تكبيل الأيادي الناعمة: المرأة الفلسطينية بين اللجوء والعنف الموروث

التصنيفات : |
مارس 19, 2022 11:55 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

لا يمكن فصل معاناة المرأة الفلسطينية على الصعد الإجتماعية والقانونية والثقافية، عن المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني جرّاء الأعمال العدوانية لقوى الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948، وما نتج عنها من إغتصاب للأرض وسرقة الأملاك وإجبار الناس على مغادرة ديارهم وطردهم منها وإحلال المستوطنين مكانهم، وصولاً إلى تهجير الغالبية العظمى من أهل فلسطين خارج وطنهم وتحويلهم إلى لاجئين في دول الجوار والمنافي.

تقول المُشرفة على إتحاد لجان المرأة العاملة الفلسطينية في لبنان دنيا خضر:

“اليوم، وبعد نحو ثلاثة أرباع القرن على نكبة أبناء الشعب الفلسطيني، لم تخفّ وطأة المعاناة التي تعرّض لها أبناء شعبنا، بل إزدادت قساوة، لكنّ الأمل ما زال يلازمهم بحتمية العودة إلى الوطن. ويُعزّز صمودهم في دول اللجوء العربي كالأردن، سوريا ، لبنان ومصر. إنّهم يحاولون تدبير شؤونهم المعيشية والحياتية، والدفاع عن حقوقهم المشروعة بالعودة وتقرير المصير والإستقلال الوطني، كذلك النضال في سبيل قضاياهم المطلبية والحياتية في دول اللجوء”.

وعن حياة اللاجئين تشرح خضر: “لم تكن حياة اللاجئيين الفلسطينن بشكل عام سهلة، فقد عانوا الأمرّين، في الوقت الذي كانت معاناة الفلسطينيات، وهنّ بيت القصيد في حديثنا، مضاعفة ولا تُحتمل وعصيّة على الوصف”.

القبلية تتحكم بهمجية بالمرأة الفلسطينية

وتوضح خضر خصوصية وضع المرأة الفلسطينية بالقول:

“تبقى معاناة الفلسطينيات جرّاء التمييز القائم على النوع والجنس قاسماً مشتركاً بين جميع النساء الفلسطينيات، حتى وإن اختلفت مواقع الإقامة وأماكن السكن، فقد توزّعت النساء الفلسطينيات ما بين لاجئات بقين في أرض الوطن المحتل، حيث تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلية قوّتها كونها سلطة الأمر الواقع، وتُعرّض الفلسطينيات لأنواع شتى من التمييز، وأبرز أشكاله: القائم على التمييز العنصري الشبيه بالحالات التي كانت سائدة بالسابق في دولة جنوب أفريقيا يوم كانت دولة التمييز العنصري.

هذا التمييز، كغيره من أنواع التمييز بل أشد إيلاما، يتنافى مع شرعة حقوق الإنسان والإتفاقيات والمواثيق الدولية كاملة، منها ذات الصلة بمعاملة المدنيين في زمن الاحتلال”.

تبقى معاناة الفلسطينيات جرّاء التمييز القائم على النوع والجنس قاسماً مشتركاً بين جميع النساء الفلسطينيات، حتى وإن اختلفت مواقع الإقامة وأماكن السكن

وتضيف خضر: “تتشابه معاناة الفلسطينيات من أهالي قطاع غزة ، مع معاناة اللاجئات الفلسطينيات في مخيّمات اللجوء والشتات من بينها مخيّمات القطاع أيضا، حيث تسير سلطة الأمر الواقع بما يتماشى وتوجهاتها لأدلجة المجتمع وحكمه من خلال نظرة واحدة تُكرّس التمييز ضد المرأة، في وقت لا زالت الأعراف والتقاليد المجتمعية العائلية والعشائرية التي لها وزنها ومفاعيلها في الوسط المجتمعي، تطال بشكل خاص حياة وحقوق الفلسطينيات.

أما في الشطر الآخر من الوطن، في الضفة الغربية ومدينة القدس، يكتسب الكفاح النسوي بعداً وطنياً يتقدّم على ما دونه من نضال في سبيل الحقوق الإجتماعية والسياسية للفلسطينيات، يتجلّى في الدفاع عن الأرض وحمايتها من التغوّل الاحتلالي، الإستيطاني من جهة، ولا تتوانى الفلسطينيات عن متابعة نضالهنّ ومطالبة السلطة الوطنيه الفلسطينية بالإعتراف بكامل الحقوق النسوية وبما يتوافق وشرعة حقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية ذات الصلة، والتي اعترفت بها وصادقت عليها السلطة الفلسطينية.

منها ما يتعلق بمناهضة العنف والتمييز ضد المرأة، والمساواة بين الجنسين، وحقّ المرأة في المشاركة بالعملية الإنمائية وصنع القرار السياسي، والتصدي لذيول التقاليد والعادات العشائرية التي تقف في مناهضة الحقوق النسائية، وتتعدّى على حريتها في الرأي والتعبير، والديمقراطية وتقرير المصير، تصل حدّ التعنيف والإكراه على الزواج المبكر، والقتل بدافع الشرف .

أما في سوريا، فإنّ الأحداث التي حصلت خلال العقد الأخير، أطاحت بحالة الإستقرار التي عاشتها اللاجئة الفلسطينية، وحوّلتها الى لاجئة مجددا، عبرت الحدود بحثاً عن الأمن والسلام، إلى أن حطّت الرِحال مجدداَ في لبنان، وهاجر الكثير منهنّ إلى أوروبا، تعرضت العشرات منهنّ للموت غرقاً في البحار”.

لبنان الأكثر تمييزا وعنصرية

وعن وضع النساء الفلسطينيات في لبنان، توضح خضر: “لا شك أنّ للمرأة الفلسطينية اللاجئة في مخيّمات لبنان خصوصية تستمدّها من سِمات الواقع المعاش، وما تعرّض له لبنان الشقيق والمخيّمات من أحداث على المستوى الداخلي، بالإضافة إلى الأعمال العدوانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، كل ذلك جعل حياة المرأة الفلسطينية الأشد قساوةً وشقاءً مقارنةً بواقع الفلسطينيات في باقي مخيّمات الشتات، ومنها مخيّمات الضفة الغربية وقطاع غزة أيضا.

يوجد ١٥ قانون للأحوال الشخصية في لبنان، كل منها يختلف عن الآخر، لكنّ المشترك بينها هو التمييز ضد المرأة وخصوصاً بما يتعلق بالحضانة والوصاية

 تعيش المرأة الفلسطينية في لبنان ضمن نظام سياسي، متعدّد الأقطاب والطوائف والمذاهب والنُّظم السياسية المتشعّبة المشارب، لكل مذهب قانون للأحوال الشخصية، إذ يوجد ١٥ قانون للأحوال الشخصية كل منها يختلف عن الآخر، لكنّ المشترك بينها التمييز ضد المرأة وخصوصاً بما يتعلق بالحضانة والوصاية. يُضاف إلى ذلك موقف المكونات اللبنانية من الوجود الفلسطيني في لبنان، ذلك الموقف الفريد من نوعه المحكوم بالتوازنات الداخلية، وفي ضوئه وحسب مصالح المكونات يجري التعاطي مع حالة اللجوء الفلسطيني.

على الرغم من الإعتراف بدور الفلسطينين وفعالياتهم في العملية الإنمائية، وفي الوقت عينه يجري التّنكر للحقوق الإنسانية، من مدنية وإجتماعية، التي يجب أن يكون قد حصل عليها اللاجئون الفلسطينيون منذ النكبة، وفقاً للمواثيق والأعراف الدولية ومن بينها بروتوكولات الجامعة العربية، حيث وبكل أسف، تحرم القوانين والتشريعات اللبنانية اللاجئ الفلسطيني من حقوقه كلاجئ من خلال عدم الموافقة على إتفاقية جنيف المتعلقة باللاجئين، وأيضاً من الحقّ بالتملّك ولو بحدود شقة تأوي عائلته، في مخالفة واضحة للأديان والشرائع السماوية .

والأقسى من ذلك، يتمسّك لبنان بمقولة “التعامل بالمثل” التي يشير إليها في تعامله مع الأجانب. وهو ما لا ينطبق على اللاجئ الفلسطيني الذي ترعى شؤونه وكالة الاونروا، على الرغم من اعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالسلطة الوطنية الفلسطينية، وتربطه علاقات دبلوماسية بسفارة دولة فلسطين في لبنان، التي اعترف بها أكثر من ١٩٤ دولة .

في حين لا تتوقف المرجعيات اللبنانية عن مطالبة الفلسطينين برفض التهجير والتوطين وتدعوهم لمواصلة الكفاح دفاعاً عن تطلعاتهم وحقّهم في العودة والحرية والإستقلال الوطني. (أوليست القضايا الحياتية الشخصية، المعيشية والمطلبية جزءاً من تلك التطلعات؟).

وعن تحمّل المسؤولية، توضح خضر:

“تُشير الدراسات المتخصصة إلى أنّ أعداد اللاجئات الفلسطينيات يقارب 49% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ نسبة النساء الفلسطينيات في لبنان تُشكّل 58% من أعداد اللاجئين الفلسطينيين؛ ويعود الخلل في التوازن لوجود هجرة دائمة، وعلى مراحل، للذكور. وهذا ما يرفع من نسبة النساء المسؤولات عن العائلة.

وما يزيد من معاناتها، فإنّ القوانين اللبنانية تُضيّق المساحات أمام عمل المرأة الفلسطينية ويصبح مجال العمل أمامها محصوراً بمهنٍ نمطية محددة وخاضعة لسلسلة من الإجراءات الإدارية المتعِبة. وهذا ما يحدّ من إمكانيات تطورها وتقدّمها الحضاري والإنساني، ويُفاقم من معاناتها جرّاء التهجير، ويُشعرها بأنّها منفصلة وغريبة عن المجتمع، ما يدفعها إلى التقوقع والإنزواء خلف مشاعر مؤلمة تزيد لجوئها غربة، غير قادرة على تطوير ذاتها، أو الإنخراط في أعمال إجتماعية أو سياسية منظمة.

ويتراجع مستوى تفاعلها مع قضايا الشان العام، ويتقهقر طموح الشابات بأمل في مستقبلٍ واعدٍ ومنير، واسع الأفق، وتدل المؤشرات إلى أنّ حياة الفلسطينيات في المخيّمات صعبة؛ تفتقر إلى الحدّ الأدنى من شروط الحياة الآمنة والسكن في أماكن لا تصلح أساساً للسكن، باعتراف أحد أعضاء الوفد الوزاري الذي زار مخيّم عين الحلوة منذ بضع سنوات، الذي أبدى إستغرابه ودهشته أمام إرادة وإصرار اللاجئين الفلسطينيين على التمسّك بالحياة في بيئة تفتقر إلى أدنى المقومات الصحية والخدمات الضرورية للحياة الكريمة، لذلك فإنّ الفلسطينيين مجبرون على طرق أبواب الهجرة إلى المنافي بمختلف الوسائل القانونية وغير القانونية، وهذا يؤدي إلى دخول مئات الفلسطينيات إلى سوق العمل لتدبير شؤون عوائلهنّ حيث بلغت نسبة اللواتي يعملن لإعالة عائلاتهن 60% من النساء، ويعملن في الغالب في مجال الخدمات المنزلية 28%، وأخريات في مجالات الزراعة، والأعمال المكتبية، وحيث أمكن في المحال التجارية والأماكن الصناعية الخطرة وغير الآمنة، وفي قطاع التعليم بالأونروا بنسبة قليلة” .

تكبيل الأيادي الناعمة

ويبقى عملهنّ في لبنان محكوماً بنظمٍ وإجراءات ذات طبيعة أمنية، أسوة بالإجراءات المعمول بها على تخوم وأطراف المخيّمات، حيث المخيّم أشبه بمعسكر تُحيطه الأسلاك والبوابات الحديدية والحواجز والسواتر الأمنية والجدران الإسمنتية، التي تُعيق الحياة وتحدّ الحركة، فتطال تداعياتها المؤلمة النساء أكثر من سواهن. لذلك، نتساءل عن أهمية الإتفاقات الدولية التي وقّع عليها لبنان، ولم يضعها قيد التطبيق ومنها: إتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وإتفاقية حقوق الطفل وغيرهما.. حيث لا يزال التمييز والتعنيف والتحرّش، والتهرّب من تطبيق قانون العمل والأجر المتساوي وساعات الدوام.. هو المسيطر والسائد على واقع الحياة للمرأة الفلسطينية من جميع الجوانب.

لا يزال التمييز والتعنيف والتحرّش، والتهرّب من تطبيق قانون العمل والأجر المتساوي وساعات الدوام.. هو المسيطر والسائد على واقع الحياة للمرأة الفلسطينية من جميع الجوانب.

وتختم خضر: “إنّ معاناة اللاجئات الفلسطينيات يعود إلى التمييز والعنف المبني على النوع الإجتماعي في القوانين الوضعية، مصحوباً بصعوبة لا حدود لها في الوصول إلى العدالة الإجتماعية وخاصة القضايا ذات الصلة بالارث، حضانة الأطفال، الأحوال الشخصية، قانون الضمان الإجتماعي، والإستفادة من خدمات صناديق الضمان المخصصة لإعانات المرضى والأمومة، علماً أنهنّ مُلزمات كسائر اللاجئين الفلسطينين بالتسديد للضمان، بوقت تُمنع عن العاملات الفلسطينيات إجازات الأمومة، ويتعرضنّ للتعنيف، والتحرّش في مراكز العمل.

كما أنّ علاقة العاملات الفلسطينيات بالمظلة النقابية التي تدافع عن حقوقهنّ أسوةً بالعاملات اللبنانيات والأجنبيات ضعيفة، وغالباً ما يكون موقف الإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين محدوداً بكل أسف.

وتقف اللاجئات الفلسطينيات في لبنان إلى جانب أقرانهنّ من نساء لبنان، سيّما وأنّ القوانين مصدرها السلطات التشريعية في البلد المضيف: لبنان. كما أنّ اللاجئين محكومون، أسوةً باللبنانيين، لقوانين البلد المضيف، ونخضع للقوانين المرعية الإجراء، رغم ما فيها من تمييز ضد المرأة، ونرى بوجود حاجة وضرورة لمشاركة اللاجئات الفلسطينيات في الفاعليات وتحركات الهيئات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني اللبناني، موحّدين في مواجهة مناهضة حقوق المرأة ووقف التمييز”.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,