كيف للاجئة كفيفةٍ أن تحيا في سواد العيش.. وتبقى!

التصنيفات : |
مارس 20, 2022 12:12 م

يُقال: “من فقدَ بصره يستطيع العيش بسعادة،

لكن من فقدَ أمله فقدَ السعادة في الحياة”.

تبقى حياة ذوي الإرادات الصلبة من أكثر القصص التي يستخلص منها الإنسان أسمى العِبر وأرقى المعاني.

وبشكلٍ عام، ينعم الأفراد من ذوي “الإرادات الصلبة” وبمعنى آخر من ذوي “الإحتياجات الخاصة”، في حكوماتٍ تحترم نفسها أولا، بامتيازاتٍ كثيرة، تجعل منهم -هذه الحكومات- مصدراً بشرياً لإستثمار قدراتهم ومواهبهم المتعددة.

أما في لبنان، الأمر يختلف تماما، فكيف إذا كان ذوو الإحتياجات الخاصة من اللاجئين، وكم من المعوقات التي تحول دون وصولهم إلى ما يحقّ لهم الوصول إليه؟!

حكايات استمرار

تعيش عائلة “عزّو” في مخيّم شاتيلا، من أم هي لاجئة فلسطينية وأب سوري الجنسية، وتعاني ما تعانيه غالبية اللاجئين في لبنان، لكنّ حكاية سوزان عكيلة، مختلفة جدا، فرغم أنّها محرومة من أدنى حقوق العيش في بلد اللجوء، تواجه وأولادها الثلاثة المكفوفين، أقسى الظروف في بلدٍ يفتقر لكلّ مقومات الحياة الكريمة.  

تُجسّد سوزان، قصة الأم التي تكافح من أجل أبنائها، في مخيّم للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وحتى اللحظة، ما زالت تسعى لإحياء الأمل الذي كاد أن ينطفىء، كأبصار أولادها الثلاثة.

في منزلٍ مهترئ، بأثاثٍ قديم، وحياةٍ بسيطة، يتشارك كلّ من علي، آية ورشا، حكايات استمرار، وهم يُثبتون يومياً أنّهم قادرون على النهوض بأنفسهم وإكمال طريقهم واستئناف الأمل.

وفي حديثٍ خاص مع صمود، تقول الأم سوزان: “أعيش وأولادي المكفوفين في بيتٍ قديم، ونعاني الكثير، لكن جلّ ما أريده اليوم هو أن أمنح أولادي شهاداتٍ تعليمية تُسعفهم في الحياة، وتُغنيهم عن الحاجة إلى الناس”، وتتابع: “سأكمل معهم الطريق لآخر نفس ولن أستسلم”.

طريقُ معبّدٌ بالخيبات

تقول رشا عزّو، وهي تتنهّد: “نحن في وضعنا هذا، إذا أردنا التكلّم، نحن نعبّر فقط عن أوجاعنا كما اعتدنا أن نعبّر، آلامنا التي لا يستطيع أحد أن يشعر بها -حتى أُمّنا- هي لا تدري كم نعاني كل يوم، وما نشعر به كل ثانية”.

وتستطرد الشابة الكفيفة: “أتمنى أن يكون في محفظتي القليل من المال لأشتريَ مستلزماتي من مصروفي الخاص، صحيح أنّ أهلي هم المسؤولون عنّا لكنهم لا يستطيعون أن يلبّوا جميع إحتياجاتنا”.

وتضيف: “مررت بتجاربٍ أليمة، صادمة، وموجعة، لكنّ أكثرها ألما، كانت في الجامعة اللبنانية عندما قرّرت أن أدرس “علم النفس”، حينها أُصبت بخيبات الحياة، وتعلّمت درساً ثمينا، ليس كلّ متعلّمٍ مثقّفا، وليس كلّ حامل شهادات ذا قيمة. كان أستاذي الجامعي يقول لي: “أنتِ لا تستطيعين أن تدرسي هذا الإختصاص، لأنّك لن تتمكّني من معرفة لغة الجسد، أنتِ عمياء!”.

وتتابع رشا: “خرجت من الجامعة بخسائرٍ كثيرة، أسوأها خسارة صحّتي النفسية. لكنّني لم أستسلم، دخلت الجامعة الأمريكية للثقافة والتعليم AUCE، وحالياً أنا أدرس إختصاص إدارة المشاريع”.

آية وعلي

تتنهّد الشقيقة آية، والدموع تتخاتل في العينين المطفأتين، وتروي: “في صغري، كنت أتخيّل الحياة التي أطمح أن أعيشها، وأرسم في مخيّلتي كل ما أريد أن أفعله عندما أكبر، أُفرغه على الورق، إلى أن دخلت المدرسة واصطدمت بالواقع البشع. عانيت من تنمّر الرفاق، وتحطيم المعنويات، وإلى اليوم أنا كـ”لاجئة” تعيش في المخيّم، ينقصني الكثير، وأفتقر لأبسط الحقوق، وأهمها تقبّلي كـ”لاجئة” أولاً وغير “مبصرة” ثانيا”.  

آية البهية، خسرت بصرها واستبدلته بالإصرار، تقول: “طموحي لن يتوقف، رغم أنّني عانيت من تنمّر الرفاق، ألا أنّني كنت من المتفوقين دائماً والأولى في صفّي في مدرسة “الأونروا”. واليوم، دخلت الجامعة لأدرس الإختصاص الذي أحب، وهو الموارد البشرية، إعاقتي لم تكن يوماً عبئاً علي، سأكمل الطريق لأكون مثالاً يقتدي به من هم مثلي”.

أما علي، الفتى النشيط، الحيوي، الذي تبرق عيناه من شدة الحماس وهو يخبرنا عن تطلعاته للمستقبل: “إرادتي صلبة وقوية، حُلمي أن أصبح مايسترو، أنا بارعٌ في الموسيقى، وأُجيد “الدق على الدربكة”، أعزف منذ الصغر، وأستمع إلى الألحان والموسيقى، وتعلّمت الكثير من اليوتيوب. أنا فتى عبقري وسأكون يوماً ما موسيقياً عالميا”.

ويضيف: “رفاقي في المخيّم  يحاولون أن يؤذونني لأنّني لا أراهم، لكنّ أمي درّبتني على الدفاع عن نفسي وأن أحميَ جسدي إذا ما تعرّض لي أحد”.

ترتجف يدا رشا توتراً وينبض قلبها فرحاً وهي تستمع إلى حديث أخويها، وتُعقّب: “نحن من ذوي الإرادات الصلبة، سنبقى نكافح ولن نستسلم، شعارنا للأبد هو “لا للإستسلام”، و”مبدعون رغم الصعاب مبدعون””.

وتتابع: “كلٌّ منّا لديه حلم، وأنا أرى نفسي في المستقبل مترجمة عالمية، فأنا أحب التكلّم بروحي والتعبير بلساني، طموحنا أن نكون مثالاً حيّاً يقتدي به الناس”.

وختمت الأم سوزان بالقول:”عوّدت أبنائي المكفوفين أن يعتمدوا على أنفسهم في حياتهم، فلستُ دائمة لهم، ولا أريد من أحدٍ أن يشفق على أولادي، هم بنظري أسوياء، لم تمنعهم إعاقتهم من فعل أيّ شيء، قُمت بتدريبهم لفعل كل شيء، هم أشخاص عاديون وأطلب من الناس أن يعاملوهم على هذا الأساس.  

خطّان متوازيان لا يلتقيان

تتحدّث رشا عن الحب والزواج: “الزواج هو حلم كلّ فتاة. وأنا أرغب بأن يحبّني رجل أثق به ولا يخذلني. من خلال تجاربي السابقة في الحب، أدركت أنّ الزواج ليس هدفي، أطمح بأن أتخرّج من جامعتي، وأن أحصل على فرصة عملٍ أطوّر من خلالها قدراتي.

الشباب اليوم يريدون فتاة تساعدهم في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة، وأنا لا أملك تلك المقوّمات في الوقت الحالي، بل فقدت أهمّ عناصرها، بسبب إعاقتي، فمن يقبل بأن يتزوّج من فتاة كفيفة؟ ومن سيرضى بوضعنا المعيشي والأُسري البائس؟”.

وتختم: “أنا وأختي لا نفكّر بالزواج. لدينا أولويات، والحبّ ليس من أولوياتنا ولا نؤمن به”.


وسوم :
, , , , , ,