الاحتلال بالقانون

التصنيفات : |
فبراير 16, 2022 10:51 ص

*وسام عبد الله

فرض الاحتلال الإسرائيلي نفسه كنموذج خارجٍ عن نواميس المجتمعات المعاصرة، كأن يُقال مثلا: “لا أحد فوق القانون”، في توصيف تَساوي الناس تحت سلطة القضاء، لكنّ العدو سنّ القوانين على قياس أطماعه، فهي الأداة التشريعية التي تمّ تحوريها بما يتناسب مع هدف تهويد فلسطين وإقتلاع شعبها.        

القانون بين تعريفين

يُعرّف القانون بأنّه مجموعة القواعد التي تُنظّم سلوك الأفراد وعلاقتهم بين بعضهم ومع مؤسسات الدولة، وما يترتّب عليه من حقوق وواجبات متبادلة، يكون الجزاء والعقاب لمن يخالفها ويخرج عنها. فالقواعد القانونية مجردة وعامة ليست لفئة معينة أو أشخاص محددين، إنّما تُطبّق على كافة المواطنين، بما يشمل معاملاتهم المدنية والتجارية والجزائية وغيرها. فالقانون ينطلق من الجماعة التي هي أساسه، وينبثق العقد الإجتماعي والقواعد العامة والخاصة، من مجتمع معين، لتنظيم علاقات أفراده وضبطها، بهدف تحقيق الإستقرار العادل بين الأفراد والجماعة. فالأرضية هي المجتمع بعاداته وثقافته وحضارته وتجربته المتراكمة، والسعي المستمر لتطوير المواد القانونية من خلال مجالس تشريعية تُحدّد السلوك القانوني للأفراد لتحقيق الخير العام.

فأين القوانين “الإسرائيلية” مما سبق؟

مستوطنات وليس مجتمعات، من هنا تكون البداية، فالمنطلق لتشريع القوانين هو الاحتلال والسرقة والهدم، لا التطور الطبيعي لجماعة على أرضها، إنّما تأسيس نُظم قانونية لمجموعات من مختلف دول العالم، لا يجمعها أي رابط سوى العصبية الدينية المحددة بحسب الفكر الصهيوني. نحن إذا، أمام سنن قانونية مبنية على الباطل، وما التشريعات إلا أداة  من أدوات الحرب مستترة تحت عباءة القانون بوسائل تنفيذية من العسكر والبلديات وكافة المؤسسات العاملة على تطبيق تلك المراسيم العنصرية.

إنّ الحرص “الإسرائيلي” على إصدار قانون، ليس إحتراماً لمنطق العدل، إنّما ليمنح كيانه الغاصب صفة الدولة المؤسساتية، إن كان أمام “شعبه” أو في المحافل الدولية،  فيُصدر القوانين ويُحيلها إلى السلطات التنفيذية لتطبيقها.

تشريعات الاحتلال

عمل العدو على أدق التفاصيل الخاصة بالفلسطينيين ليسيطرَ عليها من خلال القوانين الصادرة منذ النكبة حتى يومنا هذا، فكانت عينه على الحجر والبشر بالتساوي.. هدم البيوت واستولى على الآثار بالتوازي مع طرد السكان وتبرير إغتيالهم وتهجيرهم، فنحن نشهد على ما هو أسوأ من الروايات التاريخية ما قبل القرون الوسطى، زمن الصراع بين القبائل والإمبراطوريات، حين كان العسكر يغزو منطقة ما ويفرض عليها قوانينه الخاصة، فمن يعتقد أنّ تلك الحقبة قد انتهت، فهو لا يعرف بعد ما الذي يحدث في فلسطين.

شكّل التهويد الهدف والغاية من خلف القوانين، والقدس حجر الزاوية لهذا العمل، ففي عام 1948 أعلن رئيس وزراء الاحتلال ديفيد بن غوريون أنّ القدس الغربية عاصمة لما يُسمى “إسرائيل”، وأصدر الكنيست حينها قراراً يُخوّل الحكومة “الإسرائيلية” ضمّ الجزء الشرقي من مدينة القدس والمناطق المتاخمة لها إلى الجزء الغربي. لتُستكمل العملية في السنوات التالية:

سنة 1980، أصدر الكنيست تشريعاً قانونياً أعلن فيه أنّ القدس، الشرقية والغربية، عاصمة موحدة لدولة “إسرائيل”، وصولاً لسنة 2018، حين وافق الكنيست على قانون “القدس الموحدة”  الذي نصّ على أنّ أي انسحاب من شطر القدس الشرقية أو تسليم أي جزء منها سيكون مرتبطاً بمصادقة غالبية نيابية إستثنائية لا تقلّ عن ثمانين عضواً من أصل كامل الأعضاء المئة والعشرين.

وفي مسألة تدمير القرى، هو يستند إلى المادة 119 من تعليمات الدفاع التي صدرت في عهد الإنتداب البريطاني عام 1945، دون الحاجة إلى أمر إداري من المحكمة، مع إعطاء فرصة شكلية أمام العائلات لتقديم اعتراض على الهدم. ولتسريع عملية الهدم، أصدر الكنيست سنة 2017 قانون “كمنتس” الذي ينصّ على الإستعجال بوتيرة هدم المنازل الفلسطينية في الداخل. ويتذرّع الاحتلال بأي حدث ليبنيَ عليه قراراته، فهو يصنّف “الهدم” قانونياً ضمن أربعة أقسام:

الهدم الإداري الخاص بتأمين تراخيص لعملية التوسّع ببناء المستوطنات،

الهدم العسكري لأسباب عسكرية يُنفّذها جيش العدو،

الهدم العقابي بحقّ منازل ذوي الشهداء،

والهدم القضائي الصادر عن المحاكم الإسرائيلية.

اللاجئ بوصلة الصراع

إنّ القضاء العسكري “الإسرائيلي” وأذرعه الأمنية، منظمة تُصدر أوامر وقرارات إدارية لقمع الأسرى وتعذيبهم، إضافة إلى تشريع قوانين تتضمن مصطلحات فضفاضة في معانيها لتسمح لهم بتبرير إعتدائهم، مثل مصطلح “ممتلكات الإرهاب” الذي يشمل كل ما يُثبت تورّطه في إحدى عمليات المقاومة، إن كانت مكاتب المنظمة ومؤسساتها، والأدوات المستخدمة الخاصة بالشخص أو بشركاء له، أو المواد والمستندات والبضائع.. وحتى الحجارة، وهو ما يفسر تصنيف أطفال الحجارة ضمن قائمة “الإرهاب”.

وفي ما يخصّ اللاجئين، إحدى القضايا المحورية بالنسبة للاحتلال، الذي يسعى بهمجيته المعهودة لتوطينهم في بلاد الشتات وطمس حقّ العودة، فقد أصدر الكنيست الإسرائيلي عام 2001 قانون “التأكيد على منع العودة”، الذي نصّ على عدم السماح للاجئين بالعودة إلا بموافقة غالبية أعضائه، وهو أمر غير وارد الحدوث.

إنّ البحث في قوانين الاحتلال الصهيوني واسعٌ ومتشعّب كونه يشمل كافة جوانب الحياة الفلسطينية، وهنا تكمن أهمية العمل القانوني الفلسطيني لتثبيت الحقوق، وأنصع نموذج لها هو الأوراق الثبوتية التي يحتفظ بها اللاجئون لبيوتهم التي هُجّروا منها، لكن هل يكفي مقارعة قوانين الاحتلال بالأوراق؟، هنا ركيزة العمل المقاوم واستكمالها بالعمل الحقوقي.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,