة تعني حقّ انتقال أشخاص أو جماعات من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمن والأمان والإستقرار، وقد كفلت الأمم المتحدة حقّ اللجوء والهجرة من مكان إلى آخر”.

ويضيف: “تعرّضت منطقتنا خلال العقد الاخير لكثيرٍ من الحروب والأزمات الإقتصادية والإجتماعية، ما فرض على كثيرين التفتيش عن حلول تؤمّن لهم الأمن والأمان، ودفع بهم لمحاولة اللجوء والهجرة إلى بلاد الغرب والشمال الأوروبي. وكان بإنتظارهم تجار البشر الذين تولوا عملية التهريب وإيصال الناس بطرق غير قانونية وبتكلفة عالية، وتعرضهم إلى مخاطر عالية، وأعطي مثلاً عن أحد الفلسطينيين السوريين الذي توجّه من سوريا إلى ليبيا قاصداً إيطاليا عن طريق البحر مع زوجته وطفليهما، لكنّ القارب الذي نقله كان يحمل أعداداً تفوق قدرته ما أدى إلى إنقلابه وغرقه بالقرب من صقلية، غرق البعض وسبح البعض الآخر للوصول إلى أقرب جزيرة”.

الحلول بالحقوق

من جهة أخرى، يُعلّق رئيس جمعية ناشط في مخيّم عين الحلوة، ظافر الخطيب بالقول: “من خلال تواصلنا مع ناشطين في أوروبا، أرى أنّ الشباب المهاجر بطرق مختلفة إلى أوروبا لا يحصل على ما يحلم به، إذ يجد صعوبة بالتأقلم مع الواقع الجديد، كذلك صعوبة الحصول على وضع قانوني جدي، وأيضاً على فرصة عمل، والمساعدات التي تُقدَّم لهم لا تكفي فعلياً لحياة كريمة”.

ويعتقد الخطيب أنّ الحدّ من هذه الهجرة غير القانونية يبدأ بالإعتراف بالمكانة القانونية للاجئين الفلسطينيين في لبنان ومنحهم حقوقهم الإنسانية والمدنية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وفق شرعة حقوق الإنسان، وإنهاء المقاربات الأمنية للملف الفلسطيني في لبنان.

يرى ناشط آخر أنّ حقّ العودة الذي دائماً ما يتمّ ربطه بمحاربة الهجرة، هو حقّ مشروع لنا سواء كنّا نعيش في مخيّمات أو في بلاد الشتات، ولا يعني ذلك القبول بالحياة في مخيّمات تفتقر للحياة.

هاجر الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين منذ سنوات طويلة الى أوروبا وغيرها، وخصوصاً خلال الحروب الأهلية وخلال حروب المخيّمات، وشريط الهجرة إستعاد نشاطه خلال السنوات الأخيرة بسبب تفاقم الأزمات في المخيّمات من جهة، والتضييق الذي تمارسه السلطة اللبنانية من جهة أخرى، والحلول تبدأ بالحصول على حقوقهم الإنسانية.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,