الحرب الروسية – الأوكرانية تكشف العنصرية الصهيونية تجاه أغيار أوروبا

التصنيفات : |
مارس 12, 2022 8:19 ص

*سنان حسن

على الرغم من أنّ كل المعطيات تُشير إلى أنّ المستفيد الأول من نزوح آلاف الأوكرانيين من ديارهم ومنازلهم بفعل العملية الروسية لحماية الدونباس، هو كيان الاحتلال الإسرائيلي، من خلال استقطابه آلاف اليهود الأوكران وحتى الروس للعيش في مستوطناته في فلسطين المحتلة، إلا أنّ الوقائع على الأرض تؤكد عكس ذلك، من حيث قلة عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين تمّ استقطابهم حتى الآن، وذلك بسبب الإجراءات التي فرضتها وزارة الداخلية الإسرائيلية لدخولهم إلى الكيان، بداية من الشروط المالية التي وصلت إلى إيداع عشرة آلاف شيكل وليس انتهاءً بأصل اللاجئ الأوكراني اليهودي ونسبه (أن تكون جَدّته يهودية) وإلا فلا مكان له في “إسرائيل”، الأمر الذي أدى إلى حالة من الإمتعاض من قِبل الأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام بسبب تعاطي الحكومة مع هذا الملف، في ما وصفه البعض الآخر بـ”العنصرية الإسرائيلية” التي لم تتخلَّ عنها يوماً قيادات الحركة الصهيونية، حتى مع اليهود أنفسهم.. ولا أدلّ على ذلك ما جرى ويجري ليهود الفلاشا(1).

“دولة تمنع الذين يتولون بإخلاص رعاية المسنين فيها والذين ينظفون بيوتها، من إحضار أبناء عائلاتهم من أجل إنقاذ حياتهم، هي دولة غير أخلاقية بوضوح. وتُلقي ظلم الآباء على الأحفاد وأحفاد الأحفاد”

كتب جدعون ليفي في جريدة هآرتس: “كم كان سيكون جميلاً لو أنّ “إسرائيل” تصرفت مثل بولندا الظلامية أو هنغاريا المظلمة، ولا نريد الحديث عن السويد وألمانيا، التي هي النور الحقيقي للأغيار(2)، وفتحت أبوابها مثل هذه الدول. هناك التزام لإسرائيل باللجوء، ليس فقط بسبب ماضيها، بل بشكل خاص بسبب المجتمع الأوكراني الكبير في “إسرائيل” من العمال الأجانب. دولة تمنع الذين يتولون بإخلاص رعاية المسنين فيها والذين ينظفون بيوتها، من إحضار أبناء عائلاتهم من أجل إنقاذ حياتهم، هي دولة غير أخلاقية بوضوح. وتلقي ظلم الآباء على الأحفاد وأحفاد الأحفاد” .

أما إفتتاحية هآرتس، فقد شبّهت ما يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بالعار وسياسته بسياسة “بيت هيلل” (هذه السياسة التي ترمي إلى حماية طهارة الدين اليهودي تُلزم كل واحد من اللاجئين بأن يُثبت بأنّ له قريباً إسرائيلياً يدعوه. وإذا لم يكن مثل هذا حاضراً فعليه أن يُثبت بأنّه لن يستقرَّ في البلاد. إضافة إلى ذلك، الطلب من المضيف، إن لم يكن من درجة قربى أولى، أو أن يودع عند اللاجئ كفالة بمبلغ 10 آلاف شيكل ويتعهد بأن يُخرج الضيوف من الدولة في غضون شهر. فإذا كان هذا بيت هيلل، فمشوق أن نعرف ما هو نهج بيت شماي(3)).

“أليس من الأولى استقدام هؤلاء الأوكران وطرد العرب الذين ليسوا يهوداً مثلنا”

في ما قامت بعض الأصوات المنتقدة بإجراء مقارنة بين اليهودي الأوكراني الأبيض الذي لم يُثبت نسبه إلا من أمه وبين عرب الـ 48 الذين يقطنون في “دولة إسرائيل” ويحظون بدعهما وخدماتها، معلنةً “أليس من الأولى استقدام هؤلاء الأوكران وطرد العرب الذين ليسوا يهوداً مثلنا”.

أكثر من ذلك، فقد انتقل الإنتقاد للإجراءات التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، إلى السياسة التي تنتهجها حكومة نفتالي بينيت في عدم مجاهرتها بدعم مباشر وعلني لأوكرانيا ورئيسها اليهودي فلاديمير زيلنسكي، باستحضار ملف العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، متسائلة: “هل العلاقة مع أناس من غير جلدتنا ولا نشبههم بشيء، مفيد حاليا، أم أنّ دعم اليهود الأوكرانيين وحمايتهم واستقبالهم في “إسرائيل”؟”.

وفي السياق، يقول ناحوم برنياع في افتتاحية يديعوت أحرونوت: “إنّ وزيرة الداخلية آييلت شاكيد ليست وحدها. إيفات ليبرمان هو أحد السياسيين الأقوى في “إسرائيل”. هل هو مع إبن من ضائقة ناخبي حزبه، إسرائيل بيتنا، ممن هاجروا من أوكرانيا؟ هل يائير لابيد الذي لا يُفوّت فرصة ليذكر بأنّه إبن لناجين من الكارثة، نسي الدرس؟ وأين فرسان حقوق الإنسان من حزب ميرتس(4)، ممن هددوا بتفجير الحكومة بسبب قانون المواطنة. هل حساسية “ميرتس” لحقوق الإنسان محصورة في الوسط العربي؟ فالمصيبة البشرية التي أوقعها الغزو الروسي على أوكرانيا هي تحدٍ مرة واحدة في الجيل. وهي تتطلب رأسا مفتوحا، قلباً واسعاً ويداً سخية. هي تتطلب فهماً تاريخيا. مشكوك أن يكون وزراء الحكومة الحالية يستوفون متطلبات العطاء”.

من جديد تكشف الحرب الروسية – الأوكرانية النزعة العنصرية المقيتة التي يعتاش عليها المجتمع الإسرائيلي، حتى في التعامل مع اليهود، والذين من المفترض أن يروا في “إسرائيل” وطنهم الأول. وتؤكد أيضاً أنّ ادعاءهم وحديثهم عن الحريات في مجتمعهم، والديمقراطية.. ما هو إلا لكسب المزيد من التعاطف، وأنّهم في الحقيقة تجمُّع لقطعٍ ممزقة لا تجانُس بينها، وأنّ النزعة الإستعلائية والتمييز العنصري هو الحاكم.

*كاتب سوري

(1) هي الكنية العبرية ليهود بيتا إسرائيل (يهود الحبشة) معظمهم حالياً من أصول أثيوبية، وهي السلالة التي تركت التعاليم الدينية أو تحولت إلى المسيحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سواء كان ذلك التنصر طوعاً أو إكراها. هذه الجماعة وافقت على قرار 2948 للحكومة الإسرائيلية في عام 2003 بعدها هاجروا إلى إسرائيل، بموجب قانون الهجرة إلى إسرائيل، حظيت هجرة جماعة الفلاشا باعتراف واعتماد من قضاة الهالاخاه ، إلا أن هناك من بينهم معارضين ومعظمهم علمانيين في مسألة الهوية اليهودية التي تزداد بانتظام.

(2) مصطلح ديني يهودي يطلقه اليهود على غير اليهود. لا يوجد موقف موحَّد من الأغيار في الشريعة اليهودية، لكنّ الصهاينة يعتبرون العربي على وجه العموم، والفلسطيني على وجه الخصوص ضمن الأغيار، حتى أنّ الزواج من الأغيار، غير مُعترَف به في الشريعة اليهودية، ويُنظَر إلى الأغيار على اعتبار أنّهم كاذبون في بطبيعتهم، ولذا لا يؤخذ بشهاداتهم في المحاكم الشرعية اليهودية، ولا يصحّ الإحتفال معهم بأعيادهم إلا إذا أدَّى الإمتناع عن ذلك إلى إلحاق الأذى باليهود.

(3) حاخام فريسي من معلمي المشناه (تنائيم)، تَرأَّس هو وهيلل السنهدرين. له مدرسة في التفسير أُطلق عليها “بيت شماي”، إشتهرت بتعنتها. وقد عارض شماي “مبدأ النية”، وهو المبدأ القائل بأنّ موقف الشرع من أفعال المرء يتوقف أيضاً على نواياه. والواقع أن تشدُّده كان نتيجة خوفه على اليهود من الإندماج في الشعوب الأخرى. ويُقارَن بيت شماي عادةً ببيت هيلل في الأدبيات الدينية اليهودية، وقد كُتبت الغلبة لمدرسة هيلل في نهاية الأمر في المدارس الدينية اليهودية إلا أنّ ذلك لا يمنع من إيراد العلماء رأي مدرسة شماي للمقارنة من حين لآخر.

(4) حزب يساري صهيوني يهودي عربي إجتماعي ديموقراطي سلمي، يسعى للسلام من خلال تسوية تعتمد على العودة إلى حدود الخط الأخضر، وتعزيز المساواة الإجتماعية والإقتصادية من خلال دعم الطبقات الضعيفة.


وسوم :
, , , , , , , , , ,