الفساد يُغلق أبواب انفراج الإقتصاد الفلسطيني وأزمة سيولة خانقة تحوم في الأفق

التصنيفات : |
فبراير 28, 2022 9:48 ص

*رامي سلّوم

أفرغت الإحتجاجات الأخيرة في مدينة الخليل، المشهد الوردي الذي تحاول السلطة الفلسطينية ترويجه عن نجاحاتها الإقتصادية، من محتواه، بعد اعترافها العام الماضي بصعوبة الواقع المالي المُتردّي على لسان مسؤولين رفيعي المستوى في السلطة نفسها.

وتحاول السلطة اليوم، الإضاءة على إنفراجات وهمية ربما جرى تأخير بعضها ليتناسب مع المتطلبات السياسية المطروحة وتحقيق إنتقال سلس للسلطة لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، إبتداءً من المنحة الجزائرية بمائة مليون دولار، وصولاً إلى إعلانات مُضلّلة عن انتعاش إقتصادي مزعوم العام الماضي 2021، وصفه البنك الدولي نفسه بغير المستقر وأنّه يقوم على الإستهلاك بناءً على سنة أساساً منخفضة في العام 2020، والذي عُرف بأسوأ عام على الإقتصاد الفلسطيني بعد سنوات من الركود، لتصل السلطة إلى مرحلة تأجيج الآمال التي حددتها في الشهر الحالي من السنة الحالية بأنّها موعد بداية الإنفراج، بينما تشير التقارير الدولية بأنّها موعد لتباطؤ النشاط الإقتصادي المزعوم، في ظلّ توقعات أزمة سيولة خانقة في المراحل المقبلة.

وعلى ما يبدو، فإنّ انزلاق السلطة الفلسطينية لتحقيق أهداف الاحتلال الإسرائيلي لم ينقذها من واقعها المُتردّي، فقد وصل ميزان العجز إلى 1.4 مليار دولار، في ما عدا ديون البنوك المستحقة التي تُقدّر بنحو 2.4 مليار دولار، مع توقع أن تصل المتأخرات إلى نحو 5 مليارات دولار، واضطرار السلطة لتأمين جزء من التزاماتها من خلال سحب السيولة، الأمر الذي يُهدد بأزمة سيولة خانقة في المرحلة المقبلة.

فشل سياسي

ظهر فشل السلطة السياسي إضافة للإقتصادي جلياً في دعوتها إلى اجتماع المجلس المركزي والذي وضّح الخلافات الجوهرية بين أعضائه، وأظهر عجز السلطة، التي فقدت دورها بوصفها جامعة للأطراف الفلسطينية بسبب استئثارها بالشؤون السياسية والمالية وفشلها في كلا الملفين، وحتى لو كان هذا الفشل عن سابق الإصرار والترصد!.

واعتبر مراقبون أنّ سياسة الإفقار التي اتبعتها السلطة ممنهجة، من خلال الإغداق على أطراف معينة في مقابل تجاهل الواقع المعيشي للشعب الفلسطيني، في ما عدا غرقها في الفساد والإنتفاع والتهاء قياداتها بأمورهم الخاصة ولهثهم وراء تحقيق الأرباح والإثراء على حساب الشعب الفلسطيني، ما أفشلها سياسياً وشعبيا، حيث عجزت عن جمع أطراف المجلس المركزي -الذي لم يحضره إلا من، على ما يبدو، تذوق من مائدة السلطة- وحصل على جزءٍ ولو يسير من كعكة المليارات المهدورة مثل “الديمقراطية” المزعومة.

غزة

وبينما تعجز السلطة عن تأمين متطلبات الإنفاق الرئيسية، فقد عُرفت بموقفها السلبي بل المتآمر خلال الملاحم الشعبية الأخيرة التي أزالت الحواجز المصطنعة بين الأطراف الفلسطينية، خوفاً من تغييرٍ إيجابي في المعادلات يفقدها الرضى الإسرائيلي، كما قد يخلق قيادات ومؤثرين جدد على الساحة يُنغّصون عليها استئثارها بالسلطة، لتبقى هي في صف الاحتلال الإسرائيلي وتزيد الحصار على قطاع غزة الذي يمر بواحدة من أصعب الأزمات الإنسانية في العالم، وفقاً لتقارير أممية.

حيث تشترط السلطة مرور المساعدات الأممية المزمع إرسالها إلى غزة، عن طريقها، جنباً إلى جنب مع الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يُمثل وفقاً لمراقبين ذروة الإفتراء السياسي من جهة، وذروة الفساد والطمع في مزيد من العقود لزبانيتها من جهة أخرى، خصوصا أنّ تلك المساعدات تتعلق بشؤون حيوية وبنى تحتية أساسية مثل الكهرباء وشبكة المياه والإعمار والمشافي والمدارس وغيرها، ما يجعلها مطمعاً للمتنفعين.

فساد

يؤكد أكثر من 85% من الفلسطينيين فساد السلطة في مختلف الجوانب، إبتداءً من الجانب الإداري إلى الجانب الأمني والإقتصادي، ويؤكدون على أنّ الفساد المنظم أبعدَ أي طرح تنموي، من خلال الإستئثار بالوظائف، وسكب الأموال على الجهات الأمنية مثل الأمن الوقائي وغيره، وتعيين المُوالين في مناصب حساسة بمعزل عن كفاءاتهم، وبرواتب وأجور ومكافآت تصل إلى نحو 10 آلاف دولار شهريا، ومنح المشروعات والإستثمارات وحقوق الإستيراد وغيرها لأشخاص محددين لتشبيك السلطة السياسية والإقتصادية والأمنية التي تعيش في قصرها العاجي بعيداً عن شعبها ومتطلباته الوطنية والمعيشية على حد سواء.

تبرير

حاولت السلطة إستغلال تداعيات إنتشار فايروس كورونا وضرره على الإقتصاد العالمي، إضافة لموجة التضخم الحالية لتبرير فشلها، وإجترار صكوك براءة لسياساتها الإقتصادية المشبوهة التي أوصلت السلطة وزبانيتها إلى الإثراء الفاحش على حساب التنمية، في ما عدا إشاعة الفساد وتنظيمه، ليصبح إقتصاداً مظللاً بحماية السلطة، سواء في توزيع المناصب والنفوذ والصفقات، وصولاً لأموال المساعدات والجمعيات وغيرها.

لا يعتبر الوضع الإقتصادي المُتردّي في مناطق السلطة الفلسطينية جديداً وليس له علاقة واضحة بتداعيات إنتشار فايروس كورونا، خصوصاً أنّ ابتعاد السلطة عن التنمية، أفرغ الإقتصاد الفلسطيني من ممكنات النمو، فالسلطة بقيت مستهلكة تعتمد على المساعدات التي يتمّ هدرها في الفساد المنظم والإثراء غير المشروع من خلال مشروعات وهمية يقودها أقرباء لأعضاء السلطة، وفقاً لبيانات إعلامية مؤكدة، إضافة إلى توزيعها على شراء الذمم.

فالسلطة الفلسطينية خسرت أكثر من 58% من أموال المساعدات حتى عام 2018، أي قبل ظهور فايروس كورونا وأعباء التضخم العالمي، وذلك بسبب فشل سياستها العامة والتماهي مع العدو الإسرائيلي وتطبيق إتفاقيات مجحفة من جهتها وحدها من دون تشكيلها أي ضغوط تُذكر على سلطات الاحتلال لتحقيق إختراقات ونتائج لصالحها وصالح الشعب الفلسطيني.

مساعدات سياسية

تظهر التداعيات واقع الفشل السياسي الذي أدى إلى تعزيز الوضع المعيشي المُتردّي، حتى ولو شكّلت الأوضاع الإقتصادية سبباً في توقف المساعدات، غير أنّها مساعدات في باطنها ليست إنسانية بل سياسية، ونادراً ما يتمّ توقيفها في حال الشعور بأنّها قد تُشكّل قلقاً سياسيا، غير أنّ تورط السلطة في ملفات فساد برعاية إسرائيلية أحيانا، أو على الأقل معرفة إسرائيلية، وذلك من خلال الأموال التي يتمّ تحويلها وإيداعها تحت نظر المخابرات الإسرائيلية، جعلتها في متناول اليد، وباتت المساعدات عبارة عن أموال ابتزاز للشارع الفلسطيني وشراء لذمم المتعاونين مع السلطة وغيرها من الأساليب المنحرفة البعيدة عن التنمية، وهو ما جعلها بالتالي عطاءات تُقدّم للسلطة وفقاً لخدماتها.

البنك الدولي

تنشر الوكالات الإعلامية التي تدور في كنف السلطة بيانات مضللة ومجتزأة عن تقارير دولية وعلى رأسها البنك الدولي حول تحسن الواقع المالي، من دون استكمال بقية الإيضاحات في التقرير، فضلاً عن نشرات مستمرة لأرباح البنوك الفلسطينية التي لا تتعدى أرباح “بقاليات” ومشروعات صغيرة، في ما عدا عن واقع قراءة أرقام الأرباح، وهل تمّ اقتطاع تكاليف الدخل التشغيلي منها، وغيرها من المصروفات، أو اعتمدت على تقليص النفقات وبالتالي الإستغناء عن بعض الوظائف، والعديد من المتطلبات المصرفية الأخرى قبل نشرها!.

ومن جانبه، قال البنك الدولي: “إنّ الإقتصاد الفلسطيني بدأ يظهر بعضَ علامات التعافي” على حد وصفه، لكنّه أشار أيضاً إلى أنّ الواقع الإقتصادي الحالي تشوبه حالة من عدم اليقين وصعوبة استشراف آفاق المستقبل في ضوء محدودية مصادر النمو المستدامة.

كما أظهر تقرير المراقبة الإقتصادية الفلسطينية أنّ قطاع غزة ما زال يعاني أوضاعاً إقتصادية بالغة الشدة، مع الإرتفاع الكبير في معدلات البطالة وتدهور الأحوال الإجتماعية.

ويُسلّط التقرير الضوء على التحديات الجسيمة التي يواجهها الإقتصاد الفلسطيني بوجهٍ عام، حيث بيّن المدير والمُمثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية كانثان شانكار أنّ:” النمو الحالي الذي يقوده الإستهلاك في الضفة الغربية يُعزَى إلى انتعاشٍ إنطلق من سنة أساساً منخفضة في عام 2020.

كما يفتقر الإقتصاد الفلسطيني، وفقاً لشانكار إلى مُحركات النمو التي تُفرز آثاراً إيجابية مُستدامة على الإقتصاد وظروف المعيشة، مُبيّناً أنّ المسار القادم لا تزال تخيم عليه حالة من عدم اليقين، ويتوقف على اتخاذ كل الأطراف جهوداً مُنسَّقة لإنعاش الإقتصاد وتوفير فرص العمل للشباب”.

وتستهلك السلطة بيانات البنك الدولي التي تشير إلى نمو بنسبة 5.4% في الإقتصاد الفلسطيني للإيحاء بفاعليتها، غير أنّ التقرير نفسه يتوقع انخفاض في هذا النمو إلى 3% العام الجاري 2022، كونه جاء من سنة أساساً منخفضة في العام 2020، كما يفقد هذا النمو عناصر الإستدامة كونه مبنياً أساساً على نتائج الإستهلاك وليس الأعمال. 

عجز

فقدت السلطة الفلسطينية قدرتها على الضغط على العدو الإسرائيلي بسبب فقدها لشارعها وإرتباطها مع الكيان بالعديد من الإتفاقيات وصفقات الفساد التي جعلتها أداة مطواعة تُنفّذ أوامر العدو فقط.

فلم تقُم السلطة الفلسطينية بأي ضغط تجاه الإقتطاعات الإسرائيلية التي وصلت إلى نحو 50 مليون دولار ضمن ما يُعرف بإيرادات المقاصة، على الرغم من الحاجة البالغة للأموال ضمن الظروف الحالية وميزان العجز المتضخم، وتجاهل سلطة العدو سداد المبالغ المترتبة للفلسطينيين.

الواقع الإقتصادي

من المتوقع أن تصل المتأخرات على السلطة إلى نحو 5 مليارات دولار العام الجاري، مع وجود متأخرات بقيمة 1.4 مليار دولار، فضلاً عن ديون البنوك المحلية التي تُقدّر بنحو 2.4 مليار دولار، ما أفقدها القدرة على الإقتراض لإنقاذ ماء وجهها، وباتت عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من نفقاتها وفقاً لتقارير أممية، فقد وصل التراجع في الإقتصاد إلى نحو 11.5% العام 2020 وهو مستمر حتى اليوم، وهو الإنخفاض الأعلى منذ الاجتياح الإسرائيلي عام 2002 الذي وصل فيه التراجع إلى نحو 14.5%، الأمر الذي يُبيّن جلياً الواقع الحقيقي الذي تقف عليه السلطة وممارساتها الساذجة على جميع المستويات.

وجميع ما سبق لا يوحي ببوادر إنفراج قريبة، فالواقع يؤكد حاجة السلطة إلى سحب مزيد من السيولة للإيفاء بالتزاماتها، وتأمين متطلبات الإنفاق الرئيسية، الأمر الذي سيضطرها لمزيد من سحب السيولة المتناقصة أساسا، وخطر تضخم أزمة السيولة الحالية في ظلّ إبتعاد آفاق الحل وعدم وجود  موارد حقيقية تستند عليها لتأمين متطلباتها المالية، حيث لم تسعَ السلطة خلال سنوات استئثارها بالحكم من مختلف الجوانب إلى خلق عوامل تنمية إقتصادية، أو إيجاد موارد مُستدامة على الرغم من يقينها بأنّ واقع المساعدات لن يستمر إلى الأبد!.

الرخاء

وعلى الرغم من أنّ سياسة الرخاء الإقتصادي أو على الأقل الكفاية الإقتصادية تُمثّل نهجاً أرادته السلطة الإسرائيلية وقيادات الاحتلال بناءً على نظرتها بأنّ الرخاء الإقتصادي يُعزّز الإستقرار السياسي ويمنع الإحتجاجات والمظاهر المُسلحة ضد الاحتلال.

 غير أنّ السلطة استغلّت كل ذلك لصالح أفرادها، وعزّزت تواجد جماعات من المنتفعين على حساب إفقار الشعب الفلسطيني، حيث شكّلت لوبي سياسي، أمني، إقتصادي وإعلامي، يُمكّنها من الإستمرار في ظلّ أجواءٍ قمعية، وإتفاقيات أمنية مع العدو الاسرائيلي تُجهض أي نشاط مقاوم، وربما يكون في باطنه رافضاً لتلك السياسات، ليتمَّ قمعه مباشرة بذريعة الإتفاقيات الأمنية التي لم تُثمر شيئاً لصالح الفلسطينيين سوى مزيداً من الضغط والتنكيل.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,