“جواز السفر الفلسطيني”: حقٌّ يُراد به باطل

التصنيفات : |
مارس 16, 2022 9:52 ص

*رامي سلّوم

في الوقت الذي تُواصل فيه “إسرائيل” سياستها القائمة على التوسّع والإستيطان وتفريغ المدن والبلدات الفلسطينية من قاطنيها، ضمن ما يُعرف بسياسة الترانسفير التي تنتهجها منذ النكبة، يتخوّف محللون ومراقبون فلسطينيون من استغلال الاحتلال الأوضاع المعيشية الصعبة في بلدان اللجوء العربية ومنها سوريا ولبنان وغيرها من الدول، لتفريغ الفلسطينيين من تلك الدول، والقتل الصامت لحقّ العودة من خلال تسهيل هجرة الفلسطينيين منها إلى أوروبا بحثاً عن سبل معيشية أفضل.

في الوقت الذي يُشكّل توجّه سلطة أوسلو لزيادة إصدار جوازات السفر الخاصة بها لفلسطينيي دول اللجوء، مؤشراً على تواطئها في ما يمكن وصفه بالمؤامرة لإخراج الفلسطينيين من بلدان الشتات وتذويبهم في المجتمعات الغربية، ونسف حقّ العودة الذي يُعتبر أكبر المخاوف الإسرائيلية، بالإضافة إلى سعيها (إدارة الاحتلال) منذ عام 1948 لتحقيق تغيير ديموغرافي في الأراضي المحتلة وطمس الوجود الفلسطيني فيها، وفي مخيّمات اللجوء على حدٍّ سواء، لخنق حقّ العودة لما يمكن أن يُشكّله من نسفٍ للمخطط الإستيطاني والحجج الإسرائيلية المصطنعة لتبييض وجودها الاحتلالي في الأراضي الفلسطينية وتوسّعها فيها على حساب حقوق الفلسطينيين.

وفي ما ينفي محللون ومراقبون وجود أي تحامل على السلطة، واصفين توجّهها لتعزيز حصول الفلسطينيين على الجواز الفلسطيني معدوم الفائدة لجهة عدم توجّه حامليه إلى أرضهم الأصلية في فلسطين، بينما يُسمح لهم بالتوجّه إلى 37 دولة بدون فيزا، والتي ينتقلون منها بطرق شرعية وغير شرعية إلى الدول المنشودة، ويذوبون هناك في واقع مغاير تماماً ينسف أهم عضائد الصراع العربي – الإسرائيلي، ويمنح الكيان المحتل مساحة لتنفُّس الصعداء في ملفٍّ إنساني كبير يُنغّص عليه وجوده السرطاني في الأراضي المحتلة.

تأتي الشكوك بغايات إصدار جوازات “السلطة” مع انتهاج “إسرائيل” سياسة زعزعة المخيّمات ونشر ما تستطيع من الفساد وعدم الإستقرار فيها من خلال عملائها، وافتعال المشاكل الدائمة، مخيّمات لبنان مثال

وتُسهّل السلطة الفلسطينية إصدار الجوازات الفلسطينية من قِبل سفاراتها، من خلال تسريع عملية الإصدار لنحو 14 يوما، وتخفيض رسوم الجواز من نحو 70 دولاراً إلى 10 دولارات، مبرّرة ذلك بوصفه حقاً للفلسطينيين لا يمكن إنكاره غير أنّه يأتي في وقتٍ غير ملائم، ويحمل العديد من التساؤلات خصوصاً مع انعدام السُبل لإعادة الفلسطينيين إلى وطنهم في الوقت الحالي، بفعل التعنُّت الإسرائيلي وعدم تنفيذ أي بندٍ من إتفاقية أوسلو بينما تتمسّك السلطة ببنودها ولا تعمل على نقضها بفعل عدم إلتزام الطرف الآخر!، وفقا لمحللين.

وتأتي الشكوك بغايات إصدار جوازات “السلطة” مع انتهاج “إسرائيل” سياسة زعزعة المخيّمات ونشر ما تستطيع من الفساد وعدم الإستقرار فيها من خلال عملائها، وافتعال المشاكل الدائمة، مخيّمات لبنان مثال، وخلق ميليشيات غير قانونية تقوم بأعمال غير مشروعة لتوريط الشباب الفلسطيني من جهة، وخلق بيئة غير ملائمة للتنمية المجتمعية والإقتصادية بترك هؤلاء يعيثون فساداً في المناطق التي يتواجدون فيها لتحقيق مصالحهم حتى ولو من دون أبعادٍ سياسية يدركونها، غير أنّهم يُحقّقونها بشكلٍ أو بآخر.

“لك يومٌ يا مخيّم اليرموك”

كما رفضت حكومة العدو جميع الحلول والإتفاقيات التي كانت تُشير إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين، مع الإلتفاف الدائم على قرارات الأمم المتحدة رقم 181، و194 على الرغم من أنّ القرار الأخير كان شرطاً لقبول عضوية “إسرائيل” في الأمم المتحدة، غير أنّها وبإتفاقات ملتوية وبضغوط أمريكية تهرّبت من إلتزاماتها كعادتها ووقّعت العديد من الإتفاقيات مع السلطة الفلسطينية نفسها التي أحالت القرار 194 إلى مجرد كلمات.

حقّقت “إسرائيل” غايتها في تهجير وتشريد الفلسطينيين مرة أخرى من بوابة ما يُسمّى بالربيع العربي، لتأتيَ السلطة لتُسهّل بدورها مع الدول الأوروبية عوامل الهجرة

طبعاً، حقد العدو على المخيّمات الفلسطينية ليس وليداً ولا يأتي من “نظرية المؤامرة” فقد قالها المجرم شارون سابقاً “لك يوم يا مخيّم اليرموك”، خصوصاً أنّ مخيّم اليرموك نجح في تحقيق تنمية إقتصادية جعلته قُبلة لرجال الأعمال والمستثمرين السوريين والفلسطينيين على حدٍّ سواء، الأمر الذي رفع القدرة المعيشية للفلسطينيين وحسّن واقعهم المعيشي والتعليمي، ونسف مزاودات الاحتلال التي كان يسوقها من خلال أدواته الدعائية بما يُسمّى “الإرهاب الفلسطيني” وغيرها، لتتصدّر نجاحات الفلسطينيين العلمية والإقتصادية واقع المواجهة، وتجعل المخيّم في صدارة إهتمامات الهمجية الإسرائيلية.

لقد حقّقت “إسرائيل” غايتها في تهجير وتشريد الفلسطينيين مرة أخرى من بوابة ما يُسمّى بالربيع العربي، لتأتيَ السلطة لتُسهّل بدورها مع الدول الأوروبية عوامل الهجرة، ولو بطريقةٍ ليست فجّة ولا توحي بوجود مؤامرة، تبدو بصماتها جلية لكل خبير في تاريخ هذا الصراع الإنساني الكبير.

 فلم تقُم السلطة الفلسطينية عبر سنوات الشتات الطويلة بما يوحي للفلسطينيين بوجودها بوصفها راعياً لهم، ولم تعمل على دعمهم بأي وسيلة، لتظهر فجأة بوادر وجودها من خلال إصدار جوازات تفيدها مادياً في طلب المعونات التي يتنافس أعضاؤها في الحصول عليها.

ويتصدّر الشعب الفلسطيني أعداد اللاجئين بين شعوب العالم، وفقاً للإحصائيات التي تُقدِّر عددهم بنحو 100 ألف لاجئ فلسطيني وصلوا من سوريا إلى أوروبا و8 آلاف لاجئ فلسطيني وصلوا من سوريا إلى تركيا، وعشرات الآلاف الآخرين ممن وصلوا إلى الدول الغربية وانتحلوا جنسيات أخرى مثل السورية وغيرها خوفاً من رفض لجوئهم.

ولجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لشرعنة وجودها السرطاني في الأراضي الفلسطينية إلى حشوها بمرتزقتها واستقدام، ما استطاعت من شذاذ الآفاق، الصهاينة لتوطينهم، أو بالأصح إحلالهم مكان أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينيين.

عملت “إسرائيل” بدون كللٍ على تذويب قضية اللاجئين والإطاحة بها نهائياً من قاموس الصراع، حيث شكّلت إتفاقية أوسلو الهزيلة البوابة لذلك من خلال إختصار موضوع اللاجئين بالشقّ الإنساني – الإجتماعي وأهمية تقديم المساعدات لهم

كما أطلقت قوات الاحتلال عملية تغيير ديموغرافي تقوم على الترهيب والتنكيل وهدم البيوت والبنى التحتية وتدمير سُبل العيش في ما عدا الإعتقال والإخفاء القسري، لإجبار الأهالي الفلسطينيين على ترك أراضيهم، وتحويلهم إلى لاجئين في دول الجوار، لتنتقل إلى مرحلة جديدة بعدها وهو تشتيتهم من المخيّمات ودول اللجوء نفسها لفشل مشاريع توطينهم فيها.  

والحال، فقد عملت “إسرائيل” بدون كلل على تذويب قضية اللاجئين والإطاحة بها نهائياً من قاموس الصراع، حيث شكّلت إتفاقية أوسلو الهزيلة البوابة لذلك من خلال إختصار موضوع اللاجئين بالشقّ الإنساني – الإجتماعي وأهمية تقديم المساعدات لهم، رافضة جميع الحلول الدولية وقرارات مجلس الأمن لإنهاء قضية اللاجئين من خلال إعادتهم لأراضيهم ومدنهم الفلسطينية، حتى أنّها سعت من خلال المبادرات الغربية لحل الصراع إلى إعادة تعريف اللاجئ بأنّه فقط من خرج في النكبة عام 1948 دون أن يتمّ احتساب أبناءه وأحفاده الذين عاشوا في الشتات.. و”صفقة القرن” دليل دامغ على ذلك.

 وفي المقابل، عملت السلطة الفلسطينية عن قصد أو بدونه على تسهيل هذه العملية، تارة من خلال تخلّيها عن أبنائها في الشتات وتركهم لمصيرهم في تلك الدول، وتارة أخرى من خلال المساهمة في تنفيذ أجندات إسرائيلية غير معلنة عبر تسهيل إنتقال الفلسطيني في الشتات إلى أوروبا، وجواز سفر السلطة مثال صارخ على ذلك.

وعليه، فإنّ ما يجري من عمليات بيعٍ مُمنهج لجواز السلطة في بلدان الشتات الرئيسية: سوريا ولبنان، تحتاج إلى وقفة مسؤولة من الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية لوضع حدٍّ لها والتنبيه لخطورتها على ركنٍ أساسي ومفصلي في القضية الفلسطينية ألا وهو.. حقّ العودة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,