حتى لا تكون المؤسسات الأهلية الوطنية ضحية العجز والتخاذل

التصنيفات : |
مارس 11, 2022 9:37 ص

*أحمد الطناني – غزة:

لم تدم طويلاً حالة التضامن الصاخبة والواسعة رسمياً وفصائلياً وشعبياً مع المؤسسات الـ6 التي صنّفها وزير حرب الاحتلال بيني غانتس كمؤسسات “إرهابية”، فبعد موجة البيانات والتصريحات المنددة والمتضامنة مع المؤسسات المستهدَفة، لم يقم أي طرف بخطوة عملية، بل على العكس تُركت هذه المؤسسات ومعها العديد من المؤسسات الوطنية وحدها في المواجهة ضد هجمة يستخدم بها الاحتلال كل أدواته، بدءاً من آلته الحربية، مروراً بأجهزة مخابراته وإعتقالاته التعسفية، وليس انتهاءً بمؤسساته الحكومية ومنظومته الإعلامية ولوبياته في الدول المانحة لمحاصرة وخنق هذه المؤسسات التي تُركت بلا نصير أو خطوات إسنادية حقيقية.

إستند الاحتلال، في إدعائه بارتباط المؤسسات المستهدَفة بتنظيمات المقاومة الفلسطينية، إلى التقارير التحريضية التي يصدرها ما يُسمّى بـ”مراقب الجمعيات” الصهيوني NGO Monitor  وإلى ملف “سري” لدى أجهزة أمنه

إستهداف متواصل

بالرغم من أنّ الاحتلال قد أعلن في 22 تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي عن قراره بتصنيف المؤسسات الـ6 بالإرهاب، وهو ما لا ينتج عنه محاصرتها وإغلاق مقراتها وتجميد أموالها فقط، بل يتعدى كل هذا إلى اعتبار أنّ العمل في هذه المؤسسات هو تهمة تستوجب الإعتقال والمحاكمة وفق القانون الصهيوني، إلا أنّ هذا القرار لم يكن بداية الملاحقة، بل هو خطوة من سلسلة خطوات بدأت منذ سنوات في محاصرة المؤسسات الوطنية، وبشكل خاص تلك المؤسسات التي ترفض التمويل المشروط وترفض التوقيع على وصم النضال الوطني الفلسطيني بالإرهاب، وتنشط في توثيق جرائم الاحتلال وتعزيز صمود الشعب في مواجهة آلة البطش الصهيونية، فشواهد الملاحقة والحصار كثيرة.

إستند الاحتلال، في إدعائه بارتباط المؤسسات المستهدَفة بتنظيمات المقاومة الفلسطينية، إلى التقارير التحريضية التي يصدرها ما يُسمّى بـ”مراقب الجمعيات” الصهيوني NGO Monitor  وإلى ملف “سري” لدى أجهزة أمنه، يدّعي الاحتلال أنّه يُثبت هذه العلاقة المزعومة، وبجولة سريعة على تقارير هذا “المراقب” الكيدية، تجد أنّ الإستهداف لم ولن يقتصر على المؤسسات الـ6 بل هو يستهدف كل مؤسسة أهلية فلسطينية تحمل توجّه وطني، فالإستهداف يطال العاملين فيها وصفحاتهم على منصات التواصل الإجتماعي وأراءهم وعلاقاتهم الشخصية ومواقفهم من مختلف القضايا، بل إنّها تلاحق حتى الناشطين في حركة المقاطعة BDS والأسرى المحررين، وترصد تمويل هذه المؤسسات وتخاطب الممولين وترسل لهم التقارير التحريضية المبنية على افتراءات ومحاكمة للأشخاص على آرائهم الشخصية وتوجّهاتهم الوطنية.

لم تعمل المؤسسة الرسمية  الفلسطينية على إعداد خطة لمواجهة هذه القرارات وحماية المؤسسات من الإستهداف المباشر الذي وصل إلى إغلاق المقرات بالقوة من قبل جيش الاحتلال

مساندة شكلية دون أي خطوات عملية

فور صدور القرار المذكور واشتداد حملة الملاحقة والتحريض على المؤسسات، انبرت المواقف تتوالى في مساندة المؤسسات ورفض القرار، بدءاً من رئيس السلطة الذي التقى بالمؤسسات المستهدَفة مروراً برئيس وزرائه ووزارة خارجيته وليس انتهاءً بالمواقف الفصائلية على اختلافها والشعبية الواسعة، إلا أنّ هذه التصريحات لم تغادر كونها استهلاك إعلامي دون ربطها بأي خطوات عملية.

فلم تعمل المؤسسة الرسمية  الفلسطينية على إعداد خطة لمواجهة هذه القرارات وحماية المؤسسات من الإستهداف المباشر الذي وصل إلى إغلاق المقرات بالقوة من قبل جيش الاحتلال، مقرات تقع في قلب المناطق التي تخضع للسيطرة الأمنية للسلطة وفي مدينة رام الله على وجه الخصوص.

ولم تعمل وزارة الخارجية وأذرعها على مواجهة خطاب التحريض ومراسلة الممولين والدول المانحة لتفنيد التقارير التحريضية ومساندة المؤسسات، ولم تُشكّل وزارة ماليتها وسلطة النقد أي شبكة أمان لها من الإستهداف والتعرّض لحسابات المؤسسات وتمويلها، ولم تعطِ أي توجيهات واضحة للمصارف الفلسطينية حول شكل التعامل مع هذه المؤسسات وغيرها ممّن قد يطالهم الاحتلال بقراراته، لذا لم تُمثّل هذه التصريحات إلا ضجيجا.

لا يمكن توصيف هذا التخاذل في إسعاف القطاع الأهلي الوطني إلا بأنّه تواطؤ مباشر أو غير مباشر في تصفية ومحاصرة هذا القطاع الحيوي والمهم، والأيام القادمة إن لم تحمل خطوات إسنادية حقيقية وملموسة فسيبقى هذا الإتهام شاخصاً بحقّ كل من لم يُقدّم إسهاماً حقيقياً في دعم المؤسسات.

الإستهداف يتوسّع ويتصاعد

لم يتوقف الإستهداف على التحريض والتصنيف بـ”الإرهاب” حيث بدأ الممولون بإيقاف تمويلهم لمشاريع المؤسسات الوطنية، بل وصعّبوا شروط التمويل على المؤسسات الوطنية الأخرى وازداد نشاط الفحص في الخلفية للعاملين في المؤسسات بالقوائم “السوداء” التي تُعدّها أجهزة المخابرات العالمية.

بدأت المصارف الفلسطينية بتنفيذ مجموعة من الخطوات مثل التضييق على المؤسسات وتأخير ومماطلة معاملاتها المالية ورفض معاملات أخرى، فلمصلحة من يعمل هؤلاء؟!.

إنّ الخطوات التي اتّخذها الاحتلال والممولين قد تكون متوقعة، لكن من غير المتوقع والصادم هي الخطوات التي أخذتها المصارف الفلسطينية مؤخراً حيث بدأت بإرسال تحذيرات للمؤسسات المستهدَفة وغيرها من المؤسسات صاحبة المواقف الوطنية بأنّ حساباتهم مُعرّضة للتجميد وأن البنوك لن تأخذ أي موقفٍ منحازٍ للمؤسسات الفلسطينية، وأنّ قرار الاحتلال مُلزم لها!! وبدأت بتنفيذ مجموعة من الخطوات مثل التضييق على المؤسسات وتأخير ومماطلة معاملاتها المالية ورفض معاملات أخرى، فلمصلحة من يعمل هؤلاء؟!.

لقد بدأت بعض المؤسسات المستهدَفة فعلياً بتسريح العاملين فيها، وأنذرت أخريات العاملين فيها بقرب هذا المصير لعدم وجود تمويلٍ كافٍ لتغطية النفقات الرئيسية للمؤسسات، وبدأت برامجها المهمة والحيوية بالتوقف عن خدمة الآلاف من أبناء شعبنا وفي مقدمتهم الفقراء والمسحوقين الذين فقدوا الخدمات الطبية والزراعية والتنموية ورعاية الأطفال والمرأة، التي كانت تُقدمها هذه المؤسسات.

خطوات إسعافية وشبكة أمان للمؤسسات

حتى لا نسمح بذبح المؤسسات الأهلية على خلفية موقفها الوطني ومساهمتها في تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني في وجه آلة القتل والبطش الصهيونية، يجب أن يتحرك الكل الفلسطيني على اختلاف مستوياته رسمياً وفصائلياً وشعبيا، وبكل قطاعاته الحكومية والخاصة والأهلية لتقديم خطوات مسانِدة حقيقية وملموسة تمنع انهيار القطاع الأهلي الوطني وتحميه من الهجمة الصهيونية الواسعة. وفي هذا السياق، أُقدّم مجموعة من المقترحات لصانعي القرار وهي على الشكل التالي:

  • الإعلان عن إطلاق مؤسسة وطنية بتمويل حكومي تختص في التصدي للتحريض الصهيوني على المؤسسات الأهلية الفلسطينية وتفنيد تقاريره الكيدية، وتقديم تقارير حول المؤسسات الصهيونية الناشطة في تمويل الإستيطان والتعبئة الصهيونية المتطرفة وتدعم نشاطات جيش الاحتلال.
  • إطلاق صندوق وطني لتمويل المؤسسات والبرامج الوطنية للمؤسسات الأهلية الفلسطينية يُشكل شبكة أمان مالي للمؤسسات، في وجه الهجمة الساعية لتجفيف مصادر تمويلها وإجهاض دورها.
  • إتّخاذ إجراءات عقابية من قِبل سلطة النقد بحقّ المصارف التي تتواطأ مع الاحتلال وتأخذ إجراءاتٍ تستهدف المؤسسات الفلسطينية، وإلزامها باستمرار تقديم خدماتها لهذه المؤسسات.
  • تقديم تمويل إسعافي من موازنة السلطة للمؤسسات المستهدَفة يؤمّن العاملين فيها ويضمن استمرار عمل برامجها الرئيسية.
  • مخاطبة الممولين والمانحين في الدول الصديقة لتوجيه التمويل للمؤسسات المستهدفة بهدف الحفاظ على برامجها.
  • تخصيص جزءٍ من التمويل المُقدّم من صناديق القدس والأقصى العربية للمؤسسات الأهلية الفلسطينية.
  • إطلاق حملة شعبية واسعة في الوطن والشتات لجمع التبرعات للمؤسسات المستهدَفة لضمان ديمومة عملها وتعزيز صمودها في وجه الهجمة.
  • تشكيل فريق قانوني متخصص في القانون الدولي يتابع الدعوات المرفوعة على المؤسسات في الدول المانحة من قبل اللوبي الصهيوني ويتصدى لها.
  • تعزيز التكافل المؤسساتي من المؤسسات التي تتمتع بقدرات مالية قوية مع المؤسسات المستهدفة وإشراكها في مشاريعها.
  • توجيه مساهمة القطاع الخاص المجتمعية باتجاه المؤسسات المستهدَفة.
  • تدويل قضايا اعتقال المدراء والعاملين في المؤسسات الأهلية والذين لم يُثبت الاحتلال عليهم حتى الآن أي تهمة من ادعاءاته، وتحويل قضاياهم إلى قضايا رأي عام دولي.

هذه الأفكار وغيرها قد تساهم في تعزيز صمود المؤسسات المستهدَفة، والحفاظ على ديمومة عمل القطاع الأهلي الوطني وتشكيل شبكة أمان له في وجه الهجوم الصهيوني الكبير، الساعي لتدجين القطاع الأهلي الفلسطيني وعزله عن أي دور وطني، ومعاقبة كل المؤسسات التي لا تنصاع لعملية التدجين، فإن لم يتمّ التحرك سريعاً ستكون هذه المؤسسات ضحية للعجز والتخاذل، يكسب فيها الاحتلال نصراً مريحاً على حساب شعبنا وقضيته الوطنية.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,