الإعلام يلهث خلف “التريند” والخِفّة شكل العالم الجديد

التصنيفات : |
فبراير 17, 2022 9:40 ص

*بسّام جميل

يطلّ العالم على إحتمالية الحرب شرق أوروبا، ويتناسى كل مفردات الحرب التي تؤثر بذات القدر الممكن لفعل السلاح.

يبدو هذا التوتر الروسي – الأوكراني مشابهاً للعديد من التوترات الحدودية العربية، وإذا ما أردنا التركيز على مقاربة فلسطينية، فالسياسة وحدها لا تكفي، لنجد أنّنا نعيش هذه الحالة من الصراع الدائم والنفور المستعلي بين طبقات إجتماعية فلسطينية، تمارس فعل الحرب في ما بينها، دون أن تبلغ ذروة الدم أحيانا.

ما كان حقّ لنا في فترة ما، علينا أن نستعيده مجددا. تبدو جملة منصفة، لكنّ الأمر في ما يتعلق بالتمثيل السياسي والصراع عليه، لا يُبنى على عدالة مطلقة وحقّ موروث، بل هي النسبية التي تتابع ترتيب المشهد.

في آخر عصف سياسي فلسطيني، كان المشهد يُنبئ بقدوم مرحلة جديدة، لكنّ أحداث العالم تجعل التأمل في هذه الفردات صعبا، لفهمها وتحليل مآلات الأمور، فالكل منشغل بما يُسمى “التريند” العالمي، ليكون في لحظة معينة، يتناول أزمة إنسانية للطفل المغربي العالق في بئر مظلم، ثم ينتقل المشهد للطفل فواز السوري المُختطف، بحماس أقل. لكنّها الحرب الروسية الآن، ما يشغل العالم العربي ورواد وسائل التواصل الإجتماعي.

حي الشيخ جرّاح، التنسيق الأمني المفضوح، المقاومة الشرسة من الأهالي وجنين تُلبّي نداء قلبها المقدسي.

وربما يكون الأهم، ما تمّ إقراره في إجتماع المجلس المركزي المفوّض بصورة غير شرعية بصلاحيات المجلس الوطني، وتكريس المُكرّس يضع قراراته بيد رجل واحد: الرئيس عباس، الذي لا يكفّ عن اللهث خلف السلام الإقتصادي وخطة بناء الثقة والتعاون والتنسيق الأمني.. عمليا.

من يريد قراءة كل هذه التفاصيل؟ ومن يستعد لما سيآتي؟!

كلنا مدعوون لقراءة المشهد، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهذه القراءة  تسعى لربط أحداث العالم بمجريات الساحة الفلسطينية، لكنّنا نحتاج أيضاً للتقدير الصحيح لموقعنا وقدراتنا على التأثير في اللعبة العالمية، ولنأخذ القياس الواقعي بما يمكن فعله بالمشهد الفلسطيني المحكوم بالصراع، تاريخيا، على الأرض والحقوق.

بالأمس القريب، كان الأثر المترتب على متابعة قضايا الأمم والتفاعل مع أحداث العالم، يساهم في شحذ الهمم لإعادة إنتاج وسائل الدفاع (لأنّنا في موقع المعتدى عليه) في مواجهة كل ما يطرأ على الساحة الفلسطينية. لكنّنا غالباً ما نغفل عن تحديد عناصر الأزمات التي نمر بها، فنضع عبارة “التنسيق الأمني” كعنوان دون أن نراعيَ تفاصيله وما يجري على الأرض، لنمتلك بالتالي أدوات المواجهة.

“أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم”

تبدو نصيحة جيدة عندما تكون المعركة بين جيوش نظامية أو في حرب دخلناها بملئ إرادتنا، لكنّنا في صراعنا مع الاحتلال نحتاج إلى سلاح من نوع آخر، أكثر جدوى، على المدى الطويل، ألا وهو: الكشف.

يبدأ الأمر بما يُسمى بالصحافة الإستقصائية، التي تلعب دوراً هاماً ومتخصصاً في ملاحقة المعلومة، لتبدأ رحلة البحث عن الأسئلة الجيدة، فلا يكفي أن نطرح مثلا: لماذا حدث هذا؟ بل يجب أن نستتبعه بـ”كيف، ومتى، ومن…” نسعى من خلالها لتجميع المعلومات التي تُمكنا من الوقوف على التفاصيل، دون أن يعنيَ هذا تهميش دور المختصين في تحليل وإستشراف ما ستؤول إليه الأمور إذا ما استمر الوضع المبني عليه بالتكشف.

لا أُحمّل الصحافة وزر هذا البحث والتحري، لكنّه جزء من الدور المنوط بها، لتسقطَ التأويلات أمام الحقيقة الكاملة. حتى في عمليات الإستنساخ السياسي في الحالة العربية، نجد أنّ لكل ساحة مقوماتها التي تعزز نجاح نظرية وفشل أخرى.

هل نتحدث عن أمثلة تستفز وعي ومشاعر القارئ، كاستشهاد ثلاثة شبان بعد إستهدافهم بوحشية على مقربة من مقر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أم نستدعي المثل الحاضرالآن، بتبليغ الإرتباط الفلسطيني عن نية الهدم لعدة منازل في القدس؟!

لماذا وكيف

لا يكفي أن تدير مجموعات نشطة، ما يُسمى برصد الأخبار المتداولة والتحقق من صحّتها، بمعنى: حدثت، أم لم تحدث، بل على الصحافة أن تطرح كل الأسئلة الإشكالية لمتابعة هذا الكشف.

لطالما كانت السلطة الرابعة، قادرة على إنتاج قضية رأي عام، لأنّها ببساطة تختار ما يجب تسليط الضوء عليه، أما في عالم الإنترنت المفتوح، تصبح السلطة تابعة لما يسمى بـ”التريند”. فهل سنرى صعوداً لمستوى الكشف السردي في معالجة قضايا الصراع الفلسطيني مع العدو، أم سنختار هذا الإشتباك التافه، الذي ينتهي فور بدء “تريند” جديد؟!

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , ,