ترسيم الحدود البحرية: بين الصفقات السياسية والمصالح الوطنية

التصنيفات : |
فبراير 22, 2022 10:22 ص

*قاسم قصير

أثارت قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني الكثير من علامات الإستفهام منذ أن أُثيرت قبل حوالي 15 سنة إلى اليوم ، خصوصاً بعد التأكد من وجود النفط والغاز في المناطق الإقتصادية في البحر، وسعي العدو لإستثمار هذه الثروات النفطية وإستغلالها لصالحه.

طبعا، هناك موقف مبدئي اليوم، لدى العديد من القوى والأطراف والشخصيات الوطنية بأنّه لا يجوز التفاوض أصلاً مع سلطات الكيان الصهيوني حول هذه الثروات، وأنّ هذه الثروات هي ملك الشعبين اللبناني والفلسطيني، لكن بالمقابل كان هناك موقف لبناني رسمي يدعو للتفاوض غير المباشر مع العدو الصهيوني لتحصيل حقوقنا، وأن يكون التفاوض إما عبر الأمم المتحدة أو عبر الولايات المتحدة الأمريكية.

وكان أول من تولّى عملية التفاوض من الأمريكيين، المبعوث الأمريكي فريدريك هوف. وتمّت المفاوضات في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي كلّف أحد المسؤولين اللبنانيين تولّي مهمة التفاوض مع المسؤولين القبارصة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وبقية الدول في المنطقة، والتي أدّت إلى التنازل عن قسم كبير من الحقوق اللبنانية، ومن ثم جرى إختراع ما يُسمّى بـ”خط هوف”، الذي يؤدي في حال إعتُمد، إلى خسارة لبنان مساحات كبيرة من حقوقه.

لاحقا، تولّى الرئيس نبيه برّي هذا الملف إلى أن توصّل مع الأمريكيين، قبل حوالي السنتين، إلى إطار للتفاوض عبر الأمم المتحدة، ووضع برّي الملف بيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي شكّل بدوره، وفداً عسكرياً لمتابعة المفاوضات برئاسة العميد بسّام ياسين. وبدأت المفاوضات على أساس خط جديد هو خط 23. لكنّ المفاجأة أنّ الوفد اللبناني وقيادة الجيش -بناء لمستندات قانونية وتاريخية- طالبوا أن تكون المفاوضات وفقاً للخط 29، مما يعني شمول الأراضي اللبنانية “حقل كاريش” الذي بدأ العدو الصهيوني التنقيب فيه، وكان هذا التطور مهماً جداً ومفاجئاً للأوساط اللبنانية كافة والأمريكية والدولية، مما أدى لوقف المفاوضات في عهد الرئيس دونالد ترامب والتي كان يتولّاها المسؤول الأمريكي دايفيد شينكر.

وبعد إنتخاب جو بايدن رئيسا للويات المتحدة الأمريكية، جرى تعيين أموس هوكشتاين مبعوثاً أمريكياً لمتابعة المفاوضات، وكان بعض الجهات اللبنانية يطالب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بإرسال رسالة إلى الأمم المتحدة من أجل تأكيد حقوق لبنان في الخط 29 ولوقف عمل العدو الصهيوني في التنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة المتنازع عليها، وكان الرئيس عون يرفض إرسال الرسالة بحجة عدم وجود حكومة (قبل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي) ولاحقاً بأنّه لا يريد إتخاذ خطوة تؤدي لنسف المفاوضات.

لكنّ المفاجأة الكبرى حدثت قبل عدة أيام، وتمثّلت بالإعلان عن إرسال رسالة من الرئاسة اللبنانية عبر الأمم المتحدة تفيد بالتمسك بالخط 23، ومن ثم ما أعلنه رئيس الجمهورية في حوار صحافي بأنّ حقّ لبنان يبدأ من الخط 23، واعتُبر ذلك تنازلاً عن الخط 29، وقد أثار ذلك ضجة كبيرة في الأوساط اللبنانية، وتحدّث رئيس الوفد اللبناني السابق العميد بسّام ياسين عن خطأ كبير في هذا الموقف، وجرت إعتصامات في بيروت ضد التنازل عن الحقوق اللبنانية، وبُعثت رسائل وعرائض إلى رئاسة الجمهورية للتراجع عن هذا القرار.

وربطت بعض الأوساط السياسية في بيروت بين هذا القرار وبين لقاءٍ جمع كلاً من رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل والموفد الأمريكي أموس هوكشتاين، في ألمانيا قبل أسبوعين، وأنّ موقف الرئيس عون قد يكون هدفه تسهيل إعادة التواصل بين باسيل والأمريكيين بعد أن كانوا قد وضعوا عقوبات على باسيل، ولم تتأكد هذه الأجواء السياسية، حسب مصادر مطّلعة.

وعن موقف الأطراف السياسية من هذه التطورات، فقد عمّ الصمت باستثناء تحذير غير مباشر من كتلة الوفاء للمقاومة (التابعة لحزب الله) من وجود أفخاخ وراء عروض المبعوث الأمريكي، وكان هذا المبعوث قد قدّم مجموعة أفكارٍ لمعالجة المشكلة بين لبنان والكيان الصهيوني ومنها: إقامة شركة مشتركة لإستخراج النفط والغاز من الحقول التي تدور حولها الخلافات، لكنّ الأوساط اللبنانية رفضت هذه العروض.

والخوف الكبير الآن، لدى العديد من الأوساط اللبنانية أن تنتهي مفاوضات ترسيم الحدود البحرية إلى صفقات سياسية لا تكون لصالح لبنان واللبنانيين، وكل ذلك يتطلّب الشفافية العالية في هذه المفاوضات وتحييد الموقف اللبناني الرسمي مما يجري، وأسباب القبول بالخط 23 والتنازل عن الخط 29، كما يتطلّب ذلك مواقف واضحة من كل الأطراف اللبنانية حول هذه المسألة الخطيرة لأنّها تمسّ بحقوق لبنان واللبنانيين جميعا.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,