المخيّمات الفلسطينية.. قنابل بشرية موقوتة

التصنيفات : |
فبراير 21, 2022 10:51 ص

*وسام عبد الله

بعض الخيارات في الحياة لا تتعلق بتفاصيل صغيرة، إنّما كيف نريد أن نكملها، بقراراتنا الذاتية والتأثير على محيطنا. هذا على مستوى الفرد، فكيف إن كان خيار الجماعة وما تحمله من تباين في الآراء، وخاصة في حالة المخيّمات الفلسطينية وما تحمله من تعقيدات سياسية داخلية وخارجية.

قنابل موقوتة

إنّ تهيئة الأرضية داخل المخيّمات لتكون جاهزة على الدوام بهدف إستثمارها في تفجير الأوضاع، داخل أزقة الأبنية المتعبة وخارجها، نتيجة سياسة وقرارات الفصائل الفلسطينية أو ضغوط خارجية لدفع أبناء المخيّمات لإتخاذ مواقف وتبنّي بعضها، إنّما يُعبَّر عنه بخيار العنف. ما بعد النكبة محطات مختلفة، يتنوع تقييمها بحسب مصدر القارئ لها، بين مؤيد لها أو معارض، وتتبدّل هذه القراءة مع الزمن وتبدّل الأجيال بإتخاذ منحى الهدوء في معالجة الأحداث حتى من منطق المبرّر لها، لكن بعيداً عن التطرف بالرأي. في المرحلة الحالية، التي تعود نتائجها لسنوات خلت، يتمّ العمل على ثلاثة محاور أساسية لتفجير المخيّمات، أي القضاء على حقّ العودة من أعمق وجوده: التعليم، العمل والسلوك الإجتماعي.

يمكننا وضع خط بياني يوضح خطورة ما يعيشه لاجئ فلسطيني داخل مخيّمات لبنان، يكون نقطة الإنطلاق من التعليم في المدارس، التي تُموَّل بمعظمها من وكالة الأونروا، التي تتحكّم بقراراتها السياسات الأمريكية بشكل أساسي، فكل تقليص للتمويل ينعكس تدهوراً أكبر في إمكانيات الإستمرار في التدريس، أي أنّ مصير التلامذة يصبح رهن القرارات الدولية.

لا يملك الطالب الفلسطيني خيارات تعليمية عديدة، لأنّ قرار الإختصاص الجامعي مرتبط بسوق العمل، والقوانين تعمل على تضييق الخناق على فرص العمل وحصرها بمهنٍ محددة، فنحن أمام تسرّب مدرسي وبطالة، يضعان اللاجئ أمام مصيرٍ محتوم، إما الإجتهاد الشخصي لمقاومة واقعه المرّ بالإصرار على التقدم خطوة إلى الأمام، أو التحوّل إلى أداة للإستثمار من قِبل جهات معينة، تدفع به نحو سلوك إجتماعي خارج عن القانون، على غرار مشكلة الترويج للمخدرات داخل المخيّمات وإنتشارها، ليصبح رهينة تجار الممنوعات.

كل ما سبق، إضافة لعوامل أخرى، تصنع من اللاجئين قنابل بشرية يمكن “تفجيرها” حين تدعو الحاجة، على شكل اقتتال داخلي أو جنايات وجرائم مجتمعية.

.. مساحة لقاء

رغم أنّ الخيار ليس شخصيا، إنّما يبقى ضرورة لطرحه والعمل عليه، فكسر الحواجز بين المخيّمات الفلسطينية والمجتمعات المضيفة، وتأمين قنوات تواصل بين اللاجئ الفلسطيني والآخرين، له أهمية عند جميع الأطراف. والحديث عن مساحة لقاء، لكي نكون واقعيين ونبدأ من أرضية واضحة وممكنة، ليس الهدف منه أن يُكوِّن الجميع مجتمعاً واحدا، ولا أن يتمّ تجاوز الموروث التاريخي بسهولة، إنّما اللقاء هو العبور نحو الآخر، لا ليكون كما أنا أريد، بل لنكون معاً بإختلافاتنا، مُكمّلين لبعضنا البعض. وهذا اللقاء هو لإعادة الثقة وتثبيتها، من دونها يكون البناء هشا، قابلاً للإنهيار بشكل دائم، وهنا موطن الفرق بين إطلاق شعارات لمجرد بغرض العرض وليس التنفيذ وفي أن يكون عنواناً لعمل فعلي على الأرض. أول خطوة باتجاه للثقة هي تجاوز الخوف، لا إنكاره، والمصارحة الواضحة مع كامل صعوبتها، والقبول بأنّنا لا نملك الحقيقة كاملة، وهذه مسألة في غاية الأهمية.   

الخطو نحو الحوار

إنّ انتظار الفصائل الفلسطينية والأحزاب السياسية الموجودة على الساحة اللبنانية، قد لا يكون ذات منفعة، لأنّ المطلوب هو اجتهاد أشخاص وجمعيات ومراكز، على مستوى القاعدة الشعبية والمجتمعية، التي غالباً ما تدفع ثمن خيارات لم تشارك بها. ليس المهم من يخطو أولا تجاه الآخر، بل الأهم أن يقطع المسافة حتى الوسط، حتى وإن كان البعض يُطلق أحكاماً مسبقة على اللاجئ ومجحفة بحقّه في كثير من الأحيان، وحين تدعوه بالحوار لتغيير نظرته إليه وتبديل الصورة النمطية عنه، لا يستجيب.

في الأعراف الديبلوماسية، يتمّ اختيار أرضاً حيادية للبدء بالمفاوضات، لمنع الشعور “بالخسارة” من طرف تجاه الثاني، ربما مكان بعيد يكون مفيداً لحالة معينة أو في المرحلة الأولى، لكنّ الأساس هو الزيارة والذهاب إلى المجتمع والبيئة التي يعيش فيها الآخر. شاهدتُ أفلاماً وثائقية عن مخيّم شاتيلا، وتابعتُ تقارير إخبارية عن أحواله، لكن حين تجوّلت في أنحائهوعاينته عن قرب توضّحت لي المعالم بشكل أدق، والأمر ينطبق على كل الأطراف حين تتنقّل بين المناطق، وخاصة تلك التي تُصنّف تحت مُسمّى “خطوط التماس”، التي حين نعبرها ندرك الوهم الكبير الذي نعيش فيه.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,