في مخيّماتنا الإنتماء للفصيل أسمى من القضية

التصنيفات : |
مارس 5, 2022 11:19 ص

*محمد طوراني

في تحليل أوّلي للحالة الأمنية والإجتماعية والإقتصادية المعقدة داخل مخيّمات لبنان، يتّضح لنا أنّ القضية وتحرير الوطن السليب والإستقلال الوطني الناجز والتام.. هي الأهداف النهائية والأساسية لجميع أبناء الشعب الفلسطيني بأطيافه مجتمعة وتشكيلاته السياسية والحزبية والعقائدية، مع اختلاف النهج الذي يتّبعه كل فصيل أو حزب أو جماعة في اختيار طريق العودة.

هذا الإختلاف في الرؤية والأسلوب أدّى إلى ظهور فئات وأفراد داخل الفصائل مستفيدين من  حالة الإنقسام التي أصبحت معضلة كبرى فشلت المحاولات العديدة لإنهائها.

هذا الإنقسام وتبعية الأفراد شكّلا فتيل الخلاف المتأصل في المخيّمات وأدّيا بالنتيجة إلى عدم الإستقرار الأمني وارتداداته على جميع مكونات المخيّم المجتمعية.

فالخلاف السياسي بين قوى المقاومة الفلسطينية أصبح متجذّراً في أذهان العديد من الفلسطينيين داخل مخيّمات الشتات، وتسبَّب بعداوة وكره بين الأهالي على خلفية إنتمائهم الفصائلي، بالرغم من أنّ المخيّم يشكّل البيئة الحاضنة لهموم اللاجئين وعيشهم المرّ وصمودهم أيضا.

شهدنا في الآونة الأخيرة أحداث مخيّم البرج الشمالي، التي أعادت هذا المشهد إلى الواجهة،  وتابعنا على صفحات السوشال ميديا تعليقات كثيرة لأشخاص يدافعون عن التنظيم لا عن الضحايا الذين سقطوا فداء، ليس لفلسطين بل للفتنة التي عزّزتها إنقسامات البيت الواحد. وكان من تبعات هذه الجريمة تزعزع الأمن والإستقرار والخشية من تحوّل المخيّم الى منطقة إشتباكات بين أطراف النزاع ومناصريهم.

فهل أصبح الإنتماء أسمى من القضية، أم أنّ تردّي الأوضاع الإقتصادية تدفع بالغالبية إلى “التزلّم” لصالح هذا أو ذاك طمعاً بـ”الفريش دولار”، وللتذكير فإنّ هذه القوى السياسية والفصائل الفلسطينية قد تأسّست على فكرة النضال في الداخل وفي مخيّمات الشتات بهدف تحرير فلسطين.

ينتمي العديد من أبناء شعبنا إلى القيادات الحزبية وإن كانت على خطأ مُبين، ويصبح الإختلاف بالرأي أمراً غير مقبول ويُحمّل صاحبه تهمة الخيانة وحتى العمالة، لتبدأ النزاعات التي قد تصل إلى الإقتتال، بين أهالي البيت الواحد والحارة الضيقة والمخيّم البائس. وتتبعها محاولات إلحاق الأذى بشتى الطرق الممكنة مستندة على عصبيات الجهل، ومصدّرة للعالم الخارجي مشاهد العنف والفئوية البغيضة، ولا يكفي رفع الأعلام ورايات الفصائل التي ترسم حدود كل تنظيم أو فصيل في المخيّم في ظل غياب شبه تام للعلم الفلسطيني. 

فهل أصبح الإنتماء أسمى من القضية، أم أنّ تردّي الأوضاع الإقتصادية تدفع بالغالبية إلى “التزلّم” لصالح هذا أو ذاك طمعاً بـ”الفريش دولار”، وللتذكير فإنّ هذه التنظيمات والفصائل الفلسطينية قد تأسّست على فكرة النضال في الداخل وفي الشتات بهدف تحرير فلسطين.

إنّ التجاذبات الفصائلية التي يترجمها المشهد الدموي الذي شهدناه في أحداث مخيّم البرج الشمالي، يدقّ ناقوس الخطر على كل المشهد الفلسطيني داخل المخيّمات

لذلك، كلما ابتعدت فصائلنا عن الوحدة الوطنية والإتفاق على برنامج موحّد للعمل المشترك، كلما زاد التباعد وتكرّس نهج التمسّك بالمكاسب الفئوية للأطراف المتنفّذة والمُمسكة بساحات وأُطر العمل الوطني الفلسطيني بعيداً عن أهداف وطموحات شعبنا ومصالحه الوطنية العليا.

إنّ التجاذبات الفصائلية التي يترجمها المشهد الدموي الذي شهدناه في أحداث مخيّم البرج الشمالي، يدقّ ناقوس الخطر على كل المشهد الفلسطيني داخل المخيّمات بما يدفع العديد من الأصوات والجهات للدعوة إلى إيجاد حل جذري للاجئين في لبنان، ويطرح بعض الشعارات لإنهاء قضيتهم بشكل يتساوق مع أهداف أمريكا ومن خلفها “إسرائيل” لتصفية قضية اللاجئين، وبالتالي حقّ العودة إلى فلسطين.

وتتصدّر أوضاع المخيّمات، التي جرت فيها الأحداث الدموية، كإحدى أهم الأسباب لهذه البرامج التي ترفع شعار اللجوء الإنساني أو نقل ملفات اللاجئين من أروقة الأنروا إلى مفوضية اللاجئين التي أصبح لديها نشطائها وأطرها داخل المخيّمات، والهجرة الواسعه التي نشهدها منذ سنوات خير دليل على انحراف القضية عن مسارها والنضال من أجل الولاءات وليس من لأجل البلاد.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,